ملخص:.
تبحث هذه الورقة في إنجاز التحول الذي حققته دولة كرواتيا من نظام قومي استبدادي إلى نظام برلماني ديمقراطي وفق معايير بروكسل، وقد حصلت بانضمامها إلى الاتحاد الأوروبي على الحق في التمتع بعدد من القروض والاستثمارات، وحظيت بحماية حلف الناتو؛ التي تضمن لها عدم تعرُّضها لأي عدوان؛ في المقابل نجد أن زغرب تنازلت عن جزء من سيادة الدولة لصالح بروكسل؛ خاصة في مجال الطاقة، وأصبحت بعد عضويتها في الاتحاد الأوروبي بلدًا يغلب على اقتصاده “تقديم الخدمات” بعد أن كانت من البلدان المصنِّعة. تخلص الورقة إلى أن كرواتيا تمتلك فرصًا جدية لتوظيف موقعها الجيوسياسي في الإقليم؛ لتصبح حلقة وصل بين منطقة الغرب المندمج وبين الجزء الجنوبي الشرقي غير المندمج من أوروبا، فضلاً عن المستقبل الواعد الذي ينتظرها في مجال الطاقة.
مقدمة
دولة كرواتيا هي العضو الثامن والعشرون في الاتحاد الأوروبي، تقع جيوسياسيًّا في جنوب البلقان؛ أي في وسط أو جنوب شرق أوروبا، وبفضل موقعها الجيوسياسي ذلك فهي على تماس مباشر مع معطيات التعدُّد الإثني والثقافي والجغرافي والسياسي؛ إذ تقع كرواتيا بين ثلاث دوائر ثقافية-دينية: الدائرة الكاثوليكية، والدائرة الأرثوذكسية، والدائرة المسلمة.
يُعَرِّف فرانيو تودجمان، مهندس دولة كرواتيا الحديثة -الناشئة في فترة ما بعد حرب البلقان (1992-1995)- بلاده على أن مكانها الطبيعي هو وسط أوروبا، معتبرًا بلاده “حصن المسيحية”.
مساحة دولة كرواتيا الصغيرة نسبيًّا 56,543 كيلومترًا مربعًا؛ تحدها من الشمال دولتا المجر وسلوفينيا، ومن الشرق صربيا، أما دولتا البوسنة والهرسك والجبل الأسود فتقعان على جانبها الغربي. لكرواتيا حدود بحرية طويلة مع إيطاليا على سواحل البحر الأدرياتيكي.
يبلغ تعداد سكان كرواتيا 4.3 ملايين نسمة، 90% منهم من الإثنية الكرواتية؛ الذين يدينون تقليديًّا بالديانة المسيحية، والأقلية الصربية الأرثوذكسية هي أكبر الأقليات الإثنية في كرواتيا؛ حيث تبلغ نسبتها 4.5% من إجمالي عدد السكان، في حين تتوَّزع الأقليات الألبانية والبوشناقية والغجرية والأوكرانية والإيطالية والمجرية -وغيرها من الأقليات- على نسب لا تتجاوز كلُّ واحدة منها الـ1% من نسبة السكان.
زغرب هي العاصمة السياسية والاقتصادية والثقافية لكرواتيا، وهي المدينة المركزية في الدولة(1).
خضعت كرواتيا على مرِّ تاريخها لحكم مملكة هابسبورغ (الإمبراطورية النمساوية-المجرية)، ثم كانت جزءًا من مملكة يوغسلافيا -قبل أن تصبح “دولة كرواتيا المستقلَّة”- وإحدى الجمهوريات التابعة للجمهورية الفيدرالية الاشتراكية اليوغسلافية، وأثناء حرب البلقان أصبحت كرواتيا دولة مستقلة ذات نظام برلماني ديمقراطي، وتنقسم ترابيًّا إلى 20 كانتونًا (ولاية)، بالإضافة إلى كانتون زغرب، وتتمتع كل الكانتونات بصلاحيات إدارية واسعة.
الطريق إلى الاستقلال
تزامنت نهاية الحرب الباردة مع تعدُّد الصراعات بين قوى سياسية ذات توجهات أيديولوجية قومية-شوفينية في يوغسلافيا السابقة، وسرعان ما أدَّى ذلك إلى إعلان استقلال كلٍّ من كرواتيا وسلوفينيا، ثم لاحقًا إعلان استقلال البوسنة والهرسك، وما تلا ذلك من اعتراف دولي بتلك الدول حديثة الاستقلال.
نفَّذ الجيش الشعبي اليوغسلافي اعتداءً سافرًا على كرواتيا على خلفية انتفاضة صرب كرواتيا؛ الذين كان يبلغ تعدادهم قبل الحرب ما يقرب من 10% من مجموع سكان البلاد، ولم يقبل الصرب حينها باستقلال كرواتيا، متعلِّلين بأن حقوق الأقلية الصربية ستكون مهضومة في ظل نظام الدولة الجديدة.
ثم كان أن فاز حزب الاتحاد الديمقراطي الكرواتي القومي في أول انتخابات حرة أجريت في البلاد بعد الاستقلال، وقد اعتبره صرب كرواتيا حزبًا فاشيًّا، ووصفوا الحكومة المنبثقة عنه بأنها نسخة أخرى من دولة كرواتيا المستقلة، التي قامت على أرض كرواتيا والبوسنة والهرسك إبان الاحتلال الألماني النازي وبمساعدة من المحتل.
مع شعورهم بالدعم المقدَّم لهم من قِبَل الجيش الشعبي اليوغسلافي؛ الذي كان يمثِّل أكبر رابع قوة عسكرية في أوروبا وبمساندة مباشرة من حكومة بلغراد، ثارت الأقلية الصربية في كرواتيا ضدَّ النظام الجديد في البلاد، متعلِّلة بما يسكنها من مخاوف من عودة شبح الإبادة الجماعية؛ التي نجوا منها خلال الحرب العالمية الثانية على أيدي دولة كرواتيا المستقلة.
