بغداد – تجد الأحزاب والكتل السياسية العراقية، رغم الوضع الحرج القائم في البلاد مع تصاعد موجة الاحتجاجات الشعبية على سوء الأوضاع الاجتماعية واستشراء الفساد، متّسعا من الوقت للخوض في الصراع على السلطة التي تُعتبر غايتها الأولى رغم افتقارها لأدوات الاضطلاع بأعبائها، حيث خاضت تلك الكتل انتخابات مايو الماضي بشعارات فضفاضة وعناوين عامة لا ترتقي لتشكيل برامج سياسية واقتصادية واضحة تتضمّن حلولا لمعضلات دولة تشهد تقهقرا مستمرا في مختلف المجالات.
ويبدو الساسة العراقيون المتنافسون على السلطة منصرفين عن صعوبة المهمّة التي تنتظرهم خلال المرحلة القادمة وكيفية تلبية مطالب الجماهير الغاضبة التي لا تبدو مستعدة للسكوت عن الأوضاع التي عاشتها طيلة الـ15 سنة الماضية، الأمر الذي سيجعل الحكم في العراق بمثابة جمرة في يد من يمسك بزمامه، لا فرصة لتحصيل المزيد من المكاسب السياسية والمادية.
ونشّطت دعوةُ المرجعية الشيعية العليا للإسراع بتشكيل حكومة جديدة، والأنباءُ عن قرب الانتهاء من عملية إعادة الفرز الجزئي اليدوي للأصوات الانتخابية، المزايداتِ بشأن تشكيل الكتلة الأكبر في البرلمان الجديد والتي ستتولى تشكيل الحكومة واختيار من يرأسها.
ويتجاهل المتنافسون على تشكيل الكتلة الأكبر عاملا قد يكون أهم من نتائج الانتخابات نفسها في تحديد من يحكم العراق، وهو العامل الخارجي.
وطيلة الفترة سنة 2003 كان لكلّ من إيران والولايات المتحدة دور واضح في اختيار حكّام للبلد. وخلال الفترة الحالية يرجّح أن يكون للولايات المتّحدة دور أكبر من الدور الإيراني في ذلك، نظرا لما بدأ يعتري إيران من تراجع وانكفاء بفعل مشاكلها الداخلية المعقّدة، وخصوصا مشاكلها الاقتصادية والمالية.
وتواتر إعلان الائتلافات الفائزة في الانتخابات عن اقترابها من تشكيل الكتلة الأكبر من دون الكشف عن الخطوات العملية التي قطعتها بالفعل في ذلك الاتجاه، ومن دون الخوض في التفاصيل.
والتفاصيل هي الأهم في هذا الباب لأن الانتخابات لم تفرز فائزين كبارا بفوارق واضحة عن منافسيهم، ما يجعلهم في وضع مريح لتشكيل الكتلة البرلمانية المطلوبة.
ولعل المأتى الأساسي للمزايدات “والحرب” الدعائية أنّ كل كتلة من الكتل الأربع الأولى الفائزة بالانتخابات يمكنها أن تدّعي نجاحها في التحالف مع كتل أخرى.
واحتلّ تحالف “سائرون” المدعوم من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر المرتبة الأولى بـ54 مقعدا في البرلمان، وحل بعده ائتلاف “الفتح” بقيادة زعيم منظمة بدر هادي العامري بـ47 مقعدا، ثم تلاهما تحالف “النصر” بقيادة رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، وحلّ في المرتبة الرابعة ائتلاف دولة القانون بقيادة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.
حكم العراق في المرحلة القادمة لن يكون فرصة لمواصلة تحصيل المغانم بل سيكون جمرة في كف من يمسك بمقاليده
وكان تحالف “سائرون” قد أعلن في وقت سابق التوصّل إلى تفاهمات بشأن تشكيل الكتلة الأكبر في البرلمان العراقي تمهيدا لتشكيل الحكومة الجديدة.
وقال المتحدث باسم التحالف قحطان الجبوري في بيان “تحالف سائرون من منطلق كونه الفائز الأول في الانتخابات، واصل مشاوراته مع مختلف الكتل والأطراف السياسية من أجل الإسراع بتشكيل الحكومة”.
