مدفوعين بالانسحاب الأميركي أحادي الجانب من الاتفاق النووي مع إيران (خطة العمل الشاملة المشتركة)، يسعى الموقعون المتبقون على وجه السرعة إلى إيجاد طرق للحفاظ على الاتفاق -لأسباب استراتيجية وللاحتفاظ بمنافعهم الاقتصادية منه على حد سواء. ومع ذلك، من غير المرجح أن ينجح اقتراح بريطاني، فرنسي، ألماني بفتح قناة مستقلة للاتجار مع إيران، وهو ينطوي على خطر تقويض فعالية العقوبات الاقتصادية الأوروبية نفسها أيضاً.
تفيد التقارير بأن الدول الأوروبية الثلاث (المعروفة أيضاً باسم E3) تسعى إلى تأسيس “هيئة ذات أغراض خاصة” لتجنب العقوبات الأميركية، والاحتفاظ بتجارة مشروعة ظاهرياً مع إيران. وسوف تعمل هذه الهيئة الخاصة بشكل أساسي كشركة محاسبة، والتي تتعقب الائتمانات الخاصة بالواردات والصادرات من دون تدخل المصارف التجارية أو المركزية الأوروبية. وعلى سبيل المثال، يمكن أن تقوم إيران بشحن النفط الخام إلى شركة فرنسية، وهو ما يؤدي إلى مراكمة رصيد يمكن استخدامه بعد ذلك للدفع لمُصنِّع إيطالي ثمن سلع بتم شحنها بالطريق المعاكس -من دون مرور أي أموال عبر أيدي الإيرانيين. وباستخدام الأرصدة بدلاً من النقود، لن تضطر الهيئة ذات الأغراض الخاصة إلى تحويل أي أموال إلى خارج الاتحاد الأوروبي. ويعتقد أنصار الاقتراح أن الهيئة ذات الأغراض الخاصة يمكن أن تبقي مثل هذه الأموال في مأمن من وصول العقوبات الأميركية.
بينما قد ترى بريطانيا وفرنسا وألمانيا ميزة في الحفاظ على خطة العمل الشاملة المشتركة من خلال الهيئة ذات الأغراض الخاصة، فإن مثل هذه الآلية تتعارض مباشرة مع مصالح سياسة الاتحاد الأوروبي الأوسع لضمان فعالية العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي. ويبدو وضع آلية حماية بهدف إمكانية التغلب على العقوبات الأميركية مسعى قصير النظر، لسببين: أولاً، من غير المرجح أن تثبت الهيئة الخاصة كونها بديلاً قابلاً للتطبيق عن النظام المالي العالمي، ولا وسيلة فعالة لحماية الشركات الأوروربية من العقوبات الأميركية؛ حيث يرجح أن تعتبر حكومة الولايات المتحدة هذه التحويلات والمعاملات محظورة، مما يجعل الهيئة ذات الأغراض الخاصة غير ذات صلة. ثانياً، تقوض هذه الهيئة الخاصة مباشرة قدرة الاتحاد الأوروبي على فرض أكثر من ثلاثين برنامج للعقوبات لديه في الوقت الحالي، بالإضافة إلى برامج العقوبات المستقبلية.
تشكل عودة العقوبات الأميركية على إيران التي تلوح في الأفق في تشرين الثاني (نوفمبر)، وخاصة على شريان حياتها الاقتصادي -قطاع النفط- محركاً لتحفيز الاتحاد الأوروبي على محاولة إيجاد آلية بديلة للدفع. ويغلب أن قادة الاتحاد الأوروبي يخشون أن لا تواصل إيران الالتزام بالاتفاق النووي ما لم يكن بإمكانها أن تصدّر النفط. وبمجرد أن تعود العقوبات الأميركية المهمة إلى العمل بعد تعليقها لعدة سنوات بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة، فإن أي مؤسسة دولية تنخرط في تجارة محظورة مع إيران قد تكون هدفاً للعقوبات من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية.
اتخذ الاتحاد الأوروبي مسبقاً خطوات لمحاولة تخفيف تأثير قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في 18 أيار (مايو) 2018 سحب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة. ففي آب (أغسطس)، قام الاتحاد الأوروبي بتعديل “قانون الحصانة” الصادر في العام 1996، والذي يهدف إلى حماية شركات الاتحاد الأوروبي “ضد آثار تطبيق التشريعات خارج نطاق الدولة، والتي يعتمدها بلد ثالث، وأي إجراءات تستند إليها أو تنتج عنها”. ويسمح هذا النظام الأساسي للشركات الأوروبية بالسعي إلى طلب تعويض عن الأضرار الناجمة عن العقوبات الأميركية، كما يسمح أيضاً بفرض غرامات محتملة ضد الشركات الأوروبية التي تتوافق مع العقوبات الأميركية من دون الحصول على موافقة المفوضية الأوروبية. وكان الغرض الأساسي من قانون الحصانة هو تخفيف أثر العقوبات الأميركية على كوبا وليبيا. وفي أعقاب اتفاق العام 1998 بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، انخفضت الحاجة إلى هذا القانون بشكل كبير، ليظل في طور السبات منذ ذلك الحين.