احتل الصرب بمساعدة الجيش الشعبي اليوغسلافي 26% من مساحة الأرض الكرواتية؛ التي أخلوها من ساكنيها الكرواتيين، وأعلنوا منطقة “كرايينا” منطقة صربية ذات حكم ذاتي؛ وذلك بهدف ضمها لاحقًا إلى يوغسلافيا الاتحادية، وبعد ذلك اتَّسعت رقعة الصراع لتصل إلى البوسنة والهرسك؛ التي عانت من أكبر الخسائر والأضرار، فأدَّى كل ذلك إلى انهيار يوغسلافيا لتنشأ على أنقاضها ست جمهوريات جديدة، وانضمت لها جمهورية كوسوفو في عام 1999.
بالمقارنة مع ما حدث في سلوفينيا، التي لم تكن تعني بلغراد كثيرًا بحكم صغر حجم الأقلية الصربية فيها، فإن كرواتيا خرجت من الحرب بخسائر كبيرة في الأرواح والعتاد؛ فقد طالت العمليات الحربية 54% من الأراضي الكرواتية، وبلغ أعداد القتلى والمفقودين من الكروات 13,583، في حين جرح 37,180، وهُجِّر 150,000 إلى خارج كرواتيا، أما أعداد اللاجئين فبلغت 550,000، وبحسب إحصاءات معهد التدقيق التابع للدولة فإنَّ حجم الخسائر التي تكبَّدتها خزينة الدولة الكرواتية في الفترة ما بين 1990-1999 تم تقديرها بما يفوق 236 مليون كونا(2)، أو ما يعادل 30 مليار يورو، وكان الجيش الكرواتي -بمساعدة مباشرة من حلف الناتو- قد خاض معركتين مهمتين في عام 1995؛ هما موقعة “بليسك” أو (البرق)، وعملية “ألويا” أو (العاصفة)، ملحقًا الهزيمة العسكرية بالجيش الشعبي اليوغسلافي والقوات شبه العسكرية الصربية التي كانت تدعمه، ثمَّ استعادت كرواتيا -عن طريق المفاوضات- جزءًا من أراضيها (منطقة سلافونيا) في عام 1998.
بناء الدولة والتطور السياسي
نفَّذت كرواتيا، ولسنوات عديدة، عمليات إصلاح واسعة؛ شملت المجالات السياسية والإدارية والنظام القضائي وإعادة تأهيل النظام المالي والاقتصادي، كل تلك الإصلاحات كانت ضرورية لتصبح كرواتيا عضوًا في حلف الناتو في إبريل/نيسان 2009، والعضو الثامن والعشرين في الاتحاد الأوروبي في شهر يوليو/تموز 2013(3).
بعد التحاق كرواتيا بعضوية الاتحاد الأوروبي، تمَّ تجميد عملية التحاق باقي الجمهوريات اليوغسلافية السابقة بعضوية الاتحاد إلى حين، ووفقًا لتصريحات كبار المسؤولين في الاتحاد فإن عضوية دول غرب البلقان في الاتحاد الأوروبي ستظلُّ معلَّقة إلى نهاية العقد الحالي، ولن تعرف جديدًا قبل عقد كامل من الآن(4).
وقد كانت الحرب الدفاعية التي خاضتها كرواتيا، في الفترة ما بين 1991-1995، قد أخَّرت عملية تنمية مؤسسات الدولة الكرواتية وبنائها، وتعطَّلت معها عملية تحوُّل النظام الاقتصادي من الاشتراكية إلى نظام اقتصاد السوق، كما أجَّلت عملية الاندماج الأوروبي وانتعاش الاقتصاد الكرواتي(5)، وقد تأخَّر اندماج كرواتيا في فضاء الاتحاد الأوروبي عقدًا كاملاً بالمقارنة مع دول شرق أوروبا.
ومن أجل إكمال شروط الالتحاق بالاتحاد الأوروبي، كان على النظام الجديد في كرواتيا تحويل نظامه الاقتصادي من اقتصاد قومي-اشتراكي إلى نظام ليبرالي-ديمقراطي. أثار ذلك التوجُّه الجديد معارضة قوية من النخبة القومية؛ التي رأت مصالحها تتضرَّر من عملية التحول الديمقراطي تلك، وحاولت بأساليب مختلفة، إجهاض عملية الاندماج الأوروبي لكرواتيا، وهو ما زاد من صعوبة إنجاز تلك الخطوة نحو عضوية الاتحاد الأوروبي، وجعلها غير واقعية قبل إيجاد حلٍّ جدِّيٍّ لعدد من القضايا السياسية، بما في ذلك إعادة صياغة مبادئ التعامل السياسي تجاه البوسنة والهرسك.
وعلى الرغم من أنها كانت ضحية للاعتداء الصربي؛ فإن كرواتيا كانت بدورها معتدية على البوسنة والهرسك، وقد اعتبر بعض الخبراء أن عدوان كرواتيا على البوسنة كان “عدوانًا انتهازيًّا”؛ حيث شارك بعض التشكيلات الكرواتية المسلحة ومقاتلون متطوِّعون، إلى جانب القوات الكرواتية البوسنية، في عمليات قتالية دارت في عدة مناطق في البوسنة والهرسك، ولا يخفى على الملاحظين دعم نظام الرئيس “فرانيو تودجمان” وإدارته عمليات التطهير العرقي التي قادها عدد من أبرز الشخصيات السياسية الكرواتية البوسنية، وقد ساند نظام تودجمان محاولة إقامة شبه دولة خاصة بكروات البوسنة (هرسك بوسنة)، كما تفاوض تودجمان سرِّيًّا مع الرئيس الصربي سلوبودان ميلوشيفيتش على تقسيم البوسنة وضمِّ أجزاء منها إلى دولة كرواتيا.
