تلاشى مؤخراً الانتعاش الوقتي الذي أحاط بانتخابات مجلس النواب العراقي التي جرت في 12 أيار/مايو وسط اندلاع أعمال عنف وادعاءات بحدوث عمليات تزوير واسعة النطاق. وقد حدثت انفجارات في مدينة الصدر ببغداد في 6 حزيران/يونيو، بينما أُضرمت النيران في مخازن للصناديق الانتخابية في 10 حزيران/يونيو. ووقعت هذه الحوادث في الوقت الذي كانت فيه الحكومة تنظر في اتهامات بحدوث تلاعب في آلات التصويت الإلكترونية، وحشو صناديق الاقتراع، وتخويف الناخبين، وحصول أعمال رشوة، وسوء استخدام بطاقات هويات الناخبين.
وقد تجاهلت “المفوضية العليا المستقلة للانتخابات” شكاوى التزوير في البداية، لكن تحقيقاً أجراه مجلس الوزراء وجد أدلة كافية – تشمل وقوع جرائم جنائية محتملة – للدعوة إلى إعادة عملية الفرز اليدوية للانتخابات بصورة استطلاعية بنسبة 5 في المائة في محافظات معينة. وبعد ذلك، في 6 حزيران/يونيو، قام مجلس النواب بتعديل قانون الانتخابات من أجل فرض [القرارات] التالية:
• إلزام “المفوضية العليا المستقلة للانتخابات” بإﻋﺎدة العد والفرز اليدوي الكامل للأصوات ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺎت.
• إحلال قضاة معيّنين من قبل مجلس القضاء الأعلى محل المفوضين الحاليين لـ “المفوضية العليا المستقلة للانتخابات” (تتألف “المفوضية” من أشخاص معينين سياسياً).
• إلغاء جميع أوراق الاقتراع الغيابي في الخارج، فضلاً عن جميع النتائج التي أدلى بها رجال الأمن ومحطات الاقتراع في مخيمات النازحين.
وفي اليوم الذي سبق إصدار تعديلات مجلس النواب، دعت الحكومة إلى فرض حظر على سفر مسؤولي “المفوضية العليا” إلى جانب الأمر القاضي بإعادة الفرز اليدوي. وتشكك “المفوضية” الآن في دستورية خطوة السلطة التشريعية أمام المحكمة العليا.
ما هو الدليل؟
بدأ التحقيق الرئيسي في 25 أيار/مايو، عندما شكلت الحكومة لجنة تضم مسؤولين من وكالات التدقيق والاستخبارات العراقية للنظر في اتهامات التزوير. وعندما عرضت اللجنة نتائجها في 29 أيار/مايو، وصفها رئيس الوزراء حيدر العبادي بأنها انتهاكات “خطيرة”. وكان أحد الاستنتاجات الأكثر إثارة للقلق هو عدم اختبار آلات التصويت الإلكترونية العراقية – التي لم تستخدمها الدولة من قبل – بشكل كاف ضد حدوث تلاعبات قبل يوم الانتخابات. ونتج عن ذلك تناقضات بين عمليات الاقتراع الفعلية وقراءات آلات العد الألكترونية، مما أشار إلى أن بعض الآلات كانت مُبرمجة مسبقاً لكي تٌنتج أصوات مزوّرة.
كما وجدت اللجنة أيضاً أنه قد تم رشوة بعض المسؤولين في “المفوضية العليا المستقلة للانتخابات” الذين أشرفوا على الانتخابات في الخارج من أجل تزوير نتائج الانتخابات من خلال حشو صناديق الاقتراع. وحتى أن بعض مراكز الاقتراع قد سجلت معدلات مشاركة بنسبة 100 في المائة – وهو إنجاز لم يكن ممكناً إلّا من خلال الحصول على بطاقات هوية بشكل غير قانوني لناخبين كانوا قد امتنعوا عن المشاركة في التصويت، والإدلاء بأصواتهم من خلال استعمال أسمائهم.
لماذا الأمر مهم
من شأن تجاهل الأدلة على تزوير الانتخابات أو تغطيتها أن يؤديان إلى اضمحلال الثقة في الانتخابات التي شابها بالفعل انخفاض قياسي في نسبة الإقبال، الأمر الذي يثير الشكوك حول شرعية الحكومة المقبلة. إن إعادة فرز الأصوات، رغم أنها محفوفة بالمخاطر في حد ذاتها، يمكن أن تبعث بعض الطمأنينة في النظام الانتخابي العراقي إذا أُجريت بشكل صحيح. إن تعزيز الثقة أمراً مهماً الآن لأن هناك عمليتي انتخاب إضافيتين تلوحان في الأفق: الانتخابات التي ستجريها «حكومة إقليم كردستان» في أيلول/سبتمبر، وانتخابات المحافظات المقرر إجراؤها في جميع أنحاء البلاد في كانون الأول/ديسمبر.
ويدعم كل من مجلس الوزراء والسلطة التشريعية إعادة فرز الأصوات، لذا من المرجح أن يتم العمل بها. وعلى أقل تقدير، ستؤدي هذه العملية إلى بعض التغيير في نتائج إحصاء الأصوات النهائي، وربما قد تكون كافية لتغيير النتائج في محافظات معينة.
