واشتعلت النيران الأحد الماضي في مخازن مفوضية الانتخابات التي تضم صناديق اقتراع منطقة الرصافة (شرقي بغداد). ونفت السلطات الأمنية وصول الحريق إلى الصناديق، بيد أن صورا انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي أظهرت احتراق العديد من أوراق التصويت.
وأعلنت السلطات إلقاء القبض على أربعة مشتبه بهم، بينهم ثلاثة رجال شرطة، في حين دعا رئيس مجلس النوابسليم الجبوري إلى إعادة الانتخابات من جديد، بسبب حجم “التزوير والتلاعب” الذي شابها.
من جهة أخرى، أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الثلاثاء أن التحقيقات الأولية في الحريق تشير إلى أن الحادث كان بفعل فاعل، لكنه مع ذلك أكد أنه “لا رجوع للوراء ولا تعطيل للانتخابات”، وأن المشوار سيبدأ لتشكيل الحكومة الجديدة.
وفي اليوم نفسه، أعلن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر والقيادي السابق في الحشد الشعبي هادي العامري التوصل لاتفاق لتشكيل أكبر كتلة في البرلمان العراقي بين تحالفي “سائرون” و”الفتح” اللذين جاءا في المركزين الأول والثاني في الانتخابات البرلمانية التي جرت في 12 مايو/أيار الماضي.
وبحسب الدستور العراقي، يفترض أن تقوم الكتلة البرلمانية الأكبر بتشكيل الحكومة الجديدة.
لا تغيير
ولا يعتقد القيادي في التيار الصدري أمير الكناني أن الفرز اليدوي -بدل الإلكتروني- يمكن أن يغير نتائج الانتخابات إلا على نطاق محدود. ويضيف للجزيرة نت أن التغييرات إن حصلت فستكون داخل القوائم الانتخابية نفسها عبر تبادل المقاعد بين المرشحين.
ويرى الكناني أن الشحن والتوتر الموجودين حاليا بين المرشحين أمر طبيعي حدث سابقا في انتخابات عام 2010 حين أعيد الفرز في الانتخابات التي انتهت بفوز كتلة إياد علاوي وقتها، لكن هذه العملية لم تظهر وجود فروق ذات شأن في النتائج، بحسب تعبيره.
وتوقع الكناني زوال الاحتقان بين الكتل السياسية بعد المصادقة على النتائج وذهاب الكتل الفائزة لتشكيل الحكومة، لكنه في الوقت نفسه يستبعد حدوث تغيير جوهري على مسار العملية السياسية، خاصة أن معظم الكتل ما زالت تطالب باستمرار المحاصصة الطائفية والسياسية، باستثناء قائمة “سائرون” التي تمثل التيار الصدري، على حد قوله.
ويعتقد عضو الهيئة السياسية لتحالف القوى العراقية عصام العبيدي أن المستفيد من حرق الأصوات هي كتل “طارئة” على المشهد المتعثر أصلا، وهي لا تمثل مشاريع سياسية بقدر كونها شركات تمارس “غسيل الأصوات”، وفق تعبيره.
ويرى العبيدي أن الفرز اليدوي سيغير الخارطة الانتخابية بعض الشيء، لكن المشكلة ليست في إجراء هذه الخطوة وإنما في كيفية “إرجاع ما كان متبقيا من ثقة الجمهور اليائس من مشهد سياسي مشوه”.
الحل هو الإلغاء
وبحسب العبيدي، فلا وجود لحل يعيد بعض الثقة في العملية السياسية برمتها والانتخابات على وجه الخصوص إلا بإلغاء النتائج وإعادة الانتخابات، و”لا بأس من دمجها مع انتخابات مجالس المحافظات بشرط ألا تتكرر هذه المهازل مرة أخرى”.
