إيران وطالبان.. كيف جمعت واشنطن بين العدوّين؟

إيران وطالبان.. كيف جمعت واشنطن بين العدوّين؟

بينما كانت الأنظار تتجه نحو سوريا بعد القرار الأميركي بالانسحاب منها وتسابق عربي نحو استعادة العلاقات مع دمشق، فجّر الأميرال علي شمخاني أمين مجلس الأمن القومي الإيراني خلال زيارته لأفغانستان في الأيام الأخيرة من عام 2018، قنبلة بالإعلان لأول مرة عن مباحثات بلاده مع طالبان، وهو ما اعتبره مراقبون اعترافا بالعلاقات بينهما.

قيمة تصريح شمخاني في أنه يأتي في ظل صورة نمطية تتمثل في العداء المستحكم بين الطرفين لسنوات طويلة، الذي كاد أن يشعل حربا إيرانية على طالبان لولا تدخل المرشد الإيراني علي خامنئي، رافضا قرار مجلس الأمن القومي لبلاده بشن الحرب، ردا على مهاجمة طالبان القنصلية الإيرانية في مدينة مزار شريف شمال أفغانستان عام 1998، وقتلها ثمانية دبلوماسيين إيرانيين.

وبحسب مساعد أمن المجلس آنذاك علي ربيعي، فإن خامنئي قال في رده “نحن لن نقع في هذا الفخ”، إلا أن ذلك لم يمنع طهران من المساهمة في إسقاط حكومة طالبان عام 2001 في الحرب الأميركية، بحسب ما نقل عن نائب الرئيس الإيراني حينها محمد خاتمي من أنه “لولا التعاون الإيراني لما سقطت كابول”.

كشف المستور
وكانت إيران طوال السنوات الماضية تنفي بشكل قاطع اتهامات أفغانية وغربية بوجود علاقة مع حركة طالبان، لذلك اعتبر المراقبون الإعلان الإيراني بمثابة كشف للمستور على مدى سنوات، مما أثار تساؤلات بشأن الدوافع الإيرانية وراء ذلك.

يقول الباحث الإستراتيجي بير محمد ملازهي إن العلاقات بين إيران وطالبان ليست أمرا جديدا، وإنما الجديد هو الكشف عنها رسميا، وإن “الهدف من ذلك هو تحذير إيران للآخرين بأنه لا يمكن تجاهل دورها في مفاوضات السلام، في ظل المفاوضات التي تجري بين طالبان والأميركان في عواصم خليجية، ودخول الإمارات والسعودية على الخط”.

كما أن محللين إيرانيين أكدوا أن الإعلان الإيراني يأتي في توقيت تستهدف فيه الإدارة الأميركية النفوذ الإيراني في المنطقة، لذلك أقدمت طهران على خطوة متقدمة، لتؤكد أنها تمتلك مزيدا من الأوراق في المنطقة لمواجهة هذا التوجه الأميركي.

وتؤكد السلطات الإيرانية أن مباحثاتها مع طالبان تهدف إلى إحلال السلام في أفغانستان، مما يعني وجود رغبة لدى طهران في القيام بدور وسيط بين الحركة والحكومة الأفغانيتين، للتوصل إلى اتفاق بينهما بحسب قول اللواء حسن فيروز آبادي رئيس الأركان الإيرانية السابق، أو لسحب ملف الوساطة من الأميركيين، كما تقول مصادر أخرى.

بداية التحول
ولم يكشف الجانبان الإيراني والطالباني عن نقطة انطلاق هذا التحول في علاقاتهما، والانتقال بها من العداء الأيديولوجي وتمظهراته إلى مرحلة التعاون وتجلياتها، إلا أن صحيفة “هشت صبح” الأفغانية ترجع البداية إلى الأيام الأولى من سقوط حكومة طالبان على يد القوات الأميركية.

تقول الصحيفة إنه في الأيام الأولى التي تلت السقوط، هرب عدد من قادة طالبان ومقاتليها إلى إيران بعد أن وجدوا صعوبة في الذهاب إلى باكستان، وعكس ما كان متوقعا لم تسلمهم طهران إلى الحكومة الأفغانية الجديدة، وبقي هؤلاء آمنين على الأراضي الإيرانية، بحسب الصحيفة.

