خسر أبو بكر البغدادي المدرج في رأس قائمة كبار المطلوبين في العالم، دولة “الخلافة” التي أقامها على أراض تساوي مساحة بريطانيا، وبات اليوم يختبئ في كهوف الصحراء السورية فيما لم يعد تنظيمه سوى مجموعة متفرقة من الخلايا السرية.
وبعدما كان يتحكم في وقت ما بمصير سبعة ملايين شخص على امتداد أراض شاسعة في سوريا وما يقارب ثلث مساحة العراق، لا يقود البغدادي اليوم إلا مقاتلين مشتتين عاجزين بأنفسهم عن معرفة مكان وجوده.
ترصد الولايات المتحدة مكافأة قدرها 25 مليون دولار لمن يساعد في الوصول إلى “الخليفة” البالغ من العمر 47 عاما، والذي سرت من العام 2014 شائعات كثير عن مقتله لم يتم تأكيدها.
واليوم، وبعدما نجا من هجمات جوية عدة وأصيب مرة واحدة على الأقل، يؤكد البغدادي الذي يعاني من مرض السكري، لقب “الشبح” الذي يطلقه عليه أنصاره.
يقول الخبير بالحركات الجهادية هشام الهاشمي لوكالة فرانس برس إن البغدادي “محاط بثلاثة أشخاص فقط، أخوه جمعة وهو أكبر منه، وسائقه وحارسه الشخصي عبد اللطيف الجبوري الذي يعرفه منذ طفولته، وساعي بريده سعود الكردي”.
البغدادي محاط بثلاثة أشخاص فقط، أخوه جمعة وهو أكبر منه، وسائقه وحارسه الشخصي عبد اللطيف الجبوري، وساعي بريده سعود الكردي
– نقيض بن لادن
ترصد الولايات المتحدة مكافأة قدرها 25 مليون دولار لمن يساعد في الوصول إلى “الخليفة” البالغ من العمر 47 عاما، لكن الواقع أن البغدادي هو النقيض تماما لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن الذي طاردته الولايات المتحدة إلى أن تمكنت قوات خاصة من تصفيته عام 2011 في باكستان.
ويقول ضباط غربيون كبار ومسؤولون عراقيون “اسألوا أيا كان في الشارع في أوروبا أو في الولايات المتحدة (من هو البغدادي؟)، لن تحصلوا على أي رد فعل، في حين أنه مع بن لادن، كان الرعب مخيما”.
حتى التحالف ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” يؤكد أن هدفه الأول هو سقوط “الخلافة” وليس القبض على زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أو قتله.
واليوم، وبعدما نجا البغدادي الذي يعاني من مرض السكري من هجمات جوية عدة وأصيب مرة واحدة على الأقل وسرت منذ العام 2014 شائعات كثيرة عن مقتله لم يتم تأكيدها، يتخذ القيادي فعلا ملامح “الشبح” كما يلقبه أنصاره.
يقول الخبير بالحركات الجهادية هشام الهاشمي لوكالة فرانس برس إن البغدادي “محاط بثلاثة أشخاص فقط، أخوه جمعة وهو أكبر منه، وسائقه وحارسه الشخصي عبد اللطيف الجبوري الذي يعرفه منذ طفولته، وساعي بريده سعود الكردي”.
– ظهور علني وحيد
ويتواجد هؤلاء جميعهم في منطقة بادية الشام الصحراوية الممتدة من وسط سوريا إلى الحدود العراقية.
أعلنت الاستخبارات العراقية في مطلع تموز/ يوليو الماضي، مقتل نجل البغدادي حذيفة البدري في سوريا بثلاثة صواريخ موجهة روسية أصابت المغارة التي كان بداخلها. وقد أكدت وكالة أعماق التابعة للتنظيم وقتها مقتله.
وكان الظهور العلني الوحيد للبغدادي، المولود في العراق، في تموز/ يوليو 2014 اثناء الصلاة في جامع النوري الكبير بغرب الموصل، وذلك بعد إعلان “الخلافة” وتقديمه كـ”أمير المؤمنين”.
ومنذ ذاك الحين، لم يتوجه البغدادي إلى أنصاره إلا من خلال تسجيلات صوتية تنشرها الوكالة الدعائية للتنظيم المتطرف، بعيدة كل البعد عن أشرطة الفيديو التي كان بن لادن يبثها بانتظام ويصور نفسه فيها في ساحة معركة أو داخل مسجد.