أدَّت سياسة نظام تودجمان تلك تجاه البوسنة والهرسك، إلى عزل كرواتيا دوليًّا لفترة طويلة عقب انتهاء الحرب، وكان من دوافع عزل نظام كرواتيا القومي عن الساحة الدولية ما ارتكبته قوات الجيش الكرواتي من جرائم حرب في حق المدنيين الصرب أثناء موقعة “ألويا” أو (العاصفة).
وكان من بين أبرز الانتقادات التي وجهتها الدول الغربية؛ خاصة الولايات المتحدة الأميركية، لحكومة تودجمان: تنامي التعصُّب القومي، ودور كرواتيا في حرب البوسنة والهرسك، وعمليات طرد الصرب المدنيين من منطقة كرايينا، ورفض الحكومة الكرواتية التعاون مع محكمة الجنايات الدولية الخاصة بيوغسلافيا، والتسامح مع الفساد(6).
بعد تودجمان عام 1999، أدركت الإدارة الأميركية أنَّ تعظيم دوره وإرثه السياسي من الممكن أن تكون له آثاره المباشرة في إضعاف فرص المعارضة السياسية الكرواتية المعتدلة ذات التوجه الأوروبي في مواصلة طريق المطالبة بإسقاط نظام تودجمان القومي الشوفيني؛ ومن ثَمَّ إدخال إصلاحات سياسية واقتصادية تلبِّي انتظارات المجموعة الدولية.
وبموت تودجمان فقد الحزب الكرواتي الديمقراطي الحكم، وتحولت كرواتيا تبعًا لذلك من النظام الرئاسي الاستبدادي وشبه الدكتاتورية إلى النظام البرلماني والديمقراطية الليبرالية والنضج السياسي، ومع بدء عمليات الإصلاحات، وتبنِّي سياسة ذات توجه أوروبي بقيادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي والرئيس الكرواتي الجديد، ستيبان ميسيتش (الذي حكم لدورتين متتاليتين، واستطاع النأي بحكومته عن النهج القومي)، نجحت كرواتيا في استعادة ثقة المجتمع الدولي فيها، وفُتحت أمامها أبواب الاندماج الأوروبي.
واجهت الحكومة الكرواتية الجديدة مصاعب سياسية جمَّة تطلَّبت معالجتها ثلاثة عشر عامًا، وقد تمثَّلت أهم تلك الصعاب في ما واجهته التوجُّهات الإصلاحية للحكومة ومحاربة ظاهرة تفشِّي الفساد -التي كان رموزها من كبار موظفي الدولة وسياسييها- من معوِّقات، كما كان أهم التحديات التي واجهتها السلطة الجديدة في كرواتيا يتمثل في: محاولات النُّخب الكرواتية المتتالية التصدِّي لعمليات الإصلاح السياسي والاقتصادي، ووجود إدارة بيروقراطية جامدة ومقاوِمة للتوجُّه الجديد، وجدت لها أنصارًا داخل قطاع القضاء؛ خاصَّة أنَّ المعارضة البرلمانية القومية (الحزب الديمقراطي الكرواتي) كانت تبارك كلَّ تلك التوجهات المقاوِمة للإصلاح، وهو ما صعَّب من مواصلة البلاد طريقها نحو عضوية الاتحاد الأوروبي.
بعد وقت غير طويل، أدَّت حملات شيطنة الحكومة، ذات التوجُّه اليساري، من طرف القوميين وأشياعهم داخل أجهزة إدارة الدولة والقضاء وأجهزة المخابرات ووسائل الإعلام، إلى إعلانِ الحكومةِ الاشتراكية الديمقراطية حكومة معادية لكرواتيا.
في عام 2003 عاد الحزب الكرواتي الديمقراطي -الذي خضع لمراجعات نسبية- إلى سدَّة الحكم مرَّة أخرى بزعامة رئيس الوزراء إيفو سِنادر، فدخلت كرواتيا في دورة مزمنة من الفضائح السياسية والمالية الكبرى؛ التي هزَّت الحكومة الجديدة، وكشفت تلك الفضائح عن اختلاسات كبرى من ميزانية الدولة، وعمليات بيع للرُّتب العسكرية والإدارية، وتهرُّب ضريبي، وبيع غير قانوني لجوازات سفر كرواتية، وتجارة سوداء في الأسلحة والمخدرات، واتِّجار بالبشر(7)؛ أدَّى كلُّ تلك الفضائح والجرائم -بالإضافة إلى بعض المشاكل التقنية الأخرى؛ مثل الخلاف البنكي بين كرواتيا وسلوفينيا- إلى تأخير انضمام كرواتيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي.
تطلبت الحرب على الفساد والجريمة إصلاحات جذرية في سلك القضاء وجهاز الشرطة بشكل أساسي، وكانت أكثر الخطوات جدِّيَّة على هذا الطريق متمثِّلَة في تأسيس مكتب لمكافحة الفساد والجريمة المنظمة عام 2001، ومع هذه الخطوة استكملت كرواتيا استجابتها للشروط التي فرضها عليها إمضاؤها على اتفاقية معاقبة الفساد، وقبولها اتفاقية الأمم المتحدة الداعية إلى مكافحة الجريمة العابرة للقارات، وبفضل عمل مكتب مكافحة الفساد والجريمة المنظمة، تمَّ إصدار حكم قضائي بالسجن لسنوات عديدة في حق رئيس الوزراء السابق، إيفو سِنادر، المتهم بتلقي رشوة بخمسة ملايين يورو في القضية المتعلقة ببيع غير قانوني لأسهم في شركة الصناعات النفطية الكرواتية (INA) إلى شركة النفط المجرية (MOL) والسماح لها بحق تسيير شركة (INA) إداريًّا.