ومع ذلك، فإن إعادة الفرز اليدوي ليست دواءً لكل داء، وعلى الرغم من أنها قد تمنع الاحتيال الإلكتروني، إلّا أنّها لن تكتشف المشاكل الأخرى مثل حشو صناديق الاقتراع وترهيب الناخبين. ويمكن أن يؤدي الحريق الذي وقع في مخازن الصناديق الانتخابية في 10 حزيران/يونيو إلى زيادة الحد من فعالية إعادة فرز الأصوات إذا تم تدمير أدلة حاسمة. بالإضافة إلى ذلك، إذا كانت هناك تناقضات فاضحة بين القراءتين الآلية واليدوية، فمن المرجح أن تتجه البلاد نحو إجراء انتخابات جديدة، كما دعا إليها رئيس الوزراء السابق إياد علاوي وغيره من القادة السياسيين.
إن عملية إعادة الفرز تحمل أيضاَ مخاطر سياسية كبيرة. فقد تؤدي إلى تأخير عملية تشكيل الحكومة حتى عام 2019 وتُسبب المزيد من تفكك الأحزاب. كما يمكن أن ينتج عنها تغييرات كبيرة في النتائج المعلنة التي قد تنتهي بتقويض الائتلاف الشيعي العربي الذي يتزعمه مقتدى الصدر، وهو تطور سيؤدي بلا شك إلى تفاقم التوترات الطائفية والاضطرابات السياسية.
أما في «حكومة إقليم كردستان»، فقد قام «الحزب الديمقراطي الكردستاني» و «الاتحاد الوطني الكردستاني» بالتشبث بالفعل [بمواقفهما المتعلقة بالانتخابات]. فقد قاطعا جلسة مجلس النواب التي صوتت لصالح إعادة فرز الأصوات ورفضا الأمر الذي صدر بإلغاء نتائج الاقتراع الخاص بقوات الأمن (حيث يكون تأثير محاباة الحزبين هو الأقوى إجمالاً). وقد تلجأ بعض العناصر إلى عمليات العنف إذا لا تسير العملية في صالحها – على سبيل المثال، عندما ذكرت وسائل الإعلام التابعة لـ «حزب غوران» – فصيل المعارضة في «حكومة إقليم كردستان» – احتمال حدوث تزوير في عملية التصويت قبل موعد الانتخابات بوقت قصير، هاجمت [عناصر من] «الاتحاد الوطني الكردستاني» مقر الحزب في السليمانية.
أما بالنسبة لإمكانية نشوب أعمال عنف أوسع نطاقاً على صعيد البلاد، فيبدو أن مثل هذه الاندلاعات تشكل تهديداً دائماً في العراق. فعلى الرغم من الإصلاحات الجارية بقطاع الأمن، إلّا أنّ العديد من القوات والميليشيات لا تزال تعمل خارج نطاق سيطرة الحكومة. وقد ساد الأمن خلال الانتخابات نفسها، ولكن التفجيرات التي وقعت في مدينة الصدر والحريق الذي طال مخازن الصناديق الانتخابية تُظهر مدى السهولة التي يمكن أن تصبح فيها بعض الجهات الفاعلة قوة مخربة – بغض النظر إذا كانت هذه الجهات أجنبية أم محلية.
ماذا نتوقع
من أجل الحد من هذه المخاطر واستعادة بعض الثقة في الديمقراطية العراقية، يجب إجراء عملية إعادة فرز الاصوات في أسرع وقت ممكن، ومع أقصى دعم دولي. وسيساعد المراقبون الأجانب غير المتحيزين على تعزيز الثقة في العملية – فمشاركة الأمم المتحدة أمر لا بد منه، وهو الحال مع الدعم الذي تقدمه المنظمات الشهيرة في الولايات المتحدة مثل “المعهد الجمهوري الدولي” و”المعهد الديمقراطي الوطني”. إن إجراء انتخابات جديدة قد ينطوي على مخاطر أكبر؛ وستصبح فرص هذا السيناريو أكثر وضوحاً في الأيام القادمة، خاصة إذا ساهمت شخصيات بارزة مثل المرجع الشيعي آية الله السيد علي السيستاني في الإدلاء بملاحظات علنية.
وحيث تأخذ عملية إعادة فرز الأصوات مسارها، من المرجح أن يضطر العبادي وحكومته إلى التحول إلى [حكومة] تسيير أعمال في غياب هيئة تشريعية جديدة. ومن شأن أي قرارات يتخذها في الفترة الانتقالية أن تؤثر على فرصه في تأمين فترة ولاية ثانية.
ومن جانبهم، ينبغي على المسؤولين الأمريكيين أن يظلوا على الحياد في الوقت الذي يقدمون فيه للعبادي أي دعم يحتاجه لضمان المساءلة وسيادة القانون. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي عليهم مساعدة الجيش العراقي في التركيز على أمن المحافظات التي تم تحريرها مؤخراً من تنظيم «الدولة الإسلامية»، حيث كان تزوير الانتخابات منتشراً على نطاق واسع. ولا تستطيع هذه المحافظات على وجه الخصوص تحمّل المزيد من العنف. يجب على واشنطن أيضاً أن تُرسل إشارة إلى الحزبين الكرديين الحاكمين بأن العنف السياسي في شمال البلاد أمر غير مقبول.
بلال وهاب
معهد واشنطن