مع صدور هذا المقال تكون الجمعية العامة في دورتها الثالثة والسبعين قد استمعت إلى نحو 154 خطابا لممثلي الدول الـ 193 بالإضافة إلى فلسطين. وترأس هذه الدورة ماريا فرناندا إسبنوزا من الإكوادور حيث شغلت منصبي وزيرة الخارجية وقبلها وزيرة الدفاع. وهي المرأة الرابعة التي ترأس دورة للجمعية العامة. فقد سبقتها هندية وليبيرية والبحرانية الشيخة هيا راشد آل خليفة.
وقد خاطب/ وسيخاطب الجمعية العامة نحو 88 رئيس دولة أو حكومة من بينها عدد قليل من الدول العربية مثل مصر وفلسطين وقطر والأردن ولبنان. ويبلغ عدد بنود جدول الأعمال 172 بندا معظمها يوزع على اللجان الست التابعة للجمعية العامة ويبقى جزء من البنود للجمعية نفسها لبحثها. في هذه الدورة تكررت كثير من المسائل في كلمات الوفود وكانت المسألة السورية على رأس أهم المواضيع المكررة تليها المأساة الإنسانية في اليمن والوضع في ليبيا ومأساة الروهينجا في ميانمار والخطر الذي يمثله الإرهاب وأخطار التغيير المناخي والتسلح النووي. وسنتعرض في هذا المقال لبعض كلمات الوفود المهمة والتي تعني منطقتنا العربية.
ترامب: خطاب الفكاهة والعنجهية
تحدث الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، 35 دقيقة بعد أن كسر البروتوكول منذ البداية. فالعادة أن يتكلم رئيس الدولة المضيف، أي الولايات المتحدة، بعد خطاب البرازيل الدولة التي تلقي الكلمة الأولى منذ إنشاء الأمم المتحدة. هذه هي المرة الأولى تأتي كلمة رئيس الولايات المتحدة الثالثة وليس الثانية فقد ألقت الإكوادور الكلمة الثانية بعد البرازيل. ترامب أسهب في كلمته في شرح الخطر الإيراني ومحاولاتها المتواصلة لامتلاك السلاح النووي وراح يهدد ويتوعد كما هدد في السنة الماضية كوريا الشمالية ثم عاد هذه المرة وتحدث عن الرئيس كيم بنوع من الإعجاب. ولكن خطاب العنجهية أثار الضحك بشكل فاجأ ترامب عندما قال: «حققت إدارتي أكثر مما حققته أي إدارة أمريكية أخرى في تاريخ الولايات المتحدة».
يقول ترامب بصريح العبارة إنه ضد العولمة ومع المصلحة الوطنية أولا. ولكنه طالب الدول بالالتزام بالعقوبات على إيران كما طالب أعضاء مجلس الأمن بالإبقاء على العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية. فهو من جهة لا يحبذ العمل الجماعي والدبلوماسية المتعددة الأطراف ومن جهة أخرى يلتمس من الدول التعاون في تطبيق عقوبات دولية.
اردوغان: إصلاح المنظمة الدولية
أكثر ما ميز كلمة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان مطالبته بإصلاح منظومة الأمم المتحدة. قال: «العالم لا يعيش نفس الظروف التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية. نشدد على ضرورة إصلاح الأمم المتحدة، وإعادة هيكلة مجلس الأمن، فالعالم أصبح أكبر من 5 دول فكيف نجد أن 5 دول تتمتع بعضوية دائمة فقط وباقي الدول لها فقط حق العضوية المؤقتة؟».
ان عملية الإصلاح تحتاج إلى تغيير في الميثاق. وتغيير الميثاق يحتاج إلى موافقة برلمانات تلك الدول الخمس. وأي إصلاح مهما كان طفيفا سينتقص من صلاحيات وقوة وتأثير الدول الخمس. فهل ستقبل فرنسا مثلا أن ترى ألمانيا واليابان تجلسان بجانبها؟ وهل تقبل بريطانيا أن تجلس إلى جانب مستعمراتها السابقة على قدم المساواة مثل الهند وجنوب افريقيا ونيجيريا؟ إن الأمل بإصلاح الأمم المتحدة قد تبخر بعد عدد من المحاولات بدأها بطرس غالي وأسهب في تفاصيلها كوفي عنان دون جدوى.
روحاني: التفنيد
تساءل روحاني في كلمته عن أي أساس أو معيار يمكن أن تدخل إيران في اتفاق مع الإدارة الأمريكية التي تسيء التصرف بهذا الشكل؟ وأكد أن «أي محادثات يجب أن تتم في إطار خطة العمل الشاملة المشتركة وقرار مجلس الأمن 2231، وليس إطار عمل انتهاك الخطة والقرار والعودة إلى الماضي. من السخرية ألا تعمد حكومة الولايات المتحدة حتى إلى إخفاء خطتها للإطاحة بالحكومة التي تدعوها إلى المحادثات». وأكد الرئيس الإيراني أن الحوار هو أفضل سبيل لحل الخلافات، ولكنه قال إن الحوار يجب أن يسير في اتجاهين وأن يقوم على أساس المساواة والكرامة ويتم بما يتوافق مع قواعد وأعراف القانون الدولي. وقال التهديد يقابله التهديد والحوار يقابله الحوار. ترامب ونتنياهو ومعهمها دولة خليجية أو إثنتان يدعون علنا أو سرا إلى محاصرة النظام الإيراني وإلغاء الاتفاق كليا والتهديد بالحرب أو اشعالها فعلا. لكن الدعوة إلى الالتزام بالاتفاقية واعطاء مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية صلاحيات التفتيش الشامل تكررت في كلمات معظم الوفود.
