إسرائيل لا تستبعد إقامة علاقات مع الأسد وعينها على خطوط 1974

إسرائيل لا تستبعد إقامة علاقات مع الأسد وعينها على خطوط 1974

أبقت إسرائيل الثلاثاء الباب مواربا أمام إمكانية إقامة علاقات في نهاية المطاف مع سوريا في ظل رئاسة بشار الأسد، مشيرة إلى التقدم الذي تحرزه القوات الحكومية في الحرب الأهلية المستمرة منذ ثماني سنوات والتي توقع مسؤولون إسرائيليون في بدايتها أن تطيح بالأسد.

وأحرز الجيش السوري مؤخرا تقدما نوعيا في جنوب غرب البلاد وصار على أعتاب القنيطرة الخاضعة لسيطرة المعارضة والمتاخمة لهضبة الجولان السورية المحتلة، وسط هواجس إسرائيلية من محاولة الأسد نشر قوات الجيش هناك في تحد لاتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرم بين إسرائيل وسوريا عام 1974 ويحظر أو يفرض قيودا على الحشد العسكري من الجانبين حول الجولان.

ويعتقد على نطاق واسع أن العملية العسكرية التي يشنها الجيش السوري في الجبهة الجنوبية منذ 19 يونيو الماضي، ونجح خلالها في استعادة معظم أنحاء محافظة درعا، ما كانت لتتم لولا وجود اتفاق روسي أميركي إسرائيلي حولها.

ويرى محللون أن التحذيرات التي تصدرها إسرائيل من حين لآخر تجاه تقدم الجيش بالقرب من الجولان، ليس الهدف منها سوى التأكيد على خطوطها الحمراء سواء لجهة الوجود الإيراني المرفوض أو في علاقة بخرق اتفاق وقف الاشتباك، ودخول الجيش السوري إلى المنطقة منزوعة السلاح.

وخلال جولة له في الجولان، صعد وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان من تهديداته الثلاثاء باللجوء إلى القوة العسكرية إذا أقدمت سوريا على نشر قوات هناك. وقال للصحافيين “أي جندي سوري سيدخل المنطقة العازلة يعرض حياته للخطر”.

لكن ليبرمان أقر في ما يبدو بأن الأسد سيستعيد السيطرة على الجانب السوري من الجولان. ولدى سؤاله من قبل أحد الصحافيين عما إذا كان سيأتي وقت تتم فيه إعادة فتح معبر القنيطرة بموجب اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وسوريا وما إذا كان من الممكن أن تقيم إسرائيل وسوريا “نوعا من العلاقة” بينهما، قال ليبرمان “أعتقد أننا بعيدون كثيرا عن تحقيق ذلك لكننا لا نستبعد أي شيء”.

وربما تؤذن تصريحات ليبرمان بتبني نهج أكثر انفتاحا تجاه الأسد قبيل زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى موسكو الأربعاء، حيث من المقرر أن يجري محادثات بشأن سوريا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وأجرت سوريا تحت حكم عائلة الأسد مفاوضات مباشرة مع إسرائيل في الولايات المتحدة عام 2000 ومحادثات غير مباشرة بوساطة تركية عام 2008. وارتكزت تلك المناقشات على احتمال تسليم إسرائيل لكل مناطق الجولان التي احتلتها عام 1967 أو جزء منها. لكن لم يوقع الجانبان أي اتفاقات. وبعد اندلاع الحرب الأهلية عام 2011، توقع مسؤولون إسرائيليون، ومنهم وزير الدفاع السابق إيهود باراك، سقوط الأسد في غضون أسابيع. لكن دفة الحرب اتجهت لصالح الأسد عام 2015 حين تدخلت روسيا عسكريا لمساندته.

وسعت إسرائيل قبل أشهر إلى انتزاع اعتراف من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأحقيتها في هضبة الجولان التي احتلتها في 1967 وضمتها إليها في 1981 في ظل رفض دولي، بيد أنها على ما يبدو تراجعت عن ذلك نتيجة التطورات المتسارعة على الساحة السورية، التي تصب في صالح الأسد، وتريد اليوم الحفاظ على الوضع الراهن في الجولان بانتظار تفاهمات مع دمشق حولها.

