العراقيات يصححن مسار الانتفاضة

العراقيات يصححن مسار الانتفاضة

بخروجه عن الصمت، برهن مقتدى الصدر، أنه يعيش في عالم آخر.. ساحر فقد براعته، ولم تعد الحيل التي يخرجها من جرابه تثير اهتمام المتفرج. مجرد حيل قديمة، تماما مثل اللغة الخشبية التي استخدمها.. حتى الشكل بات قديما لا يتناسب مع متطلبات العرض.

لم يجد الصدر سوى عبارة مستهلكة يستخدمها، رابطا بين ما يحدث اليوم في الشارع العراقي، و”قوى الاستكبار العالمي”.

قديمة، العب غيرها.. الشارع العراقي ينتفض اليوم بسبب هذه اللغة تحديدا، لغة تنضح منها رائحة موالاة لملالي إيران.

على عكس الصدر، عبّر المرجع الشيعي علي السيستاني، عن خشيته من وصول الاحتجاجات إلى مدينة النجف، فهو يعلم أن الشارع العراقي انتفض ضد الأحزاب الموالية لإيران، المتخفية في جلباب الشرعية التي يصبغها عليها رجال الدين.

وبينما اندفع الصدر إلى التشكيك بالانتفاضة الشعبية، والتلميح إلى وجود مؤامرة إمبريالية تقف خلفها، رفض السيستاني الطلب من المتظاهرين الانسحاب من ساحات الاحتجاج.

أما الحكومة العراقية فتبذل كل الجهود لفض الاعتصامات، ووضع حد للانتفاضة، وإفراغ ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد من المحتجين.

قد تنجح الأحزاب الموالية لإيران في فض الاحتجاجات. لكنها لن تنجح في إزالة الأسباب التي أدت إلى انتفاضة الشارع العراقي. فالتنازلات الشكلية التي تسعى لتقديمها، وتغيير وجوه الوزراء بوجوه جديدة، لن تلقى القبول من المحتجين؛ ما يطلبه هؤلاء ليس بمقدور الأحزاب، التي تتلقى أوامرها من طهران، تلبيته، لأن ما يطلبونه هو رأس إيران.

العراقيون انتفضوا ضد السيطرة الإيرانية على بلدهم، تحديدا، وضد وكلاء إيران في العراق، وهم رجال الدين والسياسة. وما يريدونه العراقيون اليوم بعد أن ملّوا اللعبة الطائفية التي يلعبها رجال الدين، هو أن يعودوا عراقيين كما كانوا، هذا أولا.وثانيا: لم يعد بمقدور العراقيين تحمل تبعات فساد الأحزاب السياسية والمسؤولين، التي حولتهم إلى فقر من بعد عز. لن يقبل العراقيون بعد اليوم أن يذلوا في بلاد الرافدين، وأن يعيشوا في بلد لا سلطة لقانون فيه، وهو البلد الذي سن أول قانون عرفته البشرية.

وثالثا: شكل خروج المرأة العراقية، لتشارك الرجل الاحتجاجات، إضافة أكسبت الانتفاضة بعدا آخر. حيث مطالب النساء لا تقتصر على رفض الطبقة السياسية، وسطوة الأحزاب التقليدية، ونظام المحاصصة، والفساد.. المرأة خرجت بالتحديد لكسر قيود اجتماعية كانت حتى الأمس القريب غريبة عليها، قيود استوردها رجال الدين ورجال السياسة من طهران.

انتفاضة المرأة هي ضد “القبلية الدينية” التي تسوق أفكارا لتحجم دور المرأة في المجتمع.

العراق الذي يمثّله مقتدى الصدر، ليس هو العراق الذي تطمح إليه العراقيات اليوم. ما تطمح إليه العراقيات، هو عراق حامورابي، الذي خص المرأة بثلاثين مادة قانونية في شريعته، فكانت المرأة تتمتع بحريتها، تشارك في إدارة الدولة، وشراء العبيد، وتقسيم الأرزاق، والطبابة، والغناء، والكهانة. عراق حكمت فيه البلاد ملكات مثل الملكة شبعاد، وسميراميس، وكوبابا.

هل يعتقد الصدر، وأمثاله، أن ثلاثة عقود تكفي لمحو حضارة امتدت على مدى أربعة آلاف عام؟ رغم بشاعتها، لن تنسينا السنوات العشرون، أو الثلاثون، عراق نازك الملائكة، ومريم نرمة، وبولينا حسون، وليلى العطار، وزها حديد، وآسيا كمال..

قد يستطيع السيستاني والصدر، ومعهما الأحزاب الموالية لملالي طهران، قمع الاحتجاجات لفترة، لكنها فترة لن تطول حتما.

ما يحدث في العراق اليوم هو امتداد لما يحدث في سوريا، وفي لبنان، وفي ليبيا، وفي اليمن. ولما حدث في السودان، وفي مصر، وفي تونس.. إنها انتفاضة على الوصاية الداخلية والخارجية.

كان الأجدر بالصدر والسيستاني أن يلتزما الصمت، وبما أنهما اختارا الحديث، الأفضل لهما الآن أن يستعدا للرحيل.

العرب