بعد مقتل زعيم تنظيم «الدولة الإسلامية» («داعش») أبو بكر البغدادي في 27 تشرين الأول/أكتوبر، قد يتساءل المرء عن سبب استمرار توافد المسؤولين الأجانب إلى واشنطن لحضور اجتماع “التحالف العالمي لهزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية»” في 14 تشرين الثاني/نوفمبر. إلّا أن التهديد الذي يشكله التنظيم استمر عبر سنوات من الانتكاسات المماثلة، لذلك يتعين على العديد من الدول الفاعلة في مواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية» مناقشة أفضل السبل لمواصلة جهودها.
عندما عقد المسؤولون اجتماعهم السابق “لهزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية»” في باريس في حزيران/يونيو الماضي، خلصوا إلى أنه “مع مراعاة الوضع الأمني غير المستقر على الأرض، من الأهمية بمكان أن تبقى القوات العسكرية التابعة للتحالف في [دول] المشرق لتوفير الدعم اللازم لحلفائنا على الأرض”. ويجري حالياً اختبار هذا الالتزام بشدة عبر قرار واشنطن سحب قواتها والتخلي أساساً عن «قوات سوريا الديمقراطية». وستخضع القيادة الأمريكية للمزيد من الاختبار في اجتماع الرابع عشر من تشرين الثاني/نوفمبر بشأن الحفاظ على إطار عمل التحالف، الذي هو أمر ضروري لتنسيق الأعمال التي تتجاوز المستوى العسكري ومواصلة المسيرة نحو النصر طويل الأجل ضد تنظيم «داعش».
ما الذي حققه التحالف عسكرياً
تم إنشاء التحالف في أيلول/سبتمبر 2014 رداً على غزو تنظيم «الدولة الإسلامية» لمساحات واسعة من أراضي سوريا والعراق. ومنذ ذلك الحين، شكل التحالف الإطار الرئيسي الذي قام من خلاله 81 بلداً بتنسيق جهودهم العسكرية والمدنية لمواجهة التهديد.
وشكّلت قوات “البيشمركة” الكردية والقوات الاتحادية في العراق و«قوات سوريا الديمقراطية» الكردية والعربية في شمال شرق سوريا الحليفيْن المحلييْن الأساسييْن للتحالف في هذه المعركة. وقدمت الولايات المتحدة الدعم الأكبر لهذه القوات من خلال عملية صغيرة بل فعالة لمكافحة الإرهاب. وساهم العديد من الحلفاء في هذه الجهود من خلال جمع المعلومات الاستخباراتية، وشن غارات جوية، وتوفير المعدات، والتدريب العسكري، ومن بينهم أستراليا وبريطانيا وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والأردن وهولندا والبرتغال والسعودية والإمارات العربية المتحدة.
وعلى الرغم من صعوبة الحملة العسكرية وارتفاع عدد القتلى والجرحى، تمكّنت القوات المحلية من استعادة جميع أراضي تنظيم «الدولة الإسلامية» بحلول آذار/مارس 2019. كما أن التعاون المستمر مع هذه القوات مكّن تنفيذ العملية الأمريكية الأخيرة لقتل البغدادي.
“خريطة وزارة الدفاع الأمريكية تُظهر أراضي تنظيم «الدولة الإسلامية» في ذروتها في عام 2015، وكيف قلصتها عمليات التحالف بشكل كبير في السنة الأولى من العمليات”.
خطوط الجهود غير العسكرية
على الرغم من أن عدداً محدوداً فقط من الدول قد شاركت عسكرياً، إلا أن التحالف كان آلية فعالة لجميع الأعضاء البالغ عددهم 81 بلداً للتعاون في الجهود الحاسمة الأخرى مثل مكافحة الإيديولوجية الجهادية وتمويل الإرهاب، وتحقيق الاستقرار في الأراضي السابقة لـ تنظيم «الدولة الإسلامية»، وإعاقة تدفق مقاتلي تنظيم «داعش»، ومحاكمة العائدين.
ومنذ عام 2017، بلغ إجمالي المساهمات الأوروبية بموجب إطار عمل التحالف أكثر من 400 مليون دولار لدعم شمال شرق سوريا. وساهمت هذه الأموال في إزالة الألغام الأرضية التي خلفها تنظيم «الدولة الإسلامية»، وتجنُّب الأزمات الإنسانية في مخيمات اللاجئين، وإصلاح البنية التحتية الأساسية، وتوفير الرعاية الصحية الأولية، وإعادة إطلاق الاقتصاد المحلي. كما شجع التحالف الدعم الثنائي والمتعدد الأطراف للعراق، والذي شمل توفير الأموال لإعادة بناء جامعة الموصل. وهذه الجهود ضرورية لاستعادة الظروف المعيشية اللائقة للسكان الذين عانوا من حكم تنظيم «داعش» والحرب ضده. بالإضافة إلى ذلك، قام التحالف بتنسيق مشاريع لمواجهة دعاية تنظيم «الدولة الإسلامية» وإغلاق حسابات شبكة التواصل الاجتماعي التابعة له. كما تم تحسين تبادل المعلومات حول تمويل الإرهاب والمقاتلين الأجانب.
باختصار، تم تشكيل التحالف لضمان الهزيمة الدائمة لـ تنظيم «الدولة الإسلامية»، وسيتطلب زيادة التعاون [بين الدول الأعضاء] حول الأبعاد غير العسكرية لتحقيق هذا الهدف. ولهذا السبب، لا يزال هناك دورٍ مهمٍّ [من الضروري] على التحالف الاضطلاع به.
قضايا أساسية للاجتماع القادم
تشمل البنود المدرجة على جدول الأعمال الخاص بالاجتماع الوزاري للمجموعة الصغيرة الذي سينعقد هذا الأسبوع عدداً من القضايا السياسية المحتدمة:
كيف ينبغي التعاطي مع الخريطة الجديدة لسوريا؟ إن القضية الأكثر إثارة للجدل هي عدم الاستقرار الناجم عن التوغل التركي والانسحاب الأمريكي غير المنسق في شمال شرق سوريا في الشهر الماضي. وطلب وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان عقْد الاجتماع الوزاري بعد أن شنّت تركيا، وهي أحد أعضاء التحالف، حملة عسكرية لاستعادة منطقة تمتد على عمق ثلاثين كيلومتراً على طول الحدود.
ستيتعيّن على الدول الشريكة مناقشة عواقب هذه الخريطة المتغيرة الآن، بالتزامن مع حلول القوات التركية والروسية وقوات النظام السوري محل الوجود الأمريكي في شمال شرق سوريا. وقد أعرب الرئيس ترامب عن رغبته في الاحتفاظ بالسيطرة على حقول النفط في شرق سوريا، ولكن ليس من الواضح أين تخطط واشنطن مواصلة عملياتها ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» وكيف ستقوم بذلك. وبعد أن تخلّى التحالف مؤخّراً عن قواعده في سوريا، من المرجح أن يعتمد على أربيل في العراق كقاعدة لوجستية رئيسية له، لكنّ ذلك سيتطلب انخراطاً واسع النطاق مع كل من «حكومة إقليم كردستان» وبغداد.
وعلى أي حال، يضر الوضع الجديد ببعض جهود التحالف، ومن المرجح أن يؤدي إلى قيام الوفد الأمريكي بمطالبة شركاء آخرين بزيادة مساهماتهم ونشر قواتهم العسكرية. ومع ذلك، فبينما عرضت دول مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا بذل المزيد من الجهود في الأشهر الماضية في أعقاب تصريح الرئيس ترامب في كانون الأول/ديسمبر 2018 الداعم لانسحاب القوات، إلّا أن المساهمات الأوروبية في عمليات مكافحة الإرهاب ضد الخلايا الإقليمية لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» ستكون صعبة دون وجود أمريكي. وبالمثل، لا يمكن للمنظمات غير الحكومية الأوروبية أن تعمل محلياً دون ضمانات أمنية أمريكية. وحتى الاستهداف الأمريكي للإرهابيين قد يصبح أكثر صعوبة في البيئة العملياتية الحالية.
كيف ينبغي التعاطي مع المعتقلين من تنظيم «الدولة الإسلامية»؟ تتمثل مهمة التحالف الأكثر إلحاحاً في تصميم استجابة منسَّقة لاحتجاز المعتقلين من تنظيم «الدولة الإسلامية» ومحاكمتهم. وعلى المدى القريب، يعني ذلك منع معتقلي تنظيم «داعش» من الهروب من السجون في نطاق الفراغ الأمني الحالي في سوريا.
