الأوجاع الإيرانية في الداخل: الأحواز نموذجا (2)

الأوجاع الإيرانية في الداخل: الأحواز نموذجا (2)

a1441615506
استطاعت إيران جلب الدب الروسي إلى المستنقع السوري الذي كادت تغرق فيه بعض أذرعها العسكرية، مثل “الحرس الثوري”، وبعض الميليشيات التابعة لها. وجاء الروس محاولين الخروج من مأزقهم السياسي والاقتصادي، حيث العزلة والعقوبات، فرأوا في سوريا مخرجا وملاذا.
 ويُذَكرنا التاريخ  بأن إيران سبق أن استغلت العدوان الأمريكي على كل من أفغانستان والعراق لكي تتوسع في شرق آسيا والعالم العربي.
ولا يقتصر هذا المنهج على عصر الدولة الإسلامية، بل يعود إلى المرحلة الشاهنشاهية في عشرينيات القرن الماضي. فقبل عام 1925، كانت إيران تعيش على أرض فقيرة إلى حد ما تتعارض وطموحاتها بعودة الإمبراطورية القديمة، وحانت الفرصة لها عبر اتفاق عقدته مع بريطانيا، التي كانت تخشى من تزايد النفوذ الروسي في المنطقة، فمنحتها أرض الأحواز، أو عربستان، أو خوزستان، وكلها أسماء لأرض عربية واحدة،  مقابل عدم التحالف مع موسكو، ووقف النفوذ الروسي المتنامي على أرضها.
فأين يقع إقليم الأحواز؟ وما هي مساحته الحقيقية؟ ولماذا كان الطمع الإيراني فيه؟ وكيف آل إليها؟ وكيف تُعَامِل إيران أهل الإقليم؟ وما هو الموقف العربي والدولي من هذه القضية؟ وما هي الرؤى المستقبلية لهذا الإقليم؟ كلها أسئلة سنحاول الإجابة عليها من خلال التحليل المقتضب.
أولا – الموقع الجغرافي وأهميته:

يقع إقليم الأحواز(1)في الجنوب الشرقي من العراق، والجنوب الغربي من إيران، ويحده من الغرب بلاد العراق، وشط العرب، والخليج العربي، ومن الجنوب إقليم بلوشستان، ومن الشمال جبال إقليم كردستان، ومن الشرق والجنوب الشرقي جبال زاجروس، وهي فاصل طبيعي بين الأحواز وإيران.

1- المساحة وعدد السكان:
كانت مساحة الأحواز، قبل اقتطاع إيران أجزاء منها وضمها لبعض المدن الإيرانية، 375 ألف كيلومتر مربع تقريبا، وعدد سكانها أكثر من 8 ملايين نسمة، 99% منهم عربا، وتتواتر روايات تفيد بأن نسبة العرب انخفضت إلى 95% بعد توطين أعداد من الفرس والقوميات الأخرى.
2- الأصول والجذور:
ترجع جذور شعب الأحواز إلى أصول وقبائل العرب مثل: بني كعب، وبني تميم، وبني طرف، وقبائل آل سيد نعمة، والباوية، والزرقان، وبني مالك، وغيرها من القبائل العربية.
3- المذهب العقدي واللغة:
معظم العرب الأحواز يعتنقون المذهب الشيعي(2)، ويتحدثون اللهجة الأحوازية القريبة من لهجة جنوب العراق العربية، وهي بين اللهجتين القُرَشيّة والتّميميّة(3). غير أن أحوازي الجزر، وكذلك الرُحَّل منهم، ومرتادي موانئ الخليج العربي يعتنقون المذهب السني، ويتحدثون باللهجة الخليجية. وتفرض السلطات الإيرانية اللغة الفارسية كلغة رسمية للتعلم في الإقليم، وللتواصل في الدوائر الحكومية، وغير ذلك(4).
