الهجوم الأمريكي انكفاء إيراني أم تصعيد قادم

الهجوم الأمريكي انكفاء إيراني أم تصعيد قادم

اياد العناز 

فجر يوم الثاني والعشرين من حزيران 2025 دخلت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب المباشرة مع إيران، بإعلان الرئيس دونالد ترامب أن القوات الجوية الأميركية نفذت هجومًا ناجحًا على المواقع النووية الإيرانية الثلاثة فوردو ونطنز أصفهان باستخدام القاذفة الأميركية (بي-2 سبيريت) (B-2 Spirit) التي تمتلك مواصفات تقنية تجعلها الوحيدة تقريبًا القادرة على تنفيذ مثل هذه المهمة المعقدة.
تمتاز (بي-2ل بقدرتها على حمل أسلحة ضخمة مثل القنابل الخارقة للتحصينات (جي بي يو-57) والأسلحة النووية، وذلك ما يجعلها عنصرًا أساسيا في عمليات الردع الإستراتيجي، ومن صفاتها أنها تتطلب مهام طويلة المدى بعيدًا عن قواعد الانطلاق وبتخف تام عن رادارات العدو، ولاتوجد سوى هذه القنبلة التي تتمكن من اختراق واستهداف منشآت نووية بعمق أرضي كبير مثل فوردو ونطنز النوويين.
وتُعرف هذه القنبلة أيضا باسم القنبلة الخارقة للدروع الضخمة (إم أو بي)، وهي قنبلة تقليدية موجهة بدقة لتدمير الأهداف المدفونة والمحصنة على عمق كبير، مثل المنشآت والمخابئ تحت الأرض، وهي تزن نحو 13-14 طنا، ويبلغ طولها 6 أمتار.
ويمكن الدلالة على أهمية منشأة فوردو
وموقعها الذي يبعد مسافة 95 كيلومترا جنوب غرب العاصمة طهران، وقد شُيدت داخل مجمع أنفاق تحت جبل يبعد حوالي 32 كيلومترا شمال شرق مدينة قُم، ويقدر أن عمق المنشأة عن سطح الأرض يصل إلى 80 أو 90 مترًا لحمايتها القنابل الخارقة للتحصينات،
والمنشأة محاطة بطبقات من الصخور الجبلية الطبيعية والخرسانة المسلحة العالية الكثافة، مع جدران فولاذية أو دروع معدنية داخلية، وتصميم داخلي يمنع عنها تأثير الانفجارات.
تتألف المنشأة بحسب بيانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، من قاعتين مخصصتين لتخصيب اليورانيوم، وقد صممت لاستيعاب 16 سلسلة من أجهزة الطرد المركزي الغازي من طراز (آي آر-1) (IR-1)، موزعة بالتساوي بين وحدتين، بإجمالي يبلغ نحو 3 آلاف جهاز طرد مركزي.
ان العملية العسكرية الