اظهرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، في تقرير اصدرته اليوم الاثنين 27/10/2014، معاناة الرهائن الذين يقعون في قبضة تنظيم “داعش”، والتي رواها ناجون من القتل. ففي داخل إحدى الغرف، وجه الآسرون للأسرى 3 أسئلة شخصية للغاية، وهو أسلوب شائع للحصول على أدلة من أسير ما، لإثبات أنه ما يزال حياً في أثناء التفاوض لفك أسره.
عاد الصحافي جيمس فولي للزنزانة التي يشاركه فيها أكثر من 20 أسيراً غربياً، ودموع الفرح تنهمر من عينيه، إذ كانت الأسئلة التي طرحت عليه على درجة من الخصوصية مثل “من بكى في زفاف أخيك؟ ومن كان كابتن فريق مدرستك لكرة القدم؟”، وتأكد له أن من أسروه أصبحوا أخيراً على اتصال بأسرته.
كان ذلك في كانون الاول/ديسمبر 2013 بعد مرور أكثر من عام على اختفاء فولي من شمال سوريا، إذ أخبر أقرانه من الأسرى أن إجاباته ستثبت لوالديه القلقين عليه أنه ما يزال حياً، وتولد لديه اعتقاد بأن حكومته ستفاوض قريباً لإطلاق سراحه، إلا أن ما بدا أنه نقطة تحول لصالحه كان حقيقة الأمر بداية النهاية لفولي (40 عاماً)، انتهى بإجباره على أن يجثو على ركبتيه لتقطع رأسه أمام الكاميرا.
وأشارت الصحيفة إلى أن أكثر من ٢٣ رهينة أجنبية تنتمي لـ12 دولة، اختطفهم مسلحون سوريون، وباعوهم أو سلموهم لتنظيم “داعش”، وتم احتجازهم في قبو داخل سجن يقع بالقرب من مدينة الرقة السورية.
وهم “الخلافة”
وجمعت نيويورك تايمز معلوماتها عبر مقابلات مع رهائن سابقين، وبعض السكان المحليين الذين تعرضوا للتعذيب ، وبعض الأقارب وأقران الأسر ودائرة محدودة من المستشارين، الذين زاروا المنطقة للتفاوض حول فك أسرهم، وتم تأكيد معلومات جوهرية من قبل عضو سابق بالتنظيم كان يعمل بالسجن الذي احتجز فيه فولي.
وعندما اختطف فولي وزميله المصور الصحافي البريطاني جون كانتلي، في 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2012 لم يكن “داعش” أعلن عن نفسه بعد ومع ذلك، كان خطر التطرف الأصولي كبيراَ داخل المناطق الخاضعة للمقاتلين في سوريا، لدرجة دفعت بعض المؤسسات الإخبارية للانسحاب من البلاد.
ومن بين مؤشرات الخطر كان العدد المتنامي للمقاتلين الأجانب، الذين تدفقوا على سوريا ساعين وراء حلم إقامة “الخلافة”، وجاء مظهر وأسلوب تصرف هؤلاء المقاتلين، مختلفاً عن المقاتلين الآخرين المعتدلين، إذ كانت لحاهم طويلة وتحدثوا بلكنات أجنبية، وجاءوا من منطقة الخليج وشمال أفريقيا وأوروبا وغيرها.
وبمرور الوقت، تسارعت وتيرة أعمال الخطف من قبل مجموعات مختلفة من المقاتلين الساعين للنفوذ وبسط الهيمنة على أراض سورية، وتحولت نقاط التفتيش لمصائد بشرية، ومن الإجراءات المعتادة مع الرهائن مصادرة حواسبهم الشخصية وكاميراتهم وهواتفهم الجوالة ومطالبتهم بالكشف عن كلمات المرور لحساباتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي فيس بوك وسكايب وبريدهم الإلكتروني، للبحث عن أي دليل للتواطؤ مع وكالة استخبارات أو مؤسسة عسكرية غربية.
وخلال عمليات التفتيش تلك عثر المتطرفون على صور لأفراد عسكريين أمريكيين على الحاسب الشخصي لفولي في أثناء مهام صحافية قام بها في أفغانستان والعراق، وفي مقال نشره الجهاديون بعد قتل فولي، قالوا: “في أرشيف الصور الشخصي له، عثرنا على صور تمجد الأمريكيين الصليبيين، ولسوء حظ فولي، هذا الأرشيف كان بحوزته وقت القبض عليه”.
وحول كيفية اختطاف فولي، التقت نيويورك تايمز مصطفى علي، مترجما سوريا كان بصحبته، والذي قال: “لم يكن تبقى سوى مسافة ٤٠ دقيقة للوصول إلى الحدود التركية، عندما قرر فولي التوقف للمرة الأخيرة في بلدة بنش، التابعة لمحافظة إدلب شمالي سوريا، ودخل فولي وزميله المصور الصحافي البريطاني جون كانتلي، إلى مقهى إنترنت لإرسال تقارير صحفية، وكان الرجلان على دراية بمخاطر العمل الصحافي في سوريا، إذ قبل بضعة أشهر فقط، اختطف كانتلي على مسافة قريبة من بلدة بنش، وحاول الهرب حافي القدمين، إلى أن تم اعتقاله مجدداً، ولكن بعد أسبوع من محاولة الهروب، تدخلت مجموعة معتدلة لأطلاق سراحه”.
