العقوبات الأميركية الإيرانية تحرج العراق

العقوبات الأميركية الإيرانية تحرج العراق

شكل التناقض بين حكومتي رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي والحالي عادل عبد المهدي حيال طريقة التعامل معالعقوبات الأميركية على إيران ردود فعل متباينة في الكيفية التي سيتعامل فيها العراق مع تلك العقوبات، في حين توقع خبراء عراقيون بالشأن الاقتصادي أن تشهد المرحلة المقبلة انخفاضا بحجم التبادل التجاري بين بغداد وطهران.

وقال عبد المهدي إن بلاده ليست جزءا من منظومة هذه العقوبات، وإن بغداد ليست طرفا في أي نزاع في المنطقة، وهو أمر يخالف تصريح العبادي الذي أكد في أغسطس/آب الماضي أنه مضطر للالتزام بالعقوبات الأميركية رغم عدم “تعاطفه” معها، وأن “بلاده عانت من 12 عاما من الحظر الدولي”، وهو مؤشر يبين حجم التباين في طريقة التعامل مع ملف العقوبات ومدى التأثير الإيراني الواضح على سياسة بغداد مع واشنطن.

وكانت الإدارة الأميركية قد عمدت مطلع الشهر الجاري إلى فرض حزمة جديدة من العقوبات على إيران، وذلك بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني في مايو/أيار الماضي.

ووصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب العقوبات على طهران بأنها “الأشد”، واستهدفت قطاع النفط والمصارف ووسائل النقل، الأمر الذي أحرج العراق الذي يرتبط بعلاقات وثيقة مع إيران التي تفرض سطوتها على مراكز القرار السياسي والاقتصادي في البلاد.

وبحسب مصدر حكومي رفض الكشف عن اسمه، فإن العراق مقبل على تغييرات على مستوى التعامل الاقتصادي مع إيران التي تحاول الولايات المتحدة أن تضغط عليها من خلال الدول الداعمة لطهران أو تلك التي تخضع لولاية الفقيه.

ويوضح المصدر أن العراق لا يملك خيار عدم تطبيق العقوبات على الرغم من المهلة الأميركية لبغداد واستثنائه المؤقت من التعامل بالدولار في تعاملاته التجارية مع طهران.

وأكد أن بغداد ستكون محرجة وفي مواجهة مباشرة مع واشنطن التي ترتبط معها باتفاقيات ومواثيق سمحت للأخيرة بحماية الأموال العراقية في الخارج، بالإضافة إلى الجانب الأمني والغطاء الجوي الذي توفره للعراق.

ومنحت الولايات المتحدة العراق إعفاء مؤقتا من العقوبات الإيرانية مدته 45 يوما يسمح من خلاله بالاستمرار في شراء الغاز الطبيعي والكهرباء من إيران.

إضعاف السوق
وقال عضو اللجنة التنسيقية لتجار العراق عدي العلوي إن العقوبات الأميركية ستسهم في إضعاف السوق العراقي الذي يعتمد على المنتجات الإيرانية، خاصة المواد الغذائية والكهربائية.

ولفت إلى أن التاجر العراقي لن يلتزم بالإجراءات الأميركية، وأنه لن يتخلى بهذه السهولة عن مصالحه مع إيران وما تؤمنه من بضائع رخيصة وسهلة التناول قياسا ببضائع الدول الأخرى، بحسب قوله.

من جانبه، طالب عادل السوداني صاحب محل لبيع المواد الكهربائية الإيرانية بضرورة التعامل “الحكيم والذكي” مع هذا الملف، وقال “علينا التعاطي بحذر مع العقوبات، فالوضع الداخلي لا يتحمل المزيد من عدم الاستقرار بسبب الأزمة الأميركية الإيرانية”.

وأشار إلى أن الملف ليس اقتصاديا بقدر ما هو سياسي، ويحتاج إلى معرفة كيفية الحفاظ على أمن واستقرار البلاد التي عانت الكثير بسبب السياسات الخاطئة.