وبالتالي، من المرجح أن يُطلَب من المسؤولين الأمريكيين الذين سيحضرون اجتماع هذا الأسبوع أن يوضّحوا كيف يمكن توقُع استمرار «قوات سوريا الديمقراطية» في احتجاز مقاتلي تنظيم «الدولة الإسلامية» والتعامل في الوقت نفسه مع مغادرة القوات الأمريكية والتقدم العسكري التركي -السوري. وفي هذا الصدد، أعلن رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية فخر الدين ألتون في 15 تشرين الأول/أكتوبر، أنه “لن يُسمح لأحد بإلقاء عبء هؤلاء الإرهابيين [المسجونين] على كاهل تركيا”، لذلك فمن غير الواضح ما إذا كان سيكون من الممكن تقسيم العمل الجديد مع أنقرة.
وحتى الآن، طالب الرئيس ترامب الدول الأوروبية بإعادة مواطنيها الذين انضموا إلى تنظيم «الدولة الإسلامية» وملاحقتهم قضائياً، ووصل إلى حد التهديد بالإفراج عنهم. وعلى حد تعبير مسؤول أمني لم يُذكر اسمه، تريد الحكومات الأوروبية تجنب إنشاء “خليج غوانتانامو جديد” في سوريا، لكنها حتى أكثر قلقاً من المخاطر المحتملة التي تنطوي عليها عملية الإعادة إلى الوطن.
ووفقاً لموجز السياسة الصادر من قبل “المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية” في 25 تشرين الأول/أكتوبر، هناك حوالي 2000 مقاتل أجنبي من بين حوالي 11000 محتجز من تنظيم «الدولة الإسلامية» في شمال شرق سوريا. وأشار المصدر نفسه إلى أن حوالي 200 من هؤلاء المقاتلين فقط هم أوروبيين، لكنهم ما زالوا يشكلون تهديداً كبيراً من حيث شن هجمات إرهابية مستقبلية في القارة.
ويأتي غالبية المقاتلين الأجانب من دول عربية أخرى، حيث تكافح المؤسسات المحلية للتعامل معهم دون دعم دولي. لننظر [على سبيل المثال] إلى العدد الكبير من المقاتلين التونسيين؛ إن عودتهم إلى ديارهم بشكل جماعي يمكن أن تؤدي إلى تكرار تجربة الجزائر قبل ثلاثة عقود، عندما لعب المحاربون الأفغان العائدون دوراً رئيسياً في الحرب الأهلية في البلاد.
وبالفعل، بينما يدعو بعض الخبراء إلى إعادة المحتجزين إلى أوطانهم الأم، إلّا أن العقبات اللوجستية وأوجه القصور القانونية المحتملة من شأنها أن تُعقّد هذا الاقتراح (على سبيل المثال، صعوبة جمع الأدلة للمحاكمة). وليس هناك خيارٍ سهل لمحاكمة هؤلاء المقاتلين، كما أن القضايا العملية الأخرى هي عملاً قيد الإنجاز، مثل تطوير برامج إعادة الإدماج للأفراد المتطرفين، والعنيفين في بعض الأحيان الذين قضوا عقوبتهم. بالإضافة إلى ذلك، تعارض الجماهير الأوروبية إلى حد كبير إعادة هؤلاء المحتجزين إلى أوطانهم.
ومع ذلك، يشكّل التعامل مع المقاتلين الأجانب واقعياً الجزء الأصغر من المشكلة. فمعظم المقاتلين المحتجزين البالغ عددهم 11000 شخص هم سوريون وعراقيون يستطيعون إعادة بناء تنظيم «الدولة الإسلامية» في كلا البلديْن إذا تُركوا للقيام بما يريدونه أو يمكنهم القيام بذلك دون أن تتحكم بهم أو تساعدهم أي جهة خارجية، تماماً مثلما لجأ تنظيم «القاعدة في العراق» إلى العمل السري في الفترة 2007-2009 قبل أن يعاود الظهور باسم تنظيم «الدولة الإسلامية» في عام 2011.
وبما أن مصير المقاتلين المحتجزين هو قضية دولية تؤثر بدرجات متفاوتة على حوالي أربعة وخمسين دولة، إلّا أن هناك خيار آخر يتمثل في محاكمتهم من خلال ولاية قضائية دولية مخصصة لهذا الغرض، على غرار “المحكمة الجنائية الدولية” ليوغوسلافيا السابقة. ومع ذلك، يجادل الخبراء بأن إنشاء مثل هذه المحكمة قد يستغرق الكثير من الوقت ومن المرجح أن تعارضه الدول الرئيسية. على سبيل المثال، يبدو أن روسيا عازمة على دفع النظام السوري للسيطرة على معسكرات الاعتقال، مع احتمال استخدام المقاتلين الأجانب لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» كورقة مساومة مع الغرب.
