بعد مرور عام على استفتاء الانفصال عن العراق، توجه الناخبون الأكراد مجددا اليوم الأحد إلى صناديق الاقتراع في انتخابات برلمانية حاسمة يتوقع أن تشهد منافسة قوية بين الحزبين الرئيسيين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الساعيين لتمديد قبضتهما على السلطة، وجبهة المعارضة ومن بينها قوة شبابية تعرف بـ “الجيل الجديد” تشارك لأول مرة في هذا الاستحقاق السياسي بعد انطلاقتها قبل أشهر.
وتكتسب هذه الانتخابات أهميتها من كونها تجري وسط انقسام حاد بين الحزبين الرئيسيين بشأن المرشح لمنصب رئاسة الجمهورية في العراق والأحداث التي شهدها استفتاء الانفصال العام الماضي، وبالتالي ستكون للحزب الذي ينال أغلبية المقاعد الكلمة العليا في برلمان الإقليم.
كما أن الأكراد ينظرون لهذه الانتخابات على أنها استمرار للخيار الديمقراطي الذي انتهجوه منذ عام 1992 بعد إعلانالفدرالية وتأسيس مؤسسات الإقليم، فضلا عن أنها تأتي في وقت يواجه فيه الأكراد تحديات كبيرة بعد إجراء استفتاء الانفصال عام 2017 وتردي العلاقة مع الحكومة المركزية في بغداد، وفقا للكاتب والباحث الكردي كفاح كريم في اتصال مع الجزيرة نت.
طموحات البارزاني
ورغم تزعزع الثقة بالحزب الدیمقراطي بزعامة مسعود البارزاني لقیادته الاستفتاء الذي أدى إلى عواقب وخيمة على الإقليم، فإن الحزب يعول على الانقسامات التي تعصف بالاتحاد الوطني منذ وفاة زعيمه جلال الطالباني عام 2017، وكذلك ضعف حزب المعارضة الرئيسي حركة التغيير (كوران) لفرض هيمنته على المشهد السياسي الكردي.
وتعبيرا عن ثقته بالفوز، قال البارزاني في خطاب أمام مؤيديه في ملعب محافظة دهوك “كانوا يعتقدون أنهم بحصارهم لكردستان سيعاقبون الحزب الديمقراطي الكردستاني، ولكن الحزب أصبح الأول على مستوى العراق كله” مؤكداً أن “قوة كردستان من قوة الحزب الديمقراطي”.
وحصل الديمقراطي على 25 مقعدا في الانتخابات البرلمانية العراقية التي جرت في 12 مايو/أيار الماضي، وهو يشكل الغالبية في مقاعد مجلس النواب مقارنة بالأحزاب الكردية الأخرى.
ويقول الباحث إن هذا الحزب يشكل رقما صعبا في المعادلة السياسية العراقية وفي الإقليم على حد سواء، مشيرا إلى أنه يطمح للحصول على 38 مقعدا في برلمان كردستان رغم أن التوقعات ترجح حصوله على أكثر من 40 مقعدا.
الاتحاد الوطني الكردستاني حاول من جهته خلال حملته الانتخابية إعطاء صورة موحدة للحزب عبر جمع قادة الأجنحة في ملعب “سيرواني نوي” وسط السليمانية، وإعطاء كل منهم كلمة وفي مقدمتهم كوسرت رسول، وحاكم قادر، ولاهور جنكي الطالباني، وقوباد نجل زعيم الحزب الراحل جلال الطالباني، بعد غيابهم عن حملة الحزب التي قادها الأخير وفق قاعدة الوراثة العائلية، وشددت خطابات مسؤولي الاتحاد على ضرورة إنعاش الحزب مجدداً.
لكن المحلل السياسي الكردي محمد زنكنة يستبعد أن يحقق الاتحاد الوطني اختراقا كبيرا في الانتخابات بسبب الانقسامات في صفوفه، ويرى في اتصال مع الجزيرة نت أن هذا الأمر يضر بوحدة الموقف الكردي لكنه يصب لصالح الحزب الديمقراطي.
حظوظ المعارضة
أما المعارضة فتعول على إقبال كبير من الناخبين لسحب البساط من الحزبيين الرئيسيين، وهو ما شدد عليه زعيم حراك “الجيل الجديد” السياسي الشاب شاسوار عبد الواحد في خطابه الانتخابي داعيا إلى مشاركة الناخبين بكثافة في الانتخابات، متعهدا بتحويل العوائل الحاكمة بالإقليم لجزء من التاريخ خلال سنوات قليلة وإحالتهم للعدالة حال فوز حراكه بالسلطة على خلفية ما حصل في السابق من هدر المال العام والفشل في إرساء قواعد حكم رشيد.
وتعليقا على ذلك، قال كفاح كريم إن هذه الخطابات الدعائية مجرد بالونات ومبالغات بعيدة عن أرض الواقع، وذلك لأن الحجم السياسي لحراك “الجيل الجديد” لا يسمح له بالتطور ومنافسة الأحزاب الرئيسية بسبب ضيق موقع الحراك الجغرافي، ملمحا إلى وجود دوافع دينية وراء من يقف وراء إنتاجه. وتوقع الباحث ألا تحصل باقي أحزاب المعارضة وفي مقدمتها حركة التغيير على المقاعد التي حصلت عليها في الانتخابات السابقة بسبب تشظيها وانقساماتها.
ويؤكد محمد زنكنه ما ذهب إليه كفاح كريم بالقول إن حركة الجيل الجديد غير قادرة على إحداث تغيير كبير في المشهد السياسي الكردي، وينطبق ذلك على باقي أحزاب المعارضة مثل حركة التغيير والاتحاد الإسلامي والجماعة الإسلامية، لذلك سيظل الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني مهيمنين على مقاعد برلمان الإقليم.
ویبدو من المشكوك فیه أن یحفز أسلوب اقتسام السلطة ھذا الكثیرین على الإقبال على الانتخابات، فضلا عن تزاید شعور الناخبین بخیبة الأمل. وتتوقع أغلب الأحزاب الرئیسیة ألا یشارك أكثر من 40% من الناخبین الذين يحق لهم التصويت والبالغ عددھم نحو ثلاثة ملايين في الانتخابات.
ويلخص مدير المعهد العراقي للتنمية الديمقراطية غسان العطية المشهد الانتخابي الكردي بالقول “إنه إذا تمخضت الانتخابات عن حالة توازن بين الحزبين الرئيسيين سيؤكد ذلك استمرار العهد السياسي الماضي، أما إذا حقق الحزب الديمقراطي تفوقا ملحوظا فإن ذلك سيدعم أطروحات البارزاني بشأن الاستقلال وغير ذلك، في حين ستتغير صورة المشهد السياسي الكردي برمته في حال حصول أحزاب المعارضة وفي مقدمتها حركة الجيل الجديد على نتائج جيدة في الانتخابات”.
وبعيدا عن ذلك، فإن الأمر المهم -وفقا للعطية- يتمثل في إدراك الأكراد أن من مصلحتهم البقاء كجزء من العراق وأن يكونوا بيضة القبان في المشهد السياسي العراقي حيث تسعى معظم الأطراف العراقية لكسب ودهم من أجل ترشيح كفتها في تشكيل الحكومة العراقية وغيرها من الملفات. ويشدد العطية على أن ذلك يتطلب وحدة الموقف الكردي ” فهل سيتمكن الأكراد من تحقيق ذلك أم أنهم أصيبوا بنفس آفة الانقسام التي أصابت الأحزاب الشيعية والسنية؟”
كريم حسين
الجزيرة