بالمقابل تحرص إسرائيل على التمسك بمطلبها الرافض لأي وجود إيراني في المنطقة. وقال ليبرمان أثناء جولته في الجولان “المسعى لتأسيس بنية تحتية إرهابية برعاية الأسد غير مقبول بالنسبة لنا وسنتخذ إجراءات قوية للغاية ضد أي بنية تحتية للإرهاب نراها أو نحددها في هذه المنطقة”.

ويرجح مراقبون أن يركز اللقاء الذي سيجمع الأربعاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع الرئيس الروسي فلادمير بوتين في موسكو على هذه النقطة تحديدا.

ويشير المراقبون إلى أن ملف الجنوب شارف على الحسم، ولكن تبقى للنظام وداعمته روسيا تحديات كبرى تتمثل في شرق سوريا وشمال غربها. ويلفت البعض إلى أن التوصل لاتفاق بشأن الشرق غير مستبعد وإن كان معقدا لجهة وجود طرف كردي قوي يطالب بإقليم فيدرالي، فضلا عن إصرار إيراني على التواجد بهذه المنطقة الحدودية مع العراق.

وشهدت الفترة الماضية انفتاح النظام على وحدات حماية الشعب، الفصيل الكردي الأقوى على الساحة السورية، ترجم في زيارة معارضين مقربين منه إلى الحسكة أقصى شمال شرق سوريا، وقبلها فتح الرئيس السوري الباب أمام التفاوض مع الأكراد بخصوص مطالبهم. ولكن هذا التطور بقي يراوح مكانه، بانتظار حسم ملف الجنوب على ما يبدو، ونفى القيادي الكردي السوري البارز صالح مسلم الثلاثاء صحة الأنباء التي أفادت بتوصل وحدات حماية الشعب والحكومة إلى اتفاق ينص على تولي الحكومة إدارة المنشآت النفطية في الحسكة وبيع نفطها.

وقال مسلم، “هذه الأخبار غير صحيحة جملة وتفصيلا … فلم تكن هناك من الأساس مفاوضات بيننا وبين النظام حتى نتوصل إلى أي اتفاق بشأن أي شيء معه، لا النفط ولا غيره”. واستطرد “الزيارة الوحيدة التي تمت لبعض مناطق الإدارة الذاتية بالشمال كانت لوفد من المعارضة قريب من النظام، وللتعارف فقط، ولم يحدث شيء بعد ذلك”.

وكانت صحيفة “الوطن” الموالية للحكومة السورية قد أفادت بالتوصل إلى اتفاق بين الجانبين حتى “تكون عمليات بيع النفط حصرية بيد الدولة السورية”.

ويرى مراقبون أن روسيا حليفة الأسد غير رافضة لتمكين الأكراد من حكم ذاتي تحت السيادة السورية في شمال البلاد لكن المعضلة تبقى في مدى استجابة إيران لمطلب مغادرة شرق سوريا والتخلي عن أوهامها بشأن إقامة جسر يربط لبنان بالعراق عبر سوريا.

ويقول المراقبون إن المعضلة الأخرى والتي لا تقل تعقيدا هي تركيا التي تسيطر على جزء مهم من ريف محافظة حلب، وأيضا على كامل محافظة إدلب في شمال غرب البلاد. وتصر أنقرة على موقفها المتشدد الرافض لتمكين أكراد سوريا من إقليم حكم ذاتي بداعي أن ذلك يشكل تهديدا لأمنها القومي حيث تتهمهم بأنهم امتداد لحزب العمال الكردستاني الذي هو في حالة حرب معها في الجنوب التركي.

كما أن الرئيس رجب طيب أردوغان المهووس بإعادة إحياء الخلافة العثمانية في ثوب جديد يريد الإبقاء على تواجد عسكري في المناطق التي يسيطر عليها داخل سوريا، وهذا طبعا لن يكون مقبولا مطلقا من قبل دمشق التي تعتبر التدخل التركي احتلالا.

ويقول مراقبون إن الهجمة المباغتة لفصائل قريبة من تركيا الثلاثاء على مواقع للجيش السوري في ريف اللاذقية التي ينحدر منها الرئيس بشار الأسد رسالة دموية ذات دلالات رمزية عميقة موجهة لدمشق بأن الأمور لن تسير كما تشتهي سفنها، وأنه في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق يأخذ بعين الاعتبار مطالب أنقرة فإن الأخيرة قادرة على إدخال الجيش في حرب استنزاف في المنطقة.

العرب