ويقول العبيدي إن مفوضية الانتخابات تحولت إلى ما يشبه “السمسار الرخيص”، وكثير ممن تصدروا المشهد السياسي بدعم الخارج والمال الفاسد هم من صنعوا هذا السمسار على حساب الوطن والمواطن، وفق تعبيره.
أما بدر الفحل النائب في البرلمان الحالي والمرشح عن تحالف “النصر” الذي يقوده رئيس الوزراء حيدر العبادي فيعتقد بأن من أحرق الصناديق هو من يريد أن يخفي جريمة التزوير، وأن يوقع الفتنة بين القوى السياسية، خاصة أن الرصافة أفرزت أربعين مقعدا، حصلت عليها عدة كتل في مقدمتها “سائرون” و”النصر” و”الفتح”.
ويرى الفحل أن الفرز اليدوي سيقلب النتائج رأسا على عقب، خاصة أن عددا كبيرا من المزورين سيخسرون، لأن هناك تلاعبا واضحا قد حدث، ومنهم من عمل على تعبئة أصوات رقمية لا وجود لها على الأرض، على حد قوله.
وفي الوقت نفسه لا يتوقع الفحل حدوث صدامات بين الكتل الكبيرة، ويدعو الجميع إلى الحفاظ على “سمعة البلد”.
من جانبه، يشير الكاتب الصحفي رائد المعموري إلى أن إحراق صناديق الاقتراع التي كان من المفترض أنها تخضع لحراسة مشددة يؤكد أن من خطط ونفذ العملية هي جهة متنفذة.
كما أن توقيت العملية يشير -في رأيه- إلى أن أطرافا تسعى جاهدة لإفشال عملية إعادة العد والفرز اليدوي التي صوّت عليها البرلمان، بأي شكل من الأشكال، للتغطية على ما قيل إنها عمليات تزوير وخروق شابت الانتخابات.
ويرى المعموري أن دعوات بعض الأطراف السياسية لإعادة الانتخابات تبدو “ضربا من الخيال” لأسباب قانونية ومالية وحتى سياسية، كما أن المضي في تشكيل الحكومة وفقا للنتائج الحالية هو أيضا يبدو مستحيلا، “ولن ينتج حكومة منسجمة ولا وضعا مستقرا”.
إرباك ومخاوف
ويعتقد محللون سياسيون أن ولادة حكومة جديدة في غضون الشهور المقبلة يبدو أمرا مستبعدا، أما الخيارات المطروحة للتعامل مع الواقع فأبرزها التسوية ومحاولة إرضاء الكتل الخاسرة والمتضررة من عمليات التزوير.
ويقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة النهرين علي أغوان إن الحكومة الحالية ستتحول إلى حكومة تصريف أعمال نهاية الشهر الجاري، وستكون ناقصة الصلاحيات بشكل كبير، وذلك يعني شبه تجميد لعمل الوزارات ومجلس الوزراء كافة، وانتزاع أغلب الصلاحيات ودخول البلاد مرحلة الفراغ التنفيذي.
ويرى أغوان أن قرار البرلمان إلغاء نتائج الانتخابات وإعادة الجميع للمربع الأول يعني أنه لا يوجد حتى الآن أي فائز أو خاسر في الانتخابات، ما لم تصادق المحكمة الاتحادية على النتائج النهائية خلال تسعين يوما على أقل تقدير.
ويؤكد أن على الجميع توقع الأسوأ على الصعيد الأمني، فما زالت صورة انتخابات أبريل/نيسان 2014 وما تبعها من أحداث أدت إلى سقوط الموصل ومحافظات أخرى بعد أقل من شهرين من الانتخابات عالقة بأذهان الكثيرين.
ويتوقع أغوان أنه إذا حدثت خروق أمنية خلال هذه الفترة فقد يفتح ذلك الباب أمام حكومة طوارئ بصلاحيات أمنية عالية، سواء بالعبادي أو بدونه، وفق ما يرى.
مروان الجبوري
الجزيرة