ويعود آخر تسجيل صوتي للبغداد إلى آب/ أغسطس 2018، بعد ثمانية أشهر من إعلان العراق “النصر” على تنظيم الدولة الإسلامية.
تذكر الصحافية صوفيا أمارا في فيلم وثائقي أعدته عن البغدادي، أن اسمه الحقيقي إبراهيم عواد البدري، مشيرة إلى أنه كان “انطوائيا وغير واثق من نفسه”.
ولد البغدادي في العام 1971 لعائلة فقيرة في مدينة سامراء شمال بغداد. وهو متزوج من امرأتين، أنجب أربعة أطفال من الأولى وطفلا من الثانية. ووصفته إحدى زوجتيه بأنه “رب عائلة طبيعي”.
وكان البغدادي مولعا بكرة القدم، ويحلم بأن يصبح محاميا، لكن نتائجه الدراسية لم تسمح له بدخول كلية الحقوق.
أبدى أيضا طموحا للالتحاق بالسلك العسكري، لكن ضعف بصره حال دون ذلك، لتقوده الأمور في نهاية المطاف إلى الدراسات الدينية في بغداد قبل ان يصبح إماما في العاصمة العراقية في عهد الرئيس السابق صدام حسين.
وتشير أمارا إلى أن البغدادي “يعطي انطباعا بأنه رجل غير لامع، لكنه صبور ودؤوب”. وتضيف “بدا أن لديه رؤيا واضحة جدا حول ما يريد والتنظيم الذي يريد تأسيسه”.
-“جامعة الجهاد”
وكان دخول البغدادي إلى سجن بوكا الواقع على بعد عشرات الكيلومترات من الحدود العراقية الكويتية، نقطة حاسمة في حياته.
فقد اعتقل البغدادي الذي كان شكل لدى اجتياح العراق في العام 2003 مجموعة جهادية ذات تأثير محدود، في شباط/ فبراير 2004، وأودع سجن بوكا الذي كان يؤوي أكثر من 20 ألف معتقل.
وكان السجن يضم معتقلين من قادة حزب البعث في عهد صدام حسين وجهاديين سنة، وتحول في ما بعد إلى “جامعة الجهاد”. وقد أدرك الجيش العراقي بعد عشر سنوات أنه يواجه قادته السابقين من حقبة النظام السابق والذين انتقلوا غلى صفوف تنظيم الدولة الإسلامية.
وعن فترة اعتقال البغدادي، توضح أمارا أن الجميع “أدركوا تدريجيا أن هذا الشخص الخجول الذي لم يكن شيئا، أصبح عقلا إستراتيجيا في النهاية”.
بعد إطلاق سراحه في كانون الأول/ ديسمبر 2004 لعدم وجود أدلة كافية ضده، بايع البغدادي أبو مصعب الزرقاوي الذي كان يقود مجموعة من المقاتلين السنة تابعة لتنظيم القاعدة.
وفي تشرين الاول/ اكتوبر 2005، أعلنت الولايات المتحدة أن قواتها قتلت “أبو دعاء”، وهو اسم حركي كان يعتقد أن البغدادي يستخدمه.
لكن تبين أن هذا الأمر لم يكن صحيحا، بما أن البغدادي تسلم مسؤولية “دولة العراق الإسلامية” في أيار/ مايو 2010، بعد مقتل زعيمها أبو عمر البغدادي ومساعده أبو أيوب المصري في غارة جوية عند الحدود السورية العراقية.
وتمكن البغدادي بعد ذلك من تعزيز موقع الجهاديين في العراق. وتحت قيادته، أعادت هذه المجموعة تنظيم صفوفها، وتحولت في العام 2013 إلى تنظيم “الدولة الاسلامية في العراق والشام”، بعدما استغل الجهاديون النزاع في سوريا المجاورة، قبل أن يشنوا هجومهم الواسع في العراق في السنة التالية.
وحتى اليوم، ورغم الهزيمة الكبيرة في العراق، وإعلان القضاء على “الخلافة” في سوريا، لا يزال عناصر تنظيم الدولة الإسلامية يتبنون عن اعتداءات في كل أنحاء العالم.
القدس العربي