كان على كرواتيا، قبل انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، استكمال الاستجابة للشروط المطلوبة فيما يتعلق باحترام حقوق الأقليات، وكانت قضية منح صرب محافظة فوكوفار -الذين يمثلون أقلية مهمَّة في هذه المدينة الكرواتية- الحقَّ في استعمال الأحرف السيريليَّة في مدارسهم وكتاباتهم، إلاَّ أنَّ جمعية الدفاع عن فوكوفار استطاعت جمع أكثر من نصف مليون توقيع، ودعت إلى إجراء استفتاء عام حول حق الصرب في استخدام الأحرف السيريليَّة، فكان ردُّ المحكمة الدستورية الكرواتية بعدم دستورية هذا الاستفتاء، وهو ما منع تنظيمه(8)؛ غير أنَّ معارضة القوميين المتشددين لحق الصرب في استعمال السيريليَّة، يبقى دليلاً واضحًا على مدى العداء الذي لا يزال يحمله الكروات للأقلية الصربية في محافظة فوكوفار، إن مراقبة هذه الظاهرة ومتابعتها قد تحدِّد درجة حضور وتأثير الحركة القومية الكرواتية والتوجهات الشوفينية فيها؛ التي وإن كانت موجودة على الهامش حاليًّا، فإنها لم تُهزم بعدُ في كرواتيا.
المشهد السياسي الكرواتي
ينقسم الفضاء السياسي في كرواتيا أيديولوجيًّا بين الأحزاب القومية من ناحية، وبين الأحزاب التقدمية الموالية لأوروبا، والمجتمعة حول الحزب الاشتراكي الديمقراطي، والأحزاب الأخرى ذات التوجهات السياسية الوسطية، من ناحية أخرى، ويلاحظ تنامي تأثير القوميين واستقطابهم لأعداد كبيرة من الناخبين الكروات؛ خاصة أثناء فترات تراجع الأداء الاقتصادي والأزمات، وهو أيضًا ما نشهده اليوم من اتهامات القوميين لحكومة ميلانوفيتش الوسطية بأنها تمثِّل الأيديولوجيا الشيوعية التي ورثتها من يوغسلافيا السابقة.
هذا الصراع بين الخطابات والخيارات الأيديولوجية تغذِّيه وتدعمه الكنيسة الكاثوليكية، التي كانت على الدَّوام إلى جانب الخيارات السياسية المحافظة؛ بل إنها -وإلى حدٍّ بعيد- تدفع الخطاب السياسي نحو خيارات اليمين المتطرِّف(9)؛ أما ما يدلِّل على هذا؛ فكانت حادثة الاستقبال البطولي الذي خَصَّ به بعضُ الرهبان الكاثوليك في كرواتيا أمام الكنيسة الرئيسية في زغرب، مجرمَ الحرب “داريو كودريتش”، على إثر عودته من سجنه؛ الذي قضى فيه 17 عامًا، وقد كان كودريتش محكومًا عليه بالسجن لمدة 25 عامًا بعد ثبوت التهمة الموجهة إليه بقيادة عمليات تصفية عرقية ضد مدنيين مسلمين من سكان قرية أحميتشي، الواقعة في وسط البوسنة، عام 1993.
أما ما أفرزته نتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت نهاية العام الماضي 2014 في دورتها الأولى، واستكملت دورتها الثانية مع بدايات العام الحالي؛ فقد كانت مفاجئة للجميع؛ حيث انتخبت الرئيسة كوليندا غرابار كيتاروفيتش (أول امرأة تحصل على منصب الرئاسة في تاريخ كرواتيا الحديث)، المنتمية إلى حزب الاتحاد الديمقراطي الكرواتي المحافظ، وجاء فوزها بفارق ضئيل جدًّا على منافسها الاشتراكي، الرئيس الْمُتخلِّي إيفو يوسيبوفيتش، كردِّ فعل غاضب من الناخبين على تردِّي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع نسبة البطالة إلى ما يقرب من 20%.
تبقى الإشارة إلى أن الرئيسة الجديدة تسلَّمت منصبها في فبراير/شباط الماضي، لتعمل مع حكومة الاشتراكيين التي لا تزال في الحكم، ويُعتبر دور الرئيس في كرواتيا شرفيًّا؛ إذ إنَّ وضع السياسات العامة للدولة وبرامجها الإنمائية والاقتصادية تظل في يد رئيس الحكومة، ومن المبكِّر الآن الحكم على أداء الرئيسة غرابار كيتاروفيتش، غير أنَّ كل المؤشرات الحالية تدلُّ على صعوبات كبرى تلوح أمامها في ظلِّ استمرار حكومة اشتراكية قوية ونافذة، كما نشير إلى أن أول زيارة خارجية للرئيسة الكرواتية الجديدة كانت إلى دولة البوسنة والهرسك، في إشارة قوية إلى دعمها لعضوية البوسنة والهرسك في الاتحاد الأوروبي.
ويرى عدد من المراقبين أنَّ “استجابة كرواتيا النسبية لاشتراطات الاتحاد الأوروبي، المتعلقة بإدخال إصلاحات جذرية سياسية واقتصادية، ما كانت لتؤهلها إلى عضوية الاتحاد الأوروبي لو لم تكن الأجواء الأوروبية مهيَّأة لذلك، غير أنَّ كرواتيا وجدت دعمًا كبيرًا من أصدقائها في الوقت المناسب”(10)، وقد كانت تصريحات رئيس البرلمان الألماني، نوربرت لامّارت، الدَّاعية إلى تجميد عضوية كرواتيا داخل الاتحاد الأوروبي معبِّرة بقوَّة عن عدم استعداد كرواتيا التام لولوج النادي الأوروبي؛ لأنها لا تزال بعيدة عن الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي المرجو؛ كما أن الحكومة الألمانية عبَّرت عن تحفُّظها حيال انضمام كرواتيا إلى الاتحاد الأوروبي واعتبرتها غير جاهزة لذلك(11).
