منذ عقود خلت استفادت حكومات بلدان عديدة من فوائد حذف الأصفار من عملاتها المحلية، لتسهيل استخدامها بين الناس وتقليل تكاليف الطباعة والسيطرة على التضخم وتعزيز مكانة العملة المحلية بين الدول.
وبعد جولات من المفاوضات على مدار سنوات، وافقت الحكومة الإيرانية على مقترح قدمه البنك المركزي في يناير/كانون الثاني من هذا العام يقضي بحذف الأصفار الأربعة من العملة المحلية، وأحيل المقترح إلى البرلمان الإيراني لإقراره.
ومنذ فترة حكم “الأخمينيون” حتى الآن، استخدم في إيران أكثر من 50 نوعا مختلفا من العملات، كالـ”دريك” الأخميني و الدرهم والدينار الساساني، والشاهي والعباسي الصفوي والتومان والقران القاجاري وصولا إلى الريال والدينار الحالي.
ووفقا للمادة الأولى من قانون النقد المصرفي المعتمد منذ عام 1972 في إيران، فإن العملة الرسمية للبلد هي الريال الإيراني الذي جرى استبداله عن التومان في الدولة البهلوية عام 1929 واستمر حتى يومنا هذا، حيث يتكون الريال الواحد من مئة دينار.
ورغم تغيّر اسم العملة إلى الريال، فإن الشعب الإيراني ما زال يطلق على عملته اسم “تومان” في أعماله الشرائية، وينحصر استخدام تسمية الريال في البنوك والمؤسسات الرسمية في إيران، ويساوي التومان الواحد عشرة ريالات.
لكن بناء على خطة البنك المركزي، فإن التومان سيصبح العملة الرسمية في إيران بديلا عن الريال. وستحذف أربعة أصفار من العملة الرسمية.
التومان العملة الأصلية
وسيصبح التومان العملة الأصلية لإيران، بينما يبقى الريال العملة الفرعية، وتشكل كل 100 ريال تومانا واحدا.
من جهته، أعلن البنك المركزي بدء عملية جمع النقود المستخدمة وتبديلها بنقود جديدة خلال 24 شهرا بعد إقرار البرلمان.
وصرح عبد الناصر همتي رئيس البنك المركزي الإيراني في أغسطس/آب الحالي بأن “قيمة العملة الوطنية الإيرانية قد انخفضت بنسبة 3500 مرة منذ عام 1971، وأن سعر صرف الريال الإيراني أمام عملات الأجنبية (الدولار) هو 0.000008 ونحن بحاجة إلى إصلاح مظهر العملة وتحسين علاقة الريال بالدولار”.
وأضاف أنه توجد حاليا سبعة مليارات من الأوراق النقدية في البلد، لكن العدد سينخفض إلى ثلاثة مليارات بعد تبديل الريال بالتومان. وهذا الأمر سيسهل عملية التجارة والتبادل بين الناس ويؤدي إلى تخفيض كلفة طباعة النقود.
آراء متباينة
انقسمت الآراء حول الخطة الجديدة بين موالية ومعارضة حتى أضحت المسألة موضع جدل في إيران، وبرأي المعارضين فإن سعي الحكومة في هذا الشأن هو صرف للوقت والجهد ليس إلا.
وباعتقادهم فإن الأكثر جدوى في هذه المرحلة أن تركز الحكومة على إصلاح النظام الاقتصادي في البلد وتخفيض التضخم الذي وصل إلى 40%، في الوقت الذي بلغ معدل النمو الاقتصادي 5-%.
وتبين التجارب المماثلة في البلدان الأخرى أن التغيير النقدي لا يحقق أهدافه والنتائج المرجوة منه إلا عند تحقيق الاستقرار الاقتصادي، وإلا سيشكل ذلك عبئا ماليا ثقيلا على الاقتصاد والحكومة، لا سيما أن الحكومة حاليا تعاني من عجز في الميزانية وعدم استقرار اقتصادي وتضخم مرتفع بالإضافة إلى العقوبات الاقتصادية.
وفي المقابل يعتقد المؤيدون بأن أهم ميزات الخطة هو إعطاء العملة قيمتها الحقيقية، حيث إن سعر صرف الدولار الواحد في بدايات الثورة (1979) في إيران بلغ 70 ريالا، بينما السعر الآن وصل إلى 120 ألف ريال تقريبا هذا العام.
وتتميز الخطة بأنها تقلل من حجم الأوراق النقدية وتسهل المعاملات وتقلل من مساحة التخزين والصيانة وتحفظ الأوراق النقدية بشكل أفضل، وتسهل عملية حملها ونقلها، كما تقلل من الآثار النفسية للتضخم، وترفع شأن العملة بين الدول، كما توفر وقت الناس والبنوك في آن معا، وفق المؤيدين.
التضخم وأشياء أخرى
يقول علي ديني تركماني الأستاذ بجامعة طهران وعضو هيئة التدريس في معهد الدراسات والبحوث التجارية في حديثه للجزيرة نت “أُخذ هذا القرار نتيجة التضخم المستمر منذ سنوات حتى الآن مما ساهم بتكبير الأرقام”.
وأشار إلى أن العناصر الأساسية لاستقرار العملة والسيطرة على التضخم لا تتحقق عند تغيير العملة وحذف الأصفار وحسب، فإن لدى تركيا تجربة مماثلة في حذف ستة أصفار من عملتها عام 2005، لكن لم تكن الخطة لتعود بالنفع على الاقتصاد التركي لولا انخراط تركيا في السوق الأوروبية وجذب رأس المال الأجنبي والإدارة الصحيحة للاقتصاد.
كما ذكر بأن هذه الخطة لن تؤثر في القدرة الشرائية أو ممتلكات الناس، وأن حذف الأصفار سيشمل النقود والبضائع بالوقت نفسه، فمثلا سيصبح سعر الخبز تومانين بدلا من 20 ألف ريال.
وكذلك الأمر بالنسبة للمعاملات التجارية مع الخارج أو صرف العملة من قبل السائح الأجنبي، ومن جهة أخرى فإن الأسعار ستبقى على ما هي عليه، وستظل القدرة الشرائية للعملات الأجنبية على حالها مع التومان الجديد، وفق المتحدث ذاته.
ومن هذا المنطلق فإن تغيير العملة وحذف أصفارها سلاح ذو حدين للاقتصاد الإيراني. ويعتمد نجاح الخطة على قيام الحكومة بإصلاحات اقتصادية بشكل متواز، لتجتاز الاستحقاق الاقتصادي الشائك بأمان، وإلا فإنها ستغرق في مستنقع التضخم من جديد إذا ما استمرت في التعاطي مع الاقتصاد بالنظام القديم والعقلية المعتمدة ذاتها منذ أربعة عقود خلت، يقول مراقبون.
المصدر : الجزيرة