4- أهمية الإقليم:
أ- الموقع الاستراتيجي، فالإقليم صلة الوصل بين إيران والعالم الخارجي عامة، ودول الخليج العربي خاصة، فتتصل إيران بالعالم من خلال موانئها ومنافذها البحرية. ومن المفارقات أن الإقليم الأحوازي لا يوجد بينه وبين البلاد العربية أي فواصل جغرافية، في حين توجد جبال زاجروس بطول حدوده مع إيران.
ب- وجود البترول والغاز الطبيعي وبعض المعادن الأخرى جعل للإقليم أهمية بالغة(5).
ج- الموارد المائية: تعتمد إيران في ري فارس وأصفهان وضواحيهما على مياه الإقليم العربي، حيث يوجد به أهم موارد الماء بإيران، وهو نهر كارون، أطول أنهار الشرق الأوسط، بالإضافة لأربعة أنهار أخرى تمر من داخل الإقليم.
ثانيا – الثورة الخمينية وشعب الأحواز:
بعد نجاح ثورة عام 1979م في إيران، ووصول النظام الجديد لسُدة الحكم، ظن الأحوازيون أن هناك انفراجة في علاقتهم مع السلطات الإيرانية، غير أن الظلم والاضطهاد زادا عما سبق – حسب مصادر تنتمي للأحواز- واستمرت سياسية التمييز العنصري، والتطهير العرقي، وزاد كذلك إهمال الإقليم خدميا وتعليميا عن ذي قبل.
ولم يتغير شيء في سياسة الرؤساء والحكومات الإيرانية المتعاقبة، وكذلك الرؤساء، سواء من وُصِفَ منهم بالتشدد كأحمدي نجاد، أو بالاعتدال كمحمد خاتمي، فالجميع موقفهم ثابت من الإقليم، وهو العنف والقسوة في التعامل مع مطالبه، وفق ما تذكره المنظمات  الأحوازية المختلفة.
1- انتهاكات السلطات الإيرانية ضد الشعب الأحوازي العربي:
– ضم أجزاء من الإقليم إلى المحافظات الفارسية، كفارس وأصفهان وغيرهما، بدعوى التنظيم الإداري للدولة.
– حرمان الشعب الأحوازي من مياه الشرب النقية والزراعة من خلال تحويل مسارات الأنهار وروافدها،  كما سبق.
– معاناة الإقليم من فقد الخدمات الأساسية والتحيز ضد أبنائه، في الوظائف المهمة والرواتب، بل وفرص التعليم، والرعاية الصحية.
– سعي السلطات الإيرانية المستمر للقضاء على اللغة العربية، وإحلال  اللغة الفارسية محلها، وتغيير أسماء عدة مدن من اللغة العربية إلى اللغة الفارسية، مثل مدينة الفلاحية(6) إلى شادكَان، ومدينة عسكر مكرم التاريخية(7) إلى بند قير، والصالحية إلى انديمشك، بل تغيير اسم الإقليم نفسه من عربستان (بلاد العرب) إلى خوزستان (أرض الحصون)، رغم أن من سماه باسم عربستان هو شاه إيران السابق رضا بهلوي.
– التباطؤ في ترميم وإعادة بناء وإعمار ما دمرته الحروب السابقة في الإقليم كالحرب العراقية- الإيرانية، وما خلفته من ألغام(8).
– هدم بعض البيوت الأحوازية، والتي تمثل التراث الأحوازي العربي القديم، بدلا من إعادة ترميمها كآثار مهمة تحكي أصول التاريخ العربي للإقليم.
2- موقف إيران من الأحواز السنة:
– التضييق على المذهب السني هو السمة الرئيسية في تعامل السلطات الإيرانية معه في إيران بوجه عام، وفي الأحواز بوجه خاص، فقد فرضت السلطات الإيرانية على إدارات المدارس الثانوية والمتوسطة في الإقليم التبليغ عن أي طالب عربي أحوازي يظهر عليه التحول، أو الانتماء إلى المذهب السني.
– اقتحام بعض المساجد، واعتقال روادها بدون أسباب واضحة، وفق ما تواتر في تقارير منظمات أحوازية(9).