اختبار القيادة الأمريكية
إلى جانب مناقشة حلول محددة، سيكون الاجتماع بمثابة اختبار للقيادة الأمريكية فيما يتعلق بالجهود الدولية لمكافحة الإرهاب. إن المصداقية تتطلب الاستقرار – ففي أعقاب انسحاب واشنطن المتسرع من سوريا، سيكون من الصعب للغاية على كبار المسؤولين الأمريكيين إقناع الشركاء الغربيين ودول الشرق الأوسط بأن أي مقترحات يقدمونها هذا الأسبوع لن تتغير فجأة في الأسبوع التالي. لذلك قد لا يكون الحلفاء مستعدين لإرسال قوات أو القيام باستثمارات أخرى تعتمد على بقاء السياسة الأمريكية ثابتة. وعلى الأرجح، سيحاولون التكيف مع واقع موقف روسيا المعزز على الأرض في سوريا وتأثيرها المتزايد على مسرح الشرق الأوسط.
ويقيناً، يشير تركيز إدارة ترامب على تشارُك الأعباء إلى أنه ما زال هناك دور حيوي أمام التحالف المناهض لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» عليه القيام به. والأهم من ذلك، يوفر التحالف إطاراً للمناقشات الفنية والسياسية، خاصة مع المسؤولين العرب والأتراك، الذين سيكونون على الأرجح محوريين في مواجهة التهديد الذي يمثله الآلاف من معتقلي تنظيم «داعش». لكن السؤال الأساسي هو ما إذا كانت الإدارة الأمريكية تريد مواصلة العمل من خلال تحالفات متعددة الجنسيات أو الاستثمار بصورة أكثر في العلاقات الثنائية.
وفي هذا النطاق، يقدّم نجاح خطوط الجهود غير العسكرية التي بذلها التحالف درساً حول ضرورة التعاون المتعدد الأطراف لمكافحة الإرهاب، والذي يشمل المستوى الاستراتيجي. وتستمر الظروف الأساسية التي أدت إلى ظهور تنظيم «الدولة الإسلامية» – أي سوء الحكم والفساد والقمع – في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ولا تزال هناك ضرورة إلى التوصل إلى تسوية سياسية في سوريا والعراق. وتتطلب هذه التحديات الصعبة قيام الولايات المتحدة وحلفائها بالانخراط دبلوماسياً على كافة المستويات، مثل الضغط على النظام السوري و”اللجنة الدستورية” التي تترأسها “الأمم المتحدة” بمساعدة تركيا. وفي العراق، يجب أن يستغل التحالف المناخ الحالي من الاحتجاجات المناهِضة للحكومة من أجل تعزيز الحوكمة الأكثر شمولية في الأراضي التي كانت خاضعة لسيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية». واقترح البعض أيضاً توسيع نطاق التحالف لمواجهة التهديد الإرهابي والتمرد الذي تشكله ولايات تنظيم «الدولة الإسلامية»، التي انتشرت في أفغانستان والجزائر والكاميرون وتشاد والشيشان وجمهورية الكونغو الديمقراطية ومصر والهند وليبيا ومالي وموزمبيق والنيجر ونيجيريا وباكستان والفلبين والسعودية والصومال وتركيا واليمن.
[وأخيراً]، فإن استراتيجية مكافحة الإرهاب الوطنية لإدارة ترامب لعام 2018 صبّت مباشرةً في مصلحة هذه الشراكات الواسعة النطاق كما يلي: “يتطلب عالمنا الذي يزداد ترابطاً أن نمنح الأولوية للشراكات التي من شأنها أن تؤدي إلى كل من الإجراءات والجهود المستمرة التي تقلل من الإرهاب. وبالتالي، ستشارك الولايات المتحدة مع الحكومات والمنظمات و … قطاع التكنولوجيا والمؤسسات المالية والمجتمع المدني”. وفي هذا السياق، يغدو التحالف المناهض لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» ضروريّاً اليوم بقدر ما كان ضروريّاً قبل الإخفاقات الأخيرة التي تعرّضت لها الجماعة الإرهابية.