تقرير اللجنة الرباعية الخاصة بالشرق الأوسط: محاولة دولية للحفاظ على حل الدولتين حيا

تقرير اللجنة الرباعية الخاصة بالشرق الأوسط: محاولة دولية للحفاظ على حل الدولتين حيا

شبان فلسطينيون خلال مواجهات مع قوات الاحتلال الإسرائيلي قرب مخيم قلنديا الجمعة الماضية - (ا ف ب)

يوم الأول من تموز (يوليو) 2016 نشرت اللجنة الرباعية أحدث تقرير لها يركز على التهديدات الرئيسية التي تعترض سبيل التوصل إلى اتفاقية سلام إسرائيلية فلسطينية متفاوض عليها ويقدم توصيات للتقدم نحو تحقيق حل الدولتين. وبينما ينص التقرير بشكل محدد على أن التوصل إلى اتفاقية وضع دائم يمكن أن ينجز من خلال المفاوضات الثنائية المباشرة فقط، فإنه يهدف إلى إبراز المناطق حيث يمكن تحقيق التقدم للمضي قدماً بحل الدولتين على ضوء الغياب المتواصل للعملية السياسية.
ومقرة من جانب قرار مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة رقم 1435 في العام 2002 كانت اللجنة الرباعية قد شكلت لزرع زخم جديد في المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية عبر اتمام الوساطة الأميركية بدعم ثلاثة لاعبين حساسين: الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وروسيا. وحتى تاريخه، قدم هذا الجسم مساهمتين للعملية الإسرائيلية- الفلسطينية يشار لهما بالبنان: خريطة الطريق (التي صادق عليها مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة في قراره رقم 1515 في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 2003)، والمطالبات الثلاث التي قدمت كشرط مسبق للحوار مع حماس في أعقاب فوز الحركة في الانتخابات التشريعية الفلسطينية في العام 2006 (الالتزام بعدم ممارسة العنف والاعتراف بإسرائيل والقبول بالاتفاقيات السابقة الموقعة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية والالتزامات التي ترتبت عليها).
إلى ذلك، يعكس التقرير الجديد للجنة الرباعية تقييماً مؤداه أن الحالة الراهنة لا يمكن الدفاع عنها حيث تجري تغذية التطرف والراديكالية، ما سيفضي في نهاية المطاف إلى دورة من العنف المتزايد وزعزعة الاستقرار. وتبعاً لذلك، يركز التقرير على خطوات جوهرية مباشرة يجب تبنيها من أجل “قلب الاتجاهات الحالية والتقدم بحل الدولتين على الأرض”. ولهذه الغاية يعرف التقرير ثلاثة موضوعات مركزية يشير إلى أنها تقوض على نحو حاد فرص التوصل إلى السلام.
الموضوع الأول العنف المتواصل والهجمات الإرهابية ضد المدنيين والتحريض غير المنفك على العنف. وفي هذا الصدد يقدم التقرير مراجعة متوازنة عبر الإشارة إلى 250 هجوماً إرهابياً ومحاولات هجوم من جانب فلسطينيين ضد إسرائيليين في الأشهر الأخيرة. ويلاحظ التقرير أن الفلسطينيين الذين يرتكبون هجمات إرهابية غالباً ما يمجدون علانية؛ وأن وسائل التواصل الاجتماعي تستخدم كواسطة لنشر التحريض على العنف، وأن أعضاء من حركة فتح دعموا الهجمات ومرتكبيها علانية. كما يشير التقرير إلى أنه بينما أعربت قيادة السلطة الفلسطينية عن معارضتها للعنف، فإن ثمة قادة فلسطينيين لم يدينوا بوضوح وثبات هجمات إرهابية محددة، كما أن ثمة شوارع ومدارس وساحات تسمى باسم فلسطينيين كانوا قد ارتكبوا أعمالاً إرهابية تخليدا لهم.
وفي نفس الوقت ينتقد التقرير المتطرفين الإسرائيليين ومرتكبي عنف “شعار الثمن”: التحرض الإسرائيلي على بعض مواقع التواصل الاجتماعي، وتصريحات أدلى بها مسؤولون إسرائيليون دعماً لاستخدام القوة المميتة ضد القتلة الفلسطينيين.
الموضوع الثاني هو تمدد المستوطنات وتخصيص الأراضي وإنكار البناء الفلسطيني، وهو ما يربطه التقرير سوية بأنه يعكس سياسة موحدة من جانب إسرائيل. وفي هذا الصدد ينص التقرير على أن السياسة الإسرائيلية المستمرة تثير أسئلة حول نوايا إسرائيل على المدى الطويل خاصة في ضوء تصريحات أدلى بها بعض الوزراء الإسرائيليين من أنه لن تكون هناك دولة فلسطينية. وعلى نحو محدد، ينتقد التقرير تخصيص إسرائيل لأكثر من 70 في المائة من الأراضي في المنطقة ج للاستخدام الإسرائيلي الحصري بحيث تكون نسبة كل الأراضي الفلسطينية المتبقية والبالغة 30 في المائة من المنطقة ج محظورة فعلياً على التنمية الفلسطينية.