عباس: تلويح بالانسحاب من الاتفاقيات
خطاب الرئيس الفلسطيني هذه المرة لم يكن موفقا على الإطلاق. فلأول مرة يستخدم هذا المنبر الدولي لتوجيه نقد لاذع وتهديد مبطن لحركة حماس. كلماته الموجهة لإسرائيل تلويح بالانسحاب من الاتفاقيات فقط مع تعهد بعدم استخدام العنف والإرهاب. وكلماته الموجهة للولايات المتحدة طالبت بإعادة النظر في القرارات التي اتخذها ترامب حول القدس واللاجئين لتعود المحادثات بين الطرفين إلى مسارها. وحول الحقوق الفلسطينية قال: «لا يوجد شعب على هذه البسيطة لا يتمتع بالحق في تقرير المصير. شعوب صغيرة وكبيرة. لماذا نحن لا؟ نحن 13 مليون فلسطيني حول العالم. لماذا لا نعطى حق تقرير المصير؟ وهذا ليس ضد أحد. بل لنبني دولتنا المستقلة ولتعيش جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل، أين الخطأ وأين الجريمة في ذلك؟».
أما عندما تحدث عن حركة حماس فاستعمل لغة الحزم والتنصل من المسؤولية: «في الأيام القليلة المقبلة ستكون آخر جولات الحوار والمصالحة، وبعد ذلك سيكون شأن آخر».
نتنياهو: علاقات حميمة مع غالبية الدول العربية
في كل مرة يصل نتنياهو منبر الجمعية العامة لا بد أن يحمل معه مجموعة من اللوحات والخرائط والصور ليؤثر على المجموعة القليلة التي تتابع كلمته.في هذه المرة حمل نتنياهو معه خرائط لمستودع نووي جديد لإيران إضافة لثلاثة مواقع صواريخ لحزب الله قرب مطار بيروت.
وقال: «قررت اليوم أن أكشف عن شيء آخر، شاركناه مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وبعض وكالات الاستخبارات، ما سأقوله لم يعلن عنه من قبل. اليوم أعلن للمرة الأولى أن لدى إيران منشأة سرية أخرى في طهران، مخزنا ذريا سريا لتخزين كم هائل من المعدات والمواد من برنامج إيران النووي السري».
وعن علاقاته الحميمة مع بعض الدول العربية قال: «عندي اعتراف مهم، قد يفاجئكم ما أقول ولكن يجب أن اعترف بأن صفقة إيران كانت لها نتيجة واحدة إيجابية غير مقصودة وهي أنها قربت بين إسرائيل والكثير من الدول العربية بشكل لم يحدث من قبل، بدفء وصداقة لم أشهدهما في حياتي ولم يكن من الممكن تخيلهما قبل عدة سنوات. وعندما تتكون الصداقات بسبب التهديدات والتحديات، يجد المرء فرصا ليس فقط في المجال الأمني، ولكن أيضا في كيفية تحسين الحياة لشعوبنا، وهو ما تستطيع إسرائيل المساعدة فيه. تقدر إسرائيل بشدة هذه الصداقات الجديدة، وأتمنى أن يأتي اليوم قريبا الذي تستطيع فيه إسرائيل توسيع السلام الرسمي الذي أبرمته مع مصر والأردن إلى الجيران العرب الآخرين بمن فيهم الإسرائيليون». أما الغائب الأكبر في كلمة نتنياهو فهو الجرائم التي ترتكبها إسرائيل منذ 70 سنة.
السيسي: خطاب موجه للداخل المصري
أنهى الرئيس عبد الفتاح السيسي خطابه مثل السنة الماضية بتكراره ثلاث مرات «تحيا مصر». خارج مبنى الأمم المتحدة كانت هناك مثل كل سنة مظاهرتان واحدة لأنصار السيسي الذي أحضروا من ولايات عديدة ومظاهرة لمعارضيه الذين تجمعوا في غالبيتهم من منطقة نيويورك الكبرى والولايات المجاورة، وتفصل الشرطة بين المظاهرتين كي لا يحدث إحتكاك. وبالعودة إلى خطاب السيسي فمن المفيد أن نذكر السياق الذي ورد فيه ذكر القضية الفلسطينية. قال: «فكيف نلوم عربياً يتساءل عن مصداقية الأمم المتحدة وما تمثله من قيم في وقت تواجه فيه منطقته مخاطر التفكك وانهيار الدولة الوطنية لصالح موجة إرهابية وصراعات طائفية ومذهبية تستنزف مقدرات الشعوب العربية، أو يتساءل عن عدم حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة للعيش بكرامة وسلام في دولة مستقلة تعبر عن هويته الوطنية وآماله وتطلعاته؟».
عبدالحميد صيام
القدس العربي