واصل الباحث السوري محمد جمال باروت دراساته في التاريخ الاجتماعي والسياسي السوري الحديث من خلال رصد قضايا معاصرة عديدة مثل التعليم، والتنمية، والسكّان، والهجرة، والتكون التاريخي الحديث للجزيرة السورية، وأسباب الاحتجاجات خلال الأعوام الثمانية الماضية وتداعياتها.
في كتابه “الصراع العثماني – الصفوي وآثاره في الشيعية في شمال بلاد الشام” الصادر حديثاً عن “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” في الدوحة، يبحث في المتغيرات الاقتصادية – الاجتماعية – السياسية التي حكمت الصراع بين العثمانيين والصفويين حول السيطرة على طريق الحرير، وآثاره في تطييف هذا الصراع في شكل صراع سني – شيعي.
يعتبر المؤلّف أن الصراع على طريق الحرير هو المتغير المستقل الذي حكم سائر المتغيرات الأخرى، لكن ما تلبث المتغيرات التابعة وهي هنا المتغيرات التطييفية أن تتحول إلى متغيرات مستقلة تمتلك دينامية ذاتية في تطورها وتأثيرها عبر مأسستها وقيامها بإعادة التنشئة الاجتماعية.
يتألف الكتاب من مدخل يحدد فيه باروت منهجية بحثه ومفاهيمه وقضاياه ومداه الزمني، ومن خمسة فصول. في الفصل الأول “الإطار الشيعي الشمال الشامي لتشكُّل الحركة القزلباشية – الطور التأسيسي” يرسم الباحث إطاراً تاريخياً يتناول فيه الهيمنة الشيعية على التركيبة الجماعاتية المذهبية الشامية حتى أواخر القرن الثالث عشر والقرن الرابع عشر، والذي الذي وصفه بقرن التحوُّل الجماعاتي الكبير في بلاد الشام بين الجنوب والشمال.
يتناول باروت في الفصل الثاني “اندلاع الحرب العثمانية – الصفوية وتطييفها السُّني – الشيعي وآثارها الأساسية في الشيعية في شمال بلاد الشام” يتناول حوادث الحقبة من السلطان بايزيد إلى السلطان سليم، كقطع طريق الحرير ومذبحة الفِرق الشيعية في الأناضول، ثم محاولة تحطيم مراكز النشاط الصفوي في حلب وشمال بلاد الشام، والسيطرة على النيابات المملوكية في شمال بلاد الشام.
في الفصل الثالث “سليمان القانوني والسياسة العثمانية الشيعية في حلب وشمال بلاد الشام – مأسسة السُّنّة “السنيَّة” والسُّنّة “الشيعية”، يبحث الكاتب في عصيان البدالسة و”ذو القدرية” المتكرر وتجدد اندلاع الحركات القزلباشية، وتمرّد أحمد باشا والدروز في لبنان، ثم اضطرابات حلب الشافعية، وفتوى شيخ الإسلام أبي السعود الجديدة بقتل الروافض، ثم يتناول مأسسة العلاقة بين الفقيه والسلطان، أي السُّنة السُّنية والسُّنة الإمامية، وإرساء المؤسستين الفقهيتين السنية والشيعية الإمامية المتماثلتين بنيوياً.
يستعرض الفصل الرابع “الحرب العثمانية – الصفوية الطويلة (1603 – 1639) – من حركة ابن جنبلاط في شمال بلاد الشام إلى فتوى نوح الحنفي” حركات الجلالية وآثارها في بلاد الشام، وحركة ابن جنبلاط ومحاولة الاستقلال الإقليمي، وفي الفصل الخامس “نهاية الصراع على طريق الحرير – إخفاق مشروع التسوية التاريخية الكبرى للصراع السُّنّي – الشيعي” يبحث باروت في تواري مكانة الحرير في الاتفاقات العثمانية – الصفوية.
ينتهي الكتاب بالتوقف عند ما يصفه اللاحث بالحضيض الطائفي اليوم الذي يتردى فيه المشرق العربي، ليشكل محاولة بحثية في الخروج منه.