وفي معرض تشديده على هذه النقطة يحدد التقرير أنه من أصل أكثر من2000 طلب بين العامين 2009 و2013 من أجل التنمية الفلسطينية في المنطقة ج أقر 34 تصريح بناء فقط ما ترك أمام الفلسطينيين “خيارات قليلة باستثناء الإقدام على البناء من دون الحصول على تصاريح بناء” كأمر واقع. ويقول التقرير أيضاً أن المستوطنات تنشأ وتتمدد بثبات. وما ينطوي على مغزى يشير التقرير لأول مرة إلى عدد الإسرائيليين الذين يقيمون “عميقاً في الضفة الغربية” ما قد يوحي بأن هذه المستوطنات تبرر المزيد من الانتباه.
أما الموضوع الشائك الثالث فهو الحالة في غزة مع التأكيد على بناء الأسلحة بشكل غير مشروع سوية مع النشاط التشددي والأوضاع الإنسانية المزرية واستمرار غياب الوحدة الفلسطينية.
ويخلص التقرير إلى وضع عشر توصيات سياسة لا يشير أي منها إلى حدود اتفاقية محتملة أو يتفق مع إطارات العمل السياسية السابقة التي كانت قد اقترحت لحل النزاع. وحكيمة من حيث المحتوى من الممكن تفنيد التوصيات في ثلاث مجموعات. مجموعة (تتكون من أربع توصيات) تتعلق بكلا الجانبين وتدعو إلى عدم تصعيد التوتر ومنع العنف واحترام وقف إطلاق النار في غزة وتكريس مناخ التسامح ومواجهة التطرف. وثمة مجموعة ثانية (تتكون من ثلاث توصيات) تتعلق بالنشاط الفلسطيني وتدعو إلى وقف التحريض على العنف وتحسين الحوكمة الفلسطينية وتقوية المؤسسات وإعادة توحيد غزة والضفة الغربية تحت قيادة فلسطينية مفردة استناداً إلى منصة خطاب منظمة التحرير الفلسطينية ومبادئ اللجنة الرباعية. وهناك مجموعة ثالثة (تتكون أيضاً من ثلاث توصيات) تركز على إسرائيل وتدعو إلى وقف النشاط الاستيطاني وتنفيذ تحولات سياسة كبيرة بما في ذلك التحولات في القوات والمسئوليات في المنطقة ج: والمسارعة ف تخفيف القيود المفروضة على غزة مع الأخذ بعين الاعتبار حاجة إسرائيل” لحماية مواطنيها من الهجمات الإرهابية”.
وعلى الرغم من انتقاد إسرائيل ومن منظور إسرائيل يشتمل التقرير على ثلاثة عناصر إيجابية رئيسية. الأول أنه يؤطر الحالة على أنها نزاع سياسي يحمل كلا طرفي النزاع قسطاً كبيرا من اللوم عليه. وفي هذا الصدد يعتبر التقرير تغيراً مجدداً، مفارقة مع التقارير والوثائق والإجراءات الدولية التي تؤطر النزاع على أنه قضية حقوق إنسان إسرائيل فيها هي قوة الاحتلال التي تنتهك الحقوق الإنسانية الأساسية للضحايا الفلسطينيين.
ثانياً يثير التقرير بوضوح موضوع التحريض الفلسطيني كممارسة تجب مخاطبتها بجدية وعلى وجه التحديد تجب مخاطبة كل الهجمات التي نفذها الفلسطينيون في الشهور الأخيرة، مع الإشارة لها على أنها “هجمات إرهابية”، ويحمل المسئولية للسلطة الفلسطينية لعدم إدانتها ولحد معين لدعمها هذه الأعمال العنيفة.
ثالثاً يقول التقرير على وجه التحديد إنه يمكن التوصل إلى اتفاقية وضع دائم لإنهاء النزاع من خلال إجراء مفاوضات ثنائية فقط، وليس عبر إجراءات أحادية الجانب. وهكذا فإن التقرير لا يقترح ولا يوحي بأن تدعم المجموعة الدولية الاستراتيجية الفلسطينية الراهنة بتدويل النزاع أو أن هذه المقاربة من المرجح أن تؤتي أكلها.
إلى ذلك، أعرب كلا الجانبين عن خيبة أملهما من محتوى التقرير. واستند الانتقاد الإسرائيلي الرسمي للادعاء بأن النشاط الاستيطاني لا يشكل عائقاً أمام السلام. كما رفض الفلسطينيون التقرير. وفي هذا الصدد دعت القيادة الفلسطينية مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة لرفض التقرير، وألمحت إلى أنها لم تعد تتعامل مع اللجنة الرباعية كجسم، لكنه ستتعامل مع كل دولة عضو في اللجنة على نحو منفصل.
من غير الواضح موثوقية صلة التقرير وأثره المستقبلي. ثمة احتمال بأن يركن التقرير على الرف إلى جانب العديد من المبادرات والأوراق والخطط والقرارات المتعلقة بالنزاع الذي مضت عليه عقود. وثمة احتمال آخر بأن تخدم الوثيقة كنقطة رجوع للمجموعة الدولية في مباحثات ومفاوضات مستقبلية تتعلق بالنزاع الإسرائيلي الفلسطيني. وفي كلا الحالين يعكس قنوطاً واضحاً في أوساط المجموعة الدولية فيما يتعلق بجدوى التوصل إلى حل دائم للنزاع في ظل الظروف الراهنة، ومن هنا تمس الحاجة إلى الانتقال إلى تركيز براغماتي حساس للزمن. وبالنسبة للجنة الرباعية يترجم التقرير الحاجة الملحة لكلا الجنبين لاتخاذ خطوات جوهرية في المدى المنظور من أجل المحافظة على صلة وثيقة بحل الدولتين.

نينا شارفيت باروخ وعوديد إيان وميشال هاتويل-رادوشيتزكي
ترجمة عبد الرحمن الحسيني
نشر هذا المقال تحت عنوان The Quartet Report: An International Attempt to Keep the Two-State Solution Alive.

نقلا عن جريدة الغد الاردني