الساعات الأخيرة
ويواصل مصطفى واصفا الساعات الأخيرة التي أمضاها مع الصحافيين: “عندما كان فولي وكانتلي يحملان صورهما، دخل رجل ذو لحية طويلة، ونظر نحونا بنظرات شريرة، واتجه نحو جهاز كمبيوتر، وجلس لمدة دقيقة، ثم غادر المقهى”.
وأضاف مصطفى: “لم يكن الرجل سورياً، وبعد مغادرته المقهى، استأنف فولي وكانتلي عملهما، وبعد ساعة استقل الثلاثة سيارة أجرة لتنقلهم إلى تركيا، لكنهم لم يصلوا إلى الحدود، إذ تبعهم مسلحون اختطفوا الصحافيين وهددوا مصطفى بالقتل إن أبلغ عن الحادث”.
عمليات تعذيب
وعن فولي، قال ييون بونتينك (19 عاماً)، من بلجيكا، وهو مراهق اعتنق الإسلام قضى 3 أسابيع في صيف 2013 داخل نفس الزنزانة التي كان بها فولي: “حكى لي كيف كانوا يربطون قدميه بالسلاسل في عمود حديدي، ثم يعلقونه بالأعلى حتى يصبح رأسه للأسفل ويتركونه على هذا الوضع”.
وهذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها بونتينك لوسائل الإعلام، وهو يخضع حالياً مع 46 شاباً بلجيكياً آخر للمحاكمة بتهمة الانتماء إلى تنظيم إرهابي. وذكر بونتينك أن فولي وكانتلي وقعا في البداية في أيدي جبهة النصرة، وأن الـ3 الذين أسروهم كانوا من متحدثي الإنجليزية وبدا أنهم يستمتعون بتعذيبهما.
ولاحقاً، تم تسليمهما لمجموعة تدعى مجلس شورى المجاهدين، بقيادة أشخاص يتحدثون الفرنسية. وجرى نقل فولي وكانتلي 3 مرات على الأقل قبل نقلهم إلى سجن أسفل مستشفى الأطفال بحلب، حيث التقى بونتينك فولي.
اعتناق الإسلام
بادئ الأمر، كان بونتينك مقاتلاً من بين آلاف الشباب الأوروبي الذين جذبهم حلم الجهاد، إلا أن علاقته بالجماعة ساءت لاحقاً لدى تسلمه رسالة نصية من والده القلق عليه من داخل بلجيكا، واتهمه بسببها قائده بالجاسوسية. وقال بونتينك بأن فولي اعتنق الإسلام بعد أسره بفترة قصيرة، واختار لنفسه اسم أبو حمزة، وهي معلومة أكدها 3 من أقرانه الرهائن سابقاً ورئيسه في العمل.
وأضاف بونتينك: “كنا نرتل القرآن معاً، كان الكثيرون يتحولون للإسلام سعياً للحصول على معاملة أفضل، لكن أعتقد أن فولي كان صادقاً في إسلامه”.
وكشف رهائن سابقون أن غالبية الأسرى الغربيين اعتنقوا الإسلام خلال فترة أسرهم العصيبة.
قليلون فقط من الأسرى ظلوا متمسكين بدينهم الأصلي، ومنهم الصحافي الأمريكي ستيفين سوتلوف، وهو يهودي متدين، وذكر أحد أقرانه من الرهائن أنه في يوم كيبور، أخبر حراسه أنه يشعر بتوعك ورفض تناول الطعام كي يتمكن من صيام ذلك اليوم.
اعدامات وهمية
ورغم أن غالبية من اعتنقوا الإسلام من الأسرى فعلوا ذلك تحت وطأة المحنة، يبدو أن فولي أعجب حقاً بالإسلام، وعندما أحضر الآسرون نسخاً بالإنجليزية من معاني القرآن، مر عليها سريعاً من كانوا يتظاهرون بالإسلام، أما فولي فقضى ساعات في قراءة القرآن بعناية.
ورغم أن المجموعة الأولى التي أسرته من جبهة النصرة شككت في إسلامه، فإن المجموعة الثانية تأثرت بالتزامه بالإسلام، مما اعفاه من سوء المعاملة لفترة طويلة.
وبعد فترة، تم تقسيم الرهائن لمجموعتين، حيث تم فصل 3 أمريكيين و3 بريطانيين بمفردهم عن باقي الجنسيات لينالوا القسط الأكبر من سوء المعاملة، وذلك بسبب غضب المسلحين من سياسات الدولتين ولأن حكومتيهما ترفضان التفاوض، وذلك حسبما أفادت الكثير من المصادر المطلعة. وقال أحد الرهائن السابقين: في هذه المجموعة الفرعية كان الحظ الأوفر من التعذيب من نصيب فولي، الذي تعرض مراراً للضرب والإيهام بالغرق وعمليات الإعدام الوهمية.
ترجمة : عامر العمران