ولم يكن موقف مثقفي إيران أفضل حالا من سلطاتها. ففي 5-10-2011م  قال المفكر الإيراني الدكتور، الأستاذ بجامعة طهران، صادق زيبا: “.. إن نظرة الفرس دونية لغيرهم، خاصة العرب، وقال أيضا: “أعتقد أن الكثير منا سواء أكان متديناً أم علمانياً يكره العرب.. كما أن الكثير من العرب يكرهوننا أيضاً”، مدعيا أن ذلك لأسباب تاريخية(10).
ورغم أن طهران دائما ما تنفي هذا التوجه، وتصر على أن ما تقوم به لا يتجاوز عدم السماح لأي أقلية من تجاوز نظرة الدولة الاستراتيجية، كي لا تدخل في دوامة من الصراع مع العرقيات الأخرى، كالأكراد، والبلوش، والأتراك، والأذريين، وغيرهم، فإن انتشار البطالة، وانعدام أو نقص الخدمات في مناطق الأقليات، خاصة السنة منهم والعرب، يخبرنا بغير ذلك.
ثالثا – المقاومة الأحوازية بين السياسة والسلاح:
تنوعت المقاومة الأحوازية بين حمل السلاح والعمل السياسي، والذي بدأ متأخرا عن العمل المسلح. فبعد مرور ثلاثة أشهر تقريبا على ضم السلطات الإيرانية للإقليم قسرا، قام جنود الشيخ خزعل وحرسه الخاص، الذين كانوا يسمون الغلمان، بثورة وسمت باسمهم في 22 يوليو 1925 بقيادة كل من شلش وسلطان، وأرغمت هذه الثورة الجيش الإيراني على الفرار إلى الكويت، وسيطر الثوار على مدينة المحمرة عاصمة الإقليم لعدة أيام، ثم قامت السلطات الإيرانية بقصف المدينة من كل جوانبها حتى استطاعت إخماد هذه الثورة وقتل قادتها.
وتوالت الانتفاضات والثورات مثل ثورة الحويزة 1928، وانتفاضة حيدر بن طلال (1930م)، وثورة بني طرف 1936، وثورة عشيرة كعب الدبيس عام 1940م، وانتفاضة جاسب بن الشيخ خزعل (1943م)، ومعركة الشيخ عبد الله بن الشيخ خزعل 1944، وثورة بني طرف 1945م، وثورة الشيخ مذخور الكعبي عام 1946م، وثورة عشيرة النصار 1946، وغيرها الكثير، وانتفاضة الشيخ يونس العاصي (1949م).
لكن أشهر هذه الانتفاضات هى انتفاضة 15 إبريل 2005م، حيث اشتركت فيها كافة القوى العربية في الأحواز.
ورغم قوة بعض هذه الانتفاضات السابقة، وتعدد عملياتها، فإنها لم تحقق تغييرًا ملموسا، نتيجة قلة العدة والعدد، مقارنة بالقوات الإيرانية.
أما العمل السياسي، فقد بدأ بإنشاء أول حزب سياسي منظم يعبر عن الأحواز عام 1946 عرف باسم حزب السعادة، وكان هدف الحزب الأساسي هو نشر الوعي بين الشباب العربي، وتعريفهم بحقوقهم، وواجباتهم. غير أن السلطات الإيرانية استطاعت احتواء هذا الحزب، وأصبح أمينه العام حسين فاطمي وزيرا للخارجية في عهد رئيس الوزراء الدكتور محمد مصدق، في مطلع خمسينيات القرن العشرين. وبعد انحسار هذا الحزب، تشكلت منظمات ثورية وسياسية أخرى، حاولت إكمال ما بدأه حزب السعادة، منها على سبيل المثال:
رابعا – المواقف العربية والإقليمية:
تتسم هذه المواقف في الأغلب الأعم بالسلبية والتجاهل، باستثناء موقف الرئيس المصري الأسبق الراحل جمال عبد الناصر، عندما طلب من جامعة الدول العربية في ديسمبر 1964 تشكيل لجنة تقوم بإدارة وبحث أوضاع الخليج العربي، ومن ضمنه إقليم الأحواز، وقامت هذه اللجنة بتغيير اسم الإقليم من (خوزستان) إلى عربستان “الأحواز”، وركزت اللجنة على ضم عربستان إلى العالم العربي.