وتضيف الصحيفة أن ثمة تقارير أكدت أن إيران وضعت آنذاك القاعدة العسكرية التي كان يستخدمها “المجاهدون الأفغان” تحت تصرف طالبان.

وبالعودة إلى السنوات الأولى التي تلت الهجوم الأميركي على أفغانستان، وُجهت اتهامات عديدة لإيران من أطراف إقليمية ودولية بتزويد حركة طالبان بالأسلحة والعتاد، بعد العثور على مدافع مورتر وأسلحة أخرى إيرانية في ميادين القتال عام 2007.

ثم تزايد الحديث عن علاقات “وطيدة” بين إيران وطالبان، بعد أن تحدثت مصادر باكستانية عن العثور على صورة جواز سفر للملا أختر منصور زعيم الحركة السابق، بعد مقتله في غارة أميركية في الأراضي الباكستانية بالقرب من الحدود مع إيران، مما عزز قول مصادر أنه كان عائدا من طهران.

وبعد الحديث عن وجود مجلس شورى ضمن مجالس شورى طالبان تحت اسم “شورى مشهد”، وهي مدينة إيرانية على الحدود مع أفغانستان؛ رد الناطق باسم الحركة ذبيح الله مجاهد على سؤال لقناة “بي بي سي الفارسية” قائلا: “لدينا اتصالات دبلوماسية مع دول كثيرة”، دون أن ينفي أو يؤكد العلاقة مع إيران.

برغماتية إيرانية
في عام 2015 بعد انتشار تقارير عن زيارة وفد من طالبان إلى طهران، قال الخبير الإيراني “بير محمد ملازهي” إنه بالرغم من النفي الإيراني الرسمي، فإن هذه الزيارة قد حصلت فعلا، وإنها دليل على البراغماتية السياسية لدى الإيرانيين وطالبان.

ويضيف ملازهي أن إيران بعد أن كانت تبحث عن مصالحها من خلال العمل مع تحالف الشمال والشيعة والقومية الهزارية، وجدت أنه لا بد من العمل مع حركة طالبان، وهو ما تفرضه الواقعية السياسية، بحسب قوله.

هذه البرغماتية ليست جديدة على السياسة الإيرانية المعروفة غالبا بأنها ثورية، وتؤكدها حالات سابقة تحدثت عنها مصادر متطابقة، كفتح الحدود أمام تنظيم القاعدة للعبور إلى العراق، واستضافة عائلات قادة التنظيم، وعلى رأسها أسرة زعيمه الراحل أسامة بن لادن، والزعيم الأفغاني قلب الدين حكمتيار بعد خروجه من أفغانستان.

ولا يخفى أيضا أن طهران -نتيجة برغماتيتها- هذه أزالت من أدبياتها الرسمية صفة “الإرهابية” عن طالبان، ولم تعد تعتبر الحركة إرهابية، وهذا ما أكد عليه اللواء فيروز آبادي الرئيس السابق لأركان القوات المسلحة الإيرانية مؤخرا، بالقول “إن حركة طالبان لا تتصرف اليوم كقوة إرهابية”.

كما أن من التجليات الأخرى لهذه البرغماتية، انضمام جماعات مسلحة من شيعة الهزارة في منطقة باميان إلى حركة طالبان عام 2016.

عدو مشترك
وتعزو مصادر إيرانية وأخرى إقليمية ودولية تراجع حالة العداء الفكري والمذهبي بين إيران وحركة طالبان، والتعامل ببراغماتية، إلى التقاء الطرفين على عداء الولايات المتحدة.

وفي الحالة الأفغانية -فضلا عن أنها تعتبر ساحة مهمة من ساحات المواجهة الإيرانية الأميركية- يلعب موضوع تنظيم الدولة الإسلامية وانتشاره في أفغانستان منذ عام 2015، دورا إضافيا مهما في هذه الظروف، وهو ما حدا بإيران إلى تعزيز علاقاتها مع طالبان، بحسب تلك المصادر.

وعليه بعد أن تطرق إلى المفاوضات مع حركة طالبان، قال علي شمخاني في “ملتقى الأمن والدفاع في غرب آسيا” الذي عقد بطهران الأسبوع الماضي، إن “داعش (تنظيم الدولة) يشكّل تهديدا رئيسا”، داعيا إلى جهود جادة لمواجهة “المؤامرات الأميركية”.

الجزيرة