كانت قضية إصلاح الإدارة العمومية من القضايا التي لم تجد طريقها إلى الحلِّ في كرواتيا قبل انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي؛ حيث فقد 180 ألف موظف في القطاع الخاص وظائفهم في فترة الركود الاقتصادي(12)، وهو ما لم يشهده القطاع العام، هذا بالإضافة إلى أنَّ رواتب موظفي القطاع العام تزيد عن رواتب نظرائهم في القطاع الخاص بـ25%، وهو ما دفع الحكومة إلى إصدار قانون جديد -ضمن حزمة الإصلاحات في القطاع العام- يوحِّد بين رواتب 63 ألف موظَّف في القطاع العام مع نظرائهم في القطاع الخاص، وهو إجراء فريد من نوعه في دول الاتحاد التي لم تعرف زيادة في رواتب موظفي القطاع العام؛ بل وسرَّحت عددًا منهم، وهو ما لم يحصل في كرواتيا(13).
في ظل الاتحاد الأوروبي
بدخولها إلى الاتحاد الأوروبي، وخلال مرحلة التعوُّد على نظام العمل السياسي والإداري للاتحاد، كان على كرواتيا إثبات قدرتها على تأدية دور إيجابي في تحقيق أهداف الاتحاد، لا أن تكون فقط منتفعة مما يقدمه لها الاتحاد من إمكانيات مالية ومساعدات تقنية وتأثير دبلوماسي.
وعلى الرغم من أنَّ الإضافة التي تقدمها كرواتيا للاتحاد محدودة، فإنَّ دورها إيجابي على مستوى تقديم خدمات الخبراء؛ فهي تسهم في مشاريع تعليم المرأة في المغرب وأفغانستان، كما أنَّها تؤدِّي دورًا مهمًّا في عملية السلام في فلسطين(14)؛ وذلك من خلال النشاط والالتزام بالقضية الذين أبدتهما وزيرة الخارجية الكرواتية فيسنا بوسيتش.
أما المجال الذي يمكن لكرواتيا أن تؤدِّي فيه أدوارًا متقدِّمة داخل الأوروبي، فهو ما يمكنها تقديمه على مستوى استقرار المجتمعات التي شهدت صراعات مسلحة؛ وذلك في حين يبدو دور كرواتيا وسيطًا في حلِّ الصراعات مهمًّا جدًّا، إلا أنَّ علاقاتها مع كل من البوسنة والهرسك وصربيا لا تزال شديدة التعقيد؛ فمع صربيا لا تزال العلاقات تشكو من استمرار عدد من القضايا الخلافية بين الجانبين، تتعلق بالاتهامات المتبادلة بينهما بالمسؤولية عن الإبادة الجماعية؛ التي تنظرها محكمة العدل الدولية في لاهاي. كما أن كرواتيا وصربيا دولتان موقِّعتان على اتفاقيات دايتون، وضامنتان للسلام في البوسنة والهرسك، غير أن مسؤولية كرواتيا أكبر على هذا المستوى.
أما قضية وضع البوسنيين الكروات في كرواتيا، فيبدو أنَّها أصبحت قابلة للتسوية اليوم؛ خاصة بعد أن أصبحت كرواتيا عضوًا في الاتحاد الأوروبي، وفي كل الحالات فإنَّ خطر العودة إلى السياسات الكرواتية المتدخلة في شؤون دولة البوسنة والهرسك، ومحاولة زعزعة استقرارها قد تراجع كثيرًا بحكم التزام كرواتيا بالمعاهدات والقوانين الأوروبية.
وضع الاقتصاد الكرواتي
بعد التحول من النظام الاقتصادي الاشتراكي إلى اقتصاد السوق، مرورًا بالخصخصة، تشهد كرواتيا اليوم مرحلة التحول من التصنيع إلى اقتصاد الخدمات؛ الذي بات يشكل قرابة 70% من مجموع الناتج الاقتصادي للدولة، وتمرُّ كرواتيا منذ سنوات عديدة بمرحلة ركود اقتصادي، تسببت فيها ما عرفه البلد خلال الفترة الانتقالية من مصاعب؛ لكنها -أيضًا- تأثرت بالأزمة المالية العالمية التي شملت أوروبا أيضًا. وفي الوقت الذي توحي فيه البنية التحتية للبلد وطرقاتها السريعة ومدنها العامرة وشواطئها الجميلة على البحر الأدرياتيكي بأنَّ البلد غني ومنظم ومتطوِّر، فإنَّ التحليل الاقتصادي للمعطيات على الأرض يُظهر أن كرواتيا بلد فقير يصعب العيش فيه، وهو كما يقول عنه أهله: “الفقراء الأوروبيون الجدد”(15). أما فترات الرخاء المالي، فقد كانت نتيجة تدفق أموال على خزينة الدولة من بيع ممتلكات الدولة، وما حصلت عليه من قروض خارجية، وقد استُغِلَّت تلك الأموال في بناء الطرقات ومشاريع تحديث البنية التحتية الأخرى، وهو ما جعل الحكومة الكرواتية الحالية عاجزة عن صيانتها والعناية بها، وتسعى إلى تسليم خدمتها إلى شركات خاصَّة.
ويبدو اليوم أن تصريحات الرئيس الراحل، فرانيو تودجمان، التي قال فيها: إنَّ “الاقتصاد الكرواتي لابدَّ أن تقوده أغنى 200 أسرة كرواتية، وتكون هي المحرِّك الرئيسي لاقتصاد البلد”(16). قد تحققت على أرض الواقع؛ فبحسب مجلَّة “فوربس”، فإن قائمة أغنى أغنياء كرواتيا تضمُّ 50 رجل أعمال تصل قيمة ثرواتهم إلى 12,840 مليار كونا كرواتية، أي ما يعادل (1.5 مليار يورو). فيما نسجِّل أن مرحلة الركود الاقتصادي لم تعرف تراجعًا في ثروات أغنياء كرواتيا؛ بل إنها زادت من مداخيلهم بما يعادل 130 مليون يورو(17).