غير أن الأمر انتهى عند هذا الحد، وطوى الإهمال قضية الأحواز مرة أخرى. والملاحظ هنا أن العرب لم يحسنوا استخدام ورقة الأحواز في الضغط على إيران التي تلعب بكل ما لديها من أوراق ضدهم. ولكي يحسن العرب استخدام هذه الورقة، فهناك عدة خطوات يمكن اتخاذها، وهي تبدأ بمد سُبل التواصل مع الإقليم العربي، سواء اجتماعيا، أو ثقافيا، أو سياسيا من أجل تحفيزه على الصمود والتمسك بهويته،  والتعريف بهذه القضية في المناهج الدراسية بالبلاد العربية المختلفة، مع عمل بعثات دراسية لطلبة الأحواز إلى البلاد العربية التي ترغب في ذلك، أسوة بطلبة فلسطين المحتلة.
وهذا ما يمكن تقديمه الآن، في ظل الظروف الدولية والمشهد الإقليمي المتأزم، ولكن ربما تتوافر في  المستقبل  سُبل أخرى للدعم أكثر فاعلية.
الهوامش:
(1) الأحواز جمع كلمة “حوز”، وهي مصدر حاز من من الحيازة والتملك، وأطلق عليها الفرس خوزستان بأمر من رضا شاه عام 1925، وتعني أرض الحصون والقلاع.
(2) هناك تقارير من منظمات أحوازية متخصصة، تذكر أن عدد السنة الآن يزيد على الـ 50% من شعب الأحواز، أي أن هناك تغييرا ديموغرافيا للشعب الأحوازي، ناتجا عن الاضطهاد والتعسف الذي يلقونه من بني مذهبهم الفرس “الشيعة”.
(3)  انظر تأرجُح اللهجة الأهوازيّة بين القُرَشيّة والتّميميّة – بقلم :ياسر زابية على الرابط: http://alfalahia.blogfa.com/post/2410
(4) ويلاحظ أن العديد من عرب “الأحواز” اضطروا للإقامة خارج الإقليم، إما في دول الخليج أو في الدول الأوروبية، تحت وطأة الاطهاد الإيراني لهم.
(5)  يوجد بالإقليم 70% من حقول النفط على أقل تقدير، وكذلك وحوالي 90% تقريبا، من حجم الغاز الطبيعي ومشتقاته المتواجد بالدولة الإيرانية، وتعتبر إيران من أغنى دول العالَم في إنتاج البترول والغاز الطبيعي المستخرجين من الأرض العربية، أما الطاقة الكهربائية في إيران، فيتم إنتاج (74%) منها، من المصادر الطبيعية الأحوازية.
(6) شيدها الأمير علي الناصر الكعبي وسكنها بنو كعب. وبعد الاحتلال الإيراني للأحواز في عام 1925، غير النظام الإيراني اسم مدينة الفلاحية إلى شادگان في إطار سياسة التفريس الممنهجة في كل القطر لتضيع المعالم العربية وإسقاط هوية للشعب الأحوازي العربي.
(7) بناها القائد العربي عسكر بن مكرم بن معاوية بن الحارث بن تميم، وقد غير الإيرانيون اسمها إلى  بند قير.
(8)  على الرغم من المساعدات المالية الدولية التي تتلقاها إيران من أجل هذا الغرض.
(9) ومنذ أيام، اعتقلت السلطات الإيرانية شيخا من عرب الأحواز، هو شيخ قاسم باوى من أهالي قرية عرب راشد الأحوازية، بتهمة إقامة صلاة جماعة على طريق أهل السنة، بحسب ذكر الناشط السياسي عبد الكريم خلف على حسابه بموقع تويتر، انظر الرابط التالي:
http://islammemo.cc/akhbar/syria-althawra/2015/09/16/263529.html
(10)  انظر موقع قناة العربية، على الرابط:
http://www.alarabiya.net/articles/2011/10/05/170349.html
جمال الدين أبوحسين
مجلة السياسة الدولية