هبوط أسعار النفط.. على نفسه يجني ترامب

هبوط أسعار النفط.. على نفسه يجني ترامب

تناول تقرير تحليلي نشره موقع ميدل إيست آي البريطاني هبوط أسعار النفط، وتساءل المقال الذي جاء تحت عنوان “ترامب والتأثير السعودي-ما الذي يجعل أسعار النفط تهبط بهذه الطريقة؟” عن دور الرئيس الأميركي دونالد ترامبوالرياض في هذا الهبوط الكبير والمفاجئ.

ويشير المقال إلى أن انخفاض أسعار النفط رغم أنه يحقق مصلحة لترامب وحلفائه، فإنه سيعود وبالا عليهم في المستقبل القريب مع التوقعات بتباطؤ عجلة الاقتصاد الأميركي والعالمي.

ويرى محللون أن زيادة السعودية إنتاجها من النفط ليس السبب الوحيد وراء هبوط أسعار النفط عالميا، وإنما هناك عوامل أخرى لها تأثيرها بهذا الصدد، من بينها ارتباط عمليات إنتاج الصخر الزيتي في الشمال الأميركي بإنتاج النفط.

ويقول كاتب المقال الخبير الاقتصادي سيمون كونستيبل إن فهم عمل سوق النفط يشبه مشاهدة لعبة الشطرنج المتعددة الأبعاد، حيث تتفاعل العديد من القطع المتحركة أحيانا بطرق غير متوقعة.

هبوط متسارع
منذ أوائل أكتوبر/تشرين الأول الماضي، انخفضت أسعار النفط المستقبلية بمقدار الثلث تقريبا من حيث القيمة، ووصل خام برنت مؤخرا إلى مستوى 59 دولارا للبرميل في السوق، ويشكل هذا الانخفاض ما نسبته 32% من السعر الذي كان عليه قبل ذلك، وكان أعلى مستوى لهذا العام، وفقا لبيانات من بلومبيرغ.

ويعود سبب انخفاض السعر جزئيا إلى زيادة كبيرة في الإنتاج، وهو ما أكده المحلل الاقتصادي مات بديالي بقوله إن “هناك الكثير من النفط في السوق”.

ويرجع السبب في ذلك إلى زيادة السعودية -وبعض الدول الأخرى- إنتاجها من النفط. ويعلق الخبير الاقتصادي البارز في شركة “تي إس لومبارد” المالية -ومقرها لندن- كونستانتينوس فينيتيس بقوله إن زيادة إنتاج السعودية الأخير كان على الأرجح استجابة لقلق الرئيس ترامب من ارتفاع أسعار النفط.

وهنا يكمن واحد من الأسباب التي تسببت في انخفاض الأسعار، وهو أن ارتفاع أسعار النفط -وفقا لفينيتيس- تنتج عنه ضرائب إضافية على المستهلكين الذين سيشاركون في الانتخابات، وقد ركز ترامب على أسعار النفط لأن المواطنين الأميركيين الذين يعانون من ضائقة مالية غالبا ما يظهرون عدم رضاهم في الانتخابات.

ويقول كاتب المقال إن أسعار النفط يتم تحديدها على المستوى العالمي، لذلك فإن انخفاض الأسعار في أوروبا عادة ما يقابله انخفاض في الولايات المتحدة، وهذا يعني أنه لا يهم ما إذا كانت الولايات المتحدة تشتري ملعقة صغيرة أو حمولة ناقلة من النفط الخام من السعودية.

بمواجهة إيران
في الفترة بين سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول الماضيين، رفعت المملكة العربية السعودية إنتاجها من النفط بواقع 127 ألف برميل يوميا، وفقا لبيانات منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك)، كما رفعت الإمارات إنتاجها 142 ألف برميل، وكذلك فعلت غيرهما من الدول، وهو ما ساهم في تعويض ما تنتجه إيران.

هنا تتضح الأمور أكثر، فإن فرض عقوبات على إيران يعني عدم السماح لها بتصدير النفط، ولسد هذا العجز فعلى الدول الحليفة لواشنطن -وفي مقدمتها السعودية- أن تزيد إنتاجها للحفاظ على انخفاض الأسعار، خصوصا مع دخول العقوبات الأميركية حيز التنفيذ مطلع الشهر الحالي.

في المقابل زادت روسيا -وهي ليست عضوا في أوبك- إنتاجها بمقدار 260 ألف برميل يوميا، كما قفز إنتاج النفط الأميركي بمعدل 850 ألف برميل في اليوم.

ويشير الكاتب إلى أنه في عام 2016 عندما انخفضت أسعار النفط إلى أقل من 36 دولارا للبرميل، توقف بعض المنتجين الأميركيين عن الحفر لأن كلفته أكثر من السعر في السوق المفتوحة، ثم عاد الضخ مرة أخرى عندما ارتفعت الأسعار.

والآن، فإن إنتاج الولايات المتحدة من النفط “أكثر من ضعفي المستويات قبل عشر سنوات”، حسبما جاء في تقرير صدر مؤخرا من شركة الوساطات المالية، وبعبارة أخرى فإن الولايات المتحدة تسبح مرة أخرى في النفط، وهو ما يعني أن “العرض هو جزء فقط من القصة”، وهو ما يغيب عن ترامب حاليا.

تباطؤ عجلة الاقتصاد
فكما هو معلوم، فإن استهلاك النفط وإنتاجه يحددان سعره، ويساعد معدل النمو الاقتصادي في التنبؤ بحجم الاستهلاك، ولذلك فإنه عندما يتباطأ النمو يتوقع معظم التجار والاقتصاديين انخفاض استهلاك الوقود.

ووفقا لما جاء في تقرير شركة الوساطات المالية، فإن “الانخفاض السريع في النفط الخام يمكن أن يشير إلى تباطؤ عالمي أوسع”، حيث “تشير البيانات الأخيرة من أوروبا واليابان والصين إلى أن النمو الاقتصادي الخارجي قد تباطأ”.

وتشكل هذه البلاد -إضافة إلى الولايات المتحدة- ما نسبته 86% من مجموع الناتج الإجمالي العالمي، وهنا تثير المسألة قلقا حقا.

فمنذ الحرب العالمية الثانية، تم سحب الاقتصاد العالمي جنبا إلى جنب مع قوة الولايات المتحدة، فعندما ينمو الاقتصاد الأميركي ينمو اقتصاد العالم. وفيما يبدو فإن الولايات المتحدة على وشك أن تشهد تباطؤا دراماتيكيا، وفقا لتشارلز دوماس كبير الاقتصاديين في “تي إس لومبارد”.

وأشار تقرير صدر مؤخرا إلى أن ذلك يعود إلى الحرب التجارية المستمرة بين الولايات المتحدة والصين، إضافة إلى ارتفاعسعر صرف الدولار الذي يجعل من عمليات التصدير أكثر صعوبة.

وإذا ثبت أن توقعات دوماس صحيحة، فمن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى استهلاك أقل كمية من النفط في الولايات المتحدة، وهذا ما قد تتوقعه سوق النفط، وبالتالي انخفاض أسعارها.

المفارقة هي أن كل هذه الكآبة الاقتصادية لو تحققت، فسيكون من السهل أن نشير إلى ترامب نفسه كمتورط جزئي في انهيار أسعار النفط، وفي الوقت الذي يتفاخر فيه الرئيس الأميركي بتراجع سعر النفط، فإن ذلك قد يكون في الواقع علامة على تراجع اقتصادي من صنعه.