وتبلغ معدلات البطالة في كرواتيا 19%، وفي آخر بيان اقتصادي حول السياسة الاقتصادية الكرواتية صدر عام 2014، رجَّح أن يتجاوز حجم الدين الخارجي لكرواتيا عام 2015 ما نسبته 105% من الناتج القومي الإجمالي، وأن كرواتيا ستكون خلال العام ذاته أكثر بلدان الاتحاد الأوروبي عجزًا في الميزانية مع دين عام هو الأعلى من بين أعضاء الاتحاد الأوروبي(18)، وتَظهر نتائج هذا العجز في تراجع القدرة على المنافسة في الأسواق الأوروبية والعالمية، وفي أزمة الثقة في مؤسسات الدولة السياسية، وفي هجرة رأس المال من كرواتيا وهجرة سكانها.
وفي الوقت الذي تمتلك فيه كرواتيا تقليدًا يعود إلى القرن التاسع عشر في صناعة السفن، وامتلاكها خمس منشآت لبناء السفن، فإنَّ سياسة نزاهة المنافسة التي يعتمدها الاتحاد الأوروبي، ومنع قوانينه دعم حكومات الدول الأعضاء في الاتحاد لهذه الصناعة، جعل كرواتيا مضطرة إلى خصخصة هذا القطاع المهم؛ الذي كان يدرُّ عليها عوائد مهمَّة، ومع إيقاف العمل في منشآت صناعة السفن تُستكمل عملية تحوُّل كرواتيا إلى بلد غير مصنِّع(19)، وهو ما سينتج عنه ازدياد في نسب البطالة في البلد.
بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ صادرات كرواتيا إلى بلدان الجوار -خاصة البوسنة والهرسك (التي يبلغ حجم الصادرات الكرواتية إليها 1.5 مليار يورو)- ستعرف تراجعًا كبيرًا؛ وذلك بسبب انسحاب كرواتيا من اتفاقية التبادل التجاري الحر لدول وسط أوروبا، التي كانت قد انضمت إليها منذ عام 2006. وتؤشِّر المعطيات آنفة الذكر إلى ما فقدته كرواتيا من امتيازات بانضمامها إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، على الأقل في المنظور القريب.
تعيش كرواتيا اليوم أزمة اقتصادية خانقة(20)، ويدل على ذلك وجود ما نسبته 21% من الشعب تحت خط الفقر، وقد خفَّضت مؤسسة ستاندارد أند بورز عام 2012 من مؤشر كرواتيا إلى أدنى مستوى، وصنفتها ضمن البلدان الأقل جذبًا للاستثمارات الأجنبية المباشرة.
الطاقة مستقبل كرواتيا
على الرغم من الكساد الاقتصادي والتوقعات المتشائمة للخبراء الاقتصاديين حول صعوبة استعادة الاقتصاد الكرواتي عافيته، فإنَّ كرواتيا تمتلك الإمكانات والقدرات لأن تصبح دولة أوروبية مزدهرة، وتبدو أبرز الفرص في ذلك ماثلة في القطاع السياحي؛ خاصة في مجال الطاقة، ويجعلها موقعها المميز جاذبة لبعض القوى الكبرى على غرار روسيا، التي ما فتئت تُدعِّم دورها الاقتصادي وتزيد من تأثيرها الجيوسياسي في منطقة غرب البلقان من خلال مجال الطاقة؛ فقد بدت نية شركتي “روسنيفت” و”غازبروم” واضحة في محاولتيهما السيطرة على قطاع النفط الكرواتي الاستراتيجي، وعرضتا شراء أسهم في شركة النفط الوطنية “إينا”، التي تمتلكها حاليًّا شركة النفط المجرية “مول”. وتحتكر شركة “إينا” كلَّ الإنتاج المحلي للنفط والغاز في كرواتيا، وتسعى إلى استعادة الأسهم التي باعها رئيس الوزراء السابق إيفو سِنادر إلى شركة “مول”؛ لكن بسبب التراجع الاقتصادي وتفاقم حجم العجز في الميزانية، فإنَّ كرواتيا باتت غير قادرة على توفير التمويل المطلوب لذلك، وهكذا فإنَّ بيع شركة “إينا” إلى روسيا سيكون من شأنه أن يجذب رأس مال جديد، وتبدو كرواتيا في أشد الحاجة إليه لحلِّ جزء من مشاكلها الاجتماعية. غير أنَّ عضوية كرواتيا في الاتحاد الأوروبي تقف عقبة في وجه عملية البيع تلك؛ فشراء “غازبروم” لشركة “إينا” سيضمن لروسيا دورًا مُهيمنًا في مجال صناعة النفط والغاز في منطقة غرب البلقان(21)؛ وهو ما ترفضه بروكسل.
ومن أجل حماية مصادر الطاقة الاستراتيجية؛ خاصة على إثر ضم روسيا للقرم، والسياسة التي تتبعها موسكو تجاه أوكرانيا؛ فقد منعت عضوية الاتحاد الأوروبي كرواتيا من تمكين روسيا من بسط سيطرتها على مجال الصناعة النفطية الكرواتية، ومن ناحية أخرى، فقد اهتمت شركة “إكسون موبايل”، عملاق النفط الأميركي، بشراء شركة “إينا” الكرواتية، وتنفيذ عمليات تنقيب في حقول نفطية كرواتية؛ حيث تمتلك كرواتيا مخزونًا هائلاً من النفط والغاز يقع في مياه البحر الأدرياتيكي الوسطى والجنوبية(22).
تُبرز الأمثلة المقدمة أعلاه أهمية كرواتيا بالنسبة إلى القوى العالمية الكبرى؛ التي ترغب في التعاون مع كرواتيا، بصفتها شريكًا في مجال الطاقة؛ خاصَّة أنَّ “حربًا باردة صغرى” تدور بين كبرى شركات النفط الروسية والأميركية حول مخزون كرواتيا من الطاقة ومن أجل موقعها الاستراتيجي؛ غير أنَّ سيادة كرواتيا واستقلال قرارها، حتى في المجال الاقتصادي، تبقى محدودة جدًّا بعد انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي.
