تعرضت تركيا وإيران لسيل من العقوبات التي فرضتها بحق كل منهما الولايات المتحدة. وبسبب قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي الإيراني والعقوبات الجديدة التي أعيد فرضها على طهران، هوت العملة الإيرانية بنسب كبيرة. ونشهد في الوقت الراهن موجة خروج للشركات متعددة الجنسيات من مشاريع في الجمهورية الإسلامية.
أما في الحالة التركية، فإن العقوبات الأميركية ضد اثنين من وزراء حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وفرض رسوم مضاعفة على واردات الصلب والألمنيوم من تركيا بسبب احتجاز سلطاتها للقس الأميركي أندرو برانسون أدت بدورها لتراجع قيمة الليرة التركية لمستويات قياسية.
البلدان المفروضة بحقهما العقوبات، تركيا وإيران، أعلنا التضامن كل منهما مع الآخر، وهو أمر دفع بعض المراقبين لتوقع شيء أشبه بما يمكن أن يطلق عليه “محور المقاطَعين” في مواجهة الولايات المتحدة، وهو محور ربما يضم أيضا دولا أخرى مثل روسيا والصين. لكن أي تقارب بين تركيا وإيران يأتي في صورة رد فعل لعقوبات الولايات المتحدة ضدهما لهو على الأرجح مقصور على أمور بعينها وأمده قصير، وهو ما يعني أننا لسنا أمام التزام قوي طويل الأمد.
القضايا التي قد نشهد فيها تقاربا بين إيران وتركيا ربما تقتصر على استعراض رمزي للتضامن ضد العقوبات الأميركية والقتال ضد المساعي الانفصالية للأكراد في كلا البلدين. فبعد أسبوع واحد من إعلان ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، استضاف أردوغان ومحافظ البنك المركزي التركي وفدا تركيا وأعلن البلدان اتفاقا ثنائيا على أن يكون التبادل التجاري في ما بينهما بالعملتين المحليتين وليس بالدولار الأميركي.
وزير الطاقة التركي فاتح دونميز قال بدوره إن أنقرة ستستمر في شراء الغاز الطبيعي من إيران، وأضاف أنه سيكون من الصعب توفير بدائل لصادرات إيران من مصادر الطاقة. وفي طهران أدان مسؤولون إيرانيون موقف ترامب من تركيا وعبروا عن التضامن مع البلد الجار.
توصل البلدان كذلك لاتفاق يتعلق بأمن الحدود وتبادل المعلومات المخابراتية في ما بينهما بخصوص حزب العمال الكردستاني وفرعه الإيراني، حزب الحياة الحرة الكردستاني. كما أن خطط تركيا لشن عمليات ضد حزب العمال الكردستاني في قنديل وسنجار داخل العراق تحتاج لدعم إيراني لتحقق أهدافها.
غير أن الضغط الخارجي على تركيا وإيران لا يغير حقيقة الخصومة الجيوسياسية القائمة بينهما منذ قرون في المنطقة. والتجارب السابقة تؤكد أن للتقارب بينهما حدودا لا تتجاوزانها.
لقد دفعت فترات سابقة من الضغط الأميركي على إيران كلا من أنقرة وطهران للتقارب في ما بينهما، وعمل البلدان معا ضد حزب العمال وحزب الحياة الحرة الكردستانيين. وخلال العمليات التركية ضد حزب العمال في قنديل العراقية، قصفت إيران مواقع لحزب الحياة الحرة من مناطق قريبة.
لكن لا بد هنا من التذكير بأن إيران سبق لها أن فتحت حدودها أمام عناصر حزب العمال، وساعدت المسلحين على التسلل إلى داخل الأراضي التركية في مقابل وقف لإطلاق النار مع حزب الحياة الحرة، أو ربما لكسب ورقة مساومة في مواجهة أنقرة.
تركيا هي الأخرى دعمت مسلحي المعارضة السورية في وجه الحكومة السورية، التي تساندها إيران. غير أن تركيا عملت بجد واجتهاد في محاولة لحل الخلاف حول الاتفاق النووي الإيراني، واقترحت اتفاقا لتبادل الوقود كسبيل لإنهاء الأزمة.
وصوتت تركيا ضد فرض عقوبات على إيران في مجلس الأمن الدولي. لكن إيران، رغم كل المساعي التركية، لم تمنح تركيا أبدا التقدير الذي تستحقه ولم تسمح لأنقرة بأن تكون جزءا من المفاوضات.
لو وصل الصراع بين تركيا والولايات المتحدة لحد القطيعة الكاملة، فإن تركيا قد تتقارب أكثر مع إيران. لكن الاحتمال الأكثر واقعية هو أن تستخدم الحكومة التركية الود الذي يجمعها الآن بإيران كورقة مساومة في مفاوضاتها مع واشنطن.
الولايات المتحدة من جانبها سترغب في دعم تركيا لكي تنجح سياستها في تشديد العقوبات على إيران. وإن وصلت الخلافات بين تركيا والولايات المتحدة لنقطة الحل، فإن أنقرة لن ترغب في أن تصبح هدفا لعقوبات أخرى بسبب تجارتها مع إيران.
الأرجح هنا أن تسعى تركيا لتحقيق مصالحها الاستراتيجية الأكثر عمقا.