وقال مستشار رئيس الوزراء العراقي للشؤون الاقتصادية كاظم الحسني إن تصريحات عبد المهدي تمثل وجهة نظر الحكومة “منهجا وأسلوبا”، وإنها تعبر عن نهجها في التعامل مع ملف العقوبات الأميركية على إيران.

وفيما إذا كان هذا الأمر يشكل تحديا للإرادة الأميركية، أكد أن رئيس الحكومة يعلم جيدا خلفيات الموضوع وتداعياته، وأن من أولويات الحكومة مصلحة العراق العليا.

وأضاف أن “التوجيهات بأن نعمل على دفع الأذى عن العراق، وعلى هذا الأساس طلبنا استثناءات في الأمور الحيوية، ولا سيما بملف الطاقة الكهربائية والسياحة الدينية”.

ويقصد العراق بين مليونين وثلاثة ملايين للسياحة الدينية سنويا، وهذا يمثل نشاطا اقتصاديا كبيرا سيحرم منه العراق إذا ما طبق العقوبات الأميركية.

وعن جهود الحكومة، كشف الحسني عن وجود مساع من أجل إبرام اتفاقية مع إيران يمكن من خلالها مقايضة النفط والغاز بالبضائع والمنتجات الإيرانية، رافضا الكشف عن إجراءات وآلية عمل هذه الاتفاقية التي يقول إنها قيد التفاوض والدراسة.

استهلاك واسع
ويستهلك السوق العراقي سلعا إيرانية بشكل واسع ذات طبيعة زراعية وسيارات ومواد غذائية وغيرها مثل مواد البناء وغير ذلك، فضلا عن استيراد الكهرباء ووقود محطات توليد الطاقة الكهربائية، وفقا للخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني.

وقال المشهداني إن حجم التبادل التجاري مع إيران ارتفع بعد العام 2014 إلى سبعة مليارات دولار، في وقت وصل إلى أقل من خمسة مليارات دولار للفترة التي سبقت هذا التاريخ.

وأضاف أن العراق يعتمد على إيران في استيراد وقود محطات توليد الكهرباء لسد النقص الكبير في توليد الطاقة الكهربائية كجزء من إستراتيجية البقاء مع إيران، على حد تعبيره.

وأشار إلى أن العراق أمام أزمة حقيقية، خاصة إذا قرر التعامل بالعملة الإيرانية (التومان) التي تعيش أسوأ فتراتها.

وعن بدائل العراق لتعويض البضائع الإيرانية، قال المشهداني إن الكثير من البلدان -السعودية وتركيا والصين ومصروتونس واليونان- أبدت استعدادها لتجهيز السوق العراقي، إلا أنه أشار إلى أن القطاع الخاص يحتاج أربعة أشهر من أجل تغيير تعاملاته التجارية مع إيران إلى تلك الدول، وهو أمر سيربك عمل التجار والقطاع الخاص في البلاد.

وتوقع أن ينخفض حجم التبادل التجاري مع إيران إلى نصف مليار دولار سنويا بسبب العقوبات الأميركية وإجراءاتها العقابية للدول التي ستتعامل معها خلافا لرغبة واشنطن.

وردا على احتمالية تنفيذ العراق هذه الإجراءات، أوضح أن “الأمر لا يتعلق بالعواطف”، وأن عليهم “التعامل مع الأمر بحكمة، ودراسة الموضوع اقتصاديا وبما يخدم مصلحة العراق بالدرجة الأساس”.

ولا يخفي أن الولايات المتحدة تقدم الكثير من الخدمات للعراق، منها تأمين مبلغ ثلاثة مليارات دولار سنويا كتسهيلات ائتمانية، فضلا عن استيراد الأسلحة الأميركية التي يعتمد عليها العراق بشكل كبير، كما أن بغداد غير مستعدة لخسارة أميركا كبلد يستورد 20% من نفطه الخام.