على العكس من باقي الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، أو صربيا، فإن إنتاج كرواتيا الوطني يغطِّي ما نسبته 70% من احتياجاتها من الغاز و15% من النفط، كما تخطِّط -أيضًا- إلى توسعة عمليات التنقيب عن الغاز في عرض البحر الأدرياتيكي ومنطقة سلافونيا، هذا بالإضافة إلى ما أعلنت عنه شركة “سبكتروم” النرويجية من أنَّ نتائج أبحاثها تشير إلى وجود مخزون نفطي يقدَّر بثلاثة مليارات برميل من النفط الخام في البحر الأدرياتيكي(23)، وتسعى كرواتيا -أيضًا- إلى تنويع مصادر الطاقة فيها من خلال إنشاء محطَّة لتخزين الغاز الْمُسال في جزيرة كِرْكْ؛ مما يمكن أن يجعلها مركزًا إقليميًّا للطاقة. من ناحيتها فإنَّ المفوضية الأوروبية صنَّفت هذا المشروع على رأس أولوياتها؛ فمحطة تخزين الغاز في جزيرة كِرْكْ مرشحة لأن تكون حلقة وصل رئيسة في سياسة الاتحاد الأوروبي في مجال الطاقة، كما تحدث نائب الرئيس الأميركي جوزيف بادين في مؤتمر قمَّة الأطلنطي في إسطنبول، عن دور كرواتيا المحوري في منع روسيا من بسط نفوذها وسيطرتها على مجال الطاقة في البلقان والاتحاد الأوروبي.
لم تكن السياسة الأميركية تعتبر قضية الطاقة في كرواتيا ضمن أولوياتها قبل بروز الأزمة الأوكرانية؛ لكن بعد بدء الصراع في أوكرانيا، طلبت الإدارة الأميركية من المفوضية الأوروبية دعم كرواتيا ومساعدتها على بناء محطَّة جزيرة كِرْكْ؛ حيث تعتزم أميركا بيع غازها الصخري -رخيص الثمن- إلى بلدان الاتحاد الأوروبي عبر مروره بمحطة التخزين في جزيرة كِرْكْ(24).
كما سيكون لكرواتيا دور مهم في بناء خط إمدادات الغاز العابر للبحر الأدرياتيكي؛ الذي سيمرُّ خلاله الغاز القادم من أذربيجان عبر تركيا فألبانيا والجبل الأسود وصولاً إلى مدينة سبليت الكرواتية ليصل منها إلى إيطاليا، وهو خطُّ إمداد يتفادى المرور عبر روسيا. من ناحية أخرى، رفضت كرواتيا عرضًا للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بأن تكون شريكًا في مشروع “خط إمداد الجنوب” أو ” ساوث ستريم”؛ وهو العرض نفسه الذي قبلته صربيا، أكبر حليف لروسيا في البلقان.
إذن، ونظرًا إلى المنافسة العالمية في مجال الطاقة، فإنَّ كرواتيا -ذلك البلد الصغير مساحة وديموغرافيًّا، وبفضل ما له من موقع استراتيجي وجيوسياسي- أصبح شريكًا لا يمكن تجاهله في ما يتعلق بسياسة الطاقة في منطقة غرب البلقان والاتحاد الأوروبي، وأحد الفاعلين الإقليميين في هذا المجال؛ لاسيما أنها تمتلك -أي كرواتيا- فرصًا جدية لتوظيف موقعها الجيوسياسي في الإقليم لتصبح حلقة وصل بين منطقة الغرب المندمج والجزء الجنوبي الشرقي غير المندمج من أوروبا، كما بإمكانها أن توظِّف كل ما سبق في صالحها إذا تمتعت حكومتها بالرؤية الواضحة والقدرة على الابتكار، وإذا عرفت كيف تستغلُّ ما تمنحه لها عضوية الاتحاد الأوروبي من امتيازات.
__________________________________________
عثمان صوفتيتش: باحث بوسني متخصص في دراسة العلاقات الدولية والدراسات البلقانية.
ملاحظة: النص أُعِدَّ في الأصل باللغة الكرواتية وترجمه إلى العربية الدكتور كريم الماجري.
مراجع وهوامش
1- Stanovništvo prema narodnosti po gradovima op?inama , popis 2011. Popis stanovništva 2011, Dr?avni zavod za statistiku Republike Hrvatske.
إحصاء سكاني وفقًا للإثنيات في المدن والبلديات، إحصاء 2011، الإحصاء السكاني 2011. المعهد الوطني للإحصاء، جمهورية كرواتيا.
2- Revija za socijalnu politiku, Svezak 8, Br. 2 (2001)
مجلة علم الاجتماع السياسي، الكراس الثامن، العدد الثاني.
http://www.rsp.hr/ojs2/index.php/rsp/article/view/225/229
تاريخ الدخول: 10 يونيو/حزيران 2015.
3- CIA, The World Fact Book, https://www.cia.gov/library/publications/the-world-factbook/geos/hr.html
تاريخ الدخول: 10 من يونيو/حزيران 2015.
4- Deset godina samo?e, Andrea Despot / Dus?an Reljic? / Gu?nter Seufert, SWP Stiftung Wissenschaft und Politik
German Institute for International and Security Affairs, 2012
5- Aggelos Zikos and Konstantinos Papanikolaou, A Brief Profile of Croatia, In Light of its Accession to the E.U. in July 2013, Athens, 2013
6- Christine Stone, The Sad Tale of Croatian Independence, Antiwar.com, 28. January, 2000
http://www.antiwar.com/orig/stone4.html
تاريخ الدخول: 10 يونيو/حزيران 2015.
7- Natasha Srdoc and Joel Anand Samy, EU Observer, EU Should Stop Funding Croatia’s Corrupt Networks, 17-01-2013, http://euobserver.com/opinion/118760
آخر زيارة للموقع كانت بتاريخ 10 من يونيو/حزيران 2015.