مع ذلك، لن يتمكن قانون الحصانة المعدل من حماية شركات الاتحاد الأوروبي التي تتعامل مع إيران من العقوبات الأميركية بشكل فعال. وسوف تبقى هذه الشركات بحاجة إلى ومن فوائد مواصلة العمل مع إيران في مقابل العقوبات المحتملة من الولايات المتحدة. وتسعى الهيئة ذات الأغراض الخاصة إلى تغيير هذه الحسابات، بمساعدة شركات الاتحاد الأوروبي المنخرطة في الأعمال التجارية مع إيران على الابتعاد أكثر عن مدى وصول العقوبات الأميركية، وبذلك دعم شركات دول الاتحاد الأوروربي وتعزيز خطة العمل الشاملة المشتركة بالنسبة لبقية الموقعين -وخاصة دول الاتحاد الأوروبي.
باقتراحها للالتفاف على العقوبات الأميركية، تسعى الدول الأوروبية الثلاث إلى محاولة استخلاص قطاع النفط الإيراني المحاصر من قبضة العقوبات الأميركية، وبذلك خلق شريان حياة لخطة العمل الشاملة المشتركة. ومع ذلك، ربما لا تعمل الخطة بالطريقة المنشودة، ويمكن أن تقود إلى تصعيد المواجهة مع الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن الهيئة ذات الأغراض الخاصة تسعى إلى إزالة النظام المالي العالمي من المعادلة، فإن نظامها الخاص للمقايضة سوف يعني أيضاً أن شركات الاتحاد الأوروبي ستكون متداخلة فعلياً مع نظيراتها الإيرانية. ويخلق ذلك مخاطر متزايدة على الشركات الأوروبية التي ربما تفكر في الاستفادة من مثل هذا النظام، ويحد من خياراتها.
بالإضافة إلى ذلك، وعلى غرار قانون الحصانة، من المرجح أن تعطي الهيئة ذات الأغراض الخاصة للشركات الأوروبية إحساساً زائفاً بالأمن، وبأنها يمكن أن تواصل الانخراط في التجارة مع إيران من دون خوف من العقوبات الأميركية. وتجعل الجوانب الخارجية من عناصر العقوبات الأميركية على إيران هذا التصور زائفاً. وبالنظر إلى المخاطر والمحددات، فإن غالبية الشركات الأوروبية الكبيرة لن تستخدم هيئة الأغراض الخاصة على الأغلب. وقد قامت عشر شركات أوروبية رئيسية على الأقل، بما فيها تلك التي تعمل في صناعة الطاقة، بتقييم مخاطر الاتجار مع إيران، ووجدت أنها ترجح كثيراً على المنافع التجارية. ومن المرجح أن تحذو المزيد من الشركات حذوها.
تشكل محاولة خلق آليات للالتفاف على العقوبات الأميركية سابقة خطيرة. وعادة ما تكون عقوبات الأمم المتحدة، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فعالة إلى حد كبير بسبب امتثال النظام المالي العالمي. ومن دون ذلك الامتثال، فإن أثر العقوبات سوف يتضاءل بحيث لا يرقى إلى ما هو أكثر من مجرد التسمية والفضح. وفي حال نجح عمل الهيئة ذات الأغراض الخاصة الأوروبية، يغلب أن تحذو حذوها روسيا والصين والدول الأخرى ذات المصلحة الاستراتيجية في إفشال العقوبات الأميركية. وفي حقيقة الأمر، هناك مسبقاً مثل هذه الجهود التي تُبذل فعلياً، ولو أنها غير ناجحة إلى حد كبير حتى الآن.
من الواضح أن الاتحاد الأوروبي غير متفق مع قرار أميركا الانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة. كما أن الإحباط الأوروبي من بعض جوانب عمل إدارة ترامب واضح أيضاً. لكن اتخاذ خطوات لتقويض تكامل أداة قيِّمة -العقوبات الاقتصادية- وهو ما يمكن أن تفعله الهيئة ذات الأغراض الخاصة، ربما يهدد بتحويل خلاف قوي حول قضية واحدة (إيران) إلى افتراق استراتيجي كامل. وفي هذا السياق، يكون قيام الاتحاد الأوروبي بإنشاء الهيئة ذات الأغراض الخاصة أو أي آليات مشابهة تهدف إلى تفادي العقوبات، عملاً غير حكيم وقصير النظر. كما أن من غير المرجح أن يكون فعالاً حقاً.
سوف يؤدي خلق أداة لتفادي العقوبات إلى تقويض إنفاذ العقوبات الخاصة بالاتحاد الأوروبي نفسه، عن طريق خلق وسائل التفاف محلية، والتي يمكن تطبيقها على أي برنامج آخر للعقوبات، الآن وفي المستقبل. ومن المؤكد أن التداعيات السلبية الأوسع لتأييد مثل هذه الآلية ستفوق فوائد التجارة الإضافية التي يمكن تسهيل إجرائها. أما إذا كانت الهيئة ذات الأغراض الخاصة ستثبت كونها قابلة للتطبيق، فإن هذا الجهد لتفادي العقوبات الأميركي من جانب حلفاء الولايات المتحدة سوف يؤدي إلى المزيد من مفاقمة التوترات في التحالف عبر الأطلسي، ويهدد بتقويض فعالية العقوبات الاقتصادية، وخاصة في الاتحاد الأوروبي نفسه.