وتابع أن ذلك يأتي “بناء على دعوة المرجعية وما يتطلبه ذلك من تحديد ملامح الكتلة النيابية الأكبر التي تقع على عاتقها مهمة ترشيح رئيس الوزراء المقبل، وطبقا لبرنامج حكومي يستجيب لكل تطلعات المواطن في البناء والإصلاح والتغيير”.
ويبدو زعيم التيار الصدري الداعم لـ”سائرون” منطلقا من فرضية كونه المتحكّم فعلا في تشكيل الحكومة القادمة، وهو ما يبدو واضحا من طرحه سلسلة طويلة من ضوابط تشكيل الحكومة، من خلال وثيقة نشرها تحت مسمى “ميثاق وطني” يحدد أربعين شرطا يقول إنّها ضوابط تشكيل الحكومة واختيار رئيسها.
وتجاهل ائتلاف الفتح الممثل للحشد الشعبي والمقرّب من إيران “ضوابط” الصدر، معلنا أنّ هادي العامري هو مرشّحه لرئاسة الحكومة القادمة.
وقال عضو “الفتح” محمود الربيعي، الأربعاء، إن الائتلاف سيضيف إلى معايير المرجعية لشخصية رئيس الوزراء المقبل معايير أخرى لا تنطبق على رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، ملمحا إلى أنّها تنطبق على العامري.
ونقل موقع السومرية الإخباري عن الربيعي قوله “رئيس الوزراء المقبل يجب أن يكون قويا وشجاعا وحازما بقراراته، وألا يخضع للمحاصصة أو لحزبه، وأن يكون قادرا على إدارة الدولة بعيدا عن الضغوط والإملاءات الحزبية أو الخارجية”، مضيفا “هادي العامري هو المرشح الوحيد حاليا لتحالف الفتح لشغل منصب رئيس مجلس الوزراء”.
ومن جانبه ردّ ائتلاف دولة القانون بشكل غير مباشر على الصدريين الذين يعتبرون من ألدّ خصومه السياسيين، معلنا الأربعاء عن توصله إلى تفاهمات مع تحالف الفتح برئاسة هادي العامري حول تشكيل الحكومة المقبلة.
وأوردت وسائل إعلام عراقية قول القيادي في الائتلاف سعد المطلبي إنّ التوقيع النهائي على التحالفات لا يزال بانتظار إعلان نتائج الانتخابات بعد الانتهاء من عمليات العد والفرز اليدوي ومصادقة المحكمة الاتحادية على النتائج الجديدة.
وبحسب متابعين للشأن العراقي فإنّ ما يثير الاستغراب أن كل الأطراف الفائزة لا تملك القدرة على تشكيل الكتلة الأكبر في مجلس النواب إلا إذا تخلّت عن رغبتها في أن يكون منصب رئيس الوزراء من حصتها.
ويشرح مصدر سياسي عراقي ذلك بالقول “جميع الأطراف تصر على أن الوصول إلى ذلك المنصب هو هدفها من تشكيل الكتلة الأكبر”، مضيفا “قد يكون مقتدى الصدر استثناء من جهة رغبته في أن يكون رئيس الوزراء المقبل مستقلا بشرط الكفاءة، غير أنه وضع في الوقت نفسه خطوطا حمراء يتوقّع أنها كفيلة بحرمان الأطراف الأخرى من تقديم مرشحيها للمنصب. لذلك فإن ما يبدو ميسرا بالنسبة للفائزين هو في غاية الصعوبة على مستوى التصريف الواقعي”.
ويبين المصدر ذاته “إذا ما كانت هناك تحالفات قد أعلن عنها في أوقات سابقة فإنها تبدو اليوم غير ملزمة لأصحابها، ذلك لأن الجميع يحاول أن يقطف ثمار الاحتجاجات رافعا صوته ضدّ الفساد من غير أن يقدم براهين على براءته منه”. ويخلص إلى توقّع مفاده أنّ “الطريق سيكون طويلا أمام المتسابقين من غير أن تكون النتائج ممكنة في ظل الاضطراب الذي يفرضه الشارع على الحياة السياسية التي ينبغي إحداث تغيير جذري فيها كي تكون قابلة للاستمرار في السنوات القادمة”.
العرب