8- Ko je Josip Perkovi?? Evo Zašto Evropska Unija Ka?njava Hrvatsku! Telegraf, Beograd, 13/9/2013.
من هو يوسيب بيركوفيتش؟ هذا هو السبب وراء عقوبات الاتحاد الأوروبي على كرواتيا! تليغراف، بلغراد، 13من سبتمبر/أيلول 2013.
http://www.telegraf.rs/vesti/827773-ko-je-josip-perkovic-evo-zasto-evropska-unija-kaznjava-hrvatsku
تاريخ الدخول: 10 يونيو/حزيران 2015.
9- Ustavni sud donio odluku ‘Referenduma o ?irilici ne?e biti, ali zakon o dvojezi?nosti treba mijenjati’, Jutarnji List, Zagreb, 12. Avgust, 2014
المحكمة الدستورية تقرر: “لن يكون هناك استفتاء حول استخدام الكتابة السريلية، إلا أن قانون ازدواجية اللغة يجب تغييره”.
http://www.jutarnji.hr/ustavni-sud-donio-odluku–referendum-o-cirilici-nece-se-odrzati-/1212764/
تاريخ الدخول: 10 يونيو/حزيران 2015.
10- Ivan Fumi?: ‘Crkva podupire ekstremnu desnicu, HRSvijet, Zagreb, 2.juni, 2012
http://www.hrsvijet.net/index.php/vijesti/137-arhiva-stari-hrsvijet-net-1/21977-ivan-fumi-crkva-podupire-ekstremnu-desnicu-koja-povijesnim-revizionizmom-pokuava-dobiti-drugi-svjetski-rat 6.2012.
تاريخ الدخول: 10 يونيو/حزيران 2015.
11- Aggelos Zikos and Konstantinos Papanikolaou, A Brief Profile of Croatia, In Light of its Accession to the E.U. in July 2013, Athens, 2013
12- Euractiv, German Skepticism on EU Enlargement Hits at Croatia, 15-10-2012, http://www.euractiv.com/enlargement/german-enlargement-skepticism-hi-news-515410
تاريخ الدخول: 10 يونيو/حزيران 2015.
13- Gordana Galovi?, VELIKA ANALIZA Hrvatska je u najte?oj krizi, a od svih je najmanje rezala pla?e birokratima, Jutarnji List, Zagreb, 17/2/14
غوردانا غالوفيتش، كرواتيا في أصعب أزماتها؛ لكنها لا تزال أقل الدول استقطاعًا من رواتب بيروقراطيتها:
http://www.jutarnji.hr/hrvatska-je-u-najtezoj-krizi–a-od-svih-je-najmanje-rezala-place-birokratima/1165674/
تاريخ الدخول: 10 يونيو/حزيران 2015.
14- Ibid.
15- Senada Selo Sabic, Croatia’s Post-EU Accession Foreign Policy is Multi-Directional,
Lecture at the Center for Enlargement Studies (Central European University), Budapest, 5. March, 2014
http://www.ceu.hu/article/2014-03-05/croatias-post-eu-accession-foreign-policy-multi-directional-says-sabic#sthash.T0emKnL6.dpuf
تاريخ الدخول: 10 يونيو/حزيران 2015.
16- Hrvatska u EU, Nova evropska sirotinja, Vesti, 23-7-2014
كرواتيا في الاتحاد الأوروبي، فقراء أوروبا الجدد، الأخبار 23 من يوليو/تموز 2014.
http://www.vesti-online.com/Vesti/Tema-dana/420613/Hrvatska-u-EU-4-Nova-evropska-sirotinja
تاريخ الدخول: 10 يونيو/حزيران 2015.
17- Ibid.
تاريخ الدخول: 10 يونيو/حزيران 2015.
18- Lovrin?evi?: Hrvatska ekonomija je na aparatima, TPortal.hr, 12/11/2014.
http://www.tportal.hr/biznis/politika-i-ekonomija/358456/Lovrincevic-Hrvatska-ekonomija-je-na-aparatima.html
http://www.eizg.hr/hr-HR/dr-sc-Zeljko-Lovrincevic-40.aspx
تاريخ الدخول: 10 يونيو/حزيران 2015.
19- Jean-Arnault Dérens, Croatia’s entry fee, Le Monde Diplomatique, Paris, 28 June 2013
http://mondediplo.com/2013/07/09croatia
تاريخ الدخول:10 يونيو/حزيران 2015.
20- Ibid.
21- Bodo Weber and Kurt Bassuener, The Western Balkans and the Ukraine crisis – a changed game for EU and US policies?, A DPC Policy Paper, Berlin – Sarajevo September 2014 http://democratizationpolicy.org/pdf/briefs/DPC%20Policy%20Paper%20Western%20Balkans%20&%20Ukraine%20crisis.pdf
تاريخ الدخول: 10 يونيو/حزيران 2015.
22- Joseph Orovic, Russian plans to buy Croatia’s INA seen hurt by Ukraine crisis
Zadar, 6 March 2014
http://www.bne.eu/content/story/russian-plans-buy-croatias-ina-seen-hurt-ukraine-crisis
تاريخ الدخول: 10 يونيو/حزيران 2015.
23- President calls for Croatia to take lead in EU energy security, Business news Europe, 29. maj, 2014
http://www.bne.eu/content/story/president-calls-croatia-take-lead-eu-energy-security
تاريخ الدخول: 10 يونيو/حزيران 2015.
24- David Koranyi, Ian Brzezinski and Matthew Bryza, After Nabucco, Croatia to the Rescue of Central Europe’s Energy Security? Energy Post, 4 September, 2013
http://www.energypost.eu/author/david-koranyi-ian-brzezinski-matthew-bryza/
تاريخ الدخول: 10 يونيو/حزيران 2015.
عثمان صوفتيتش
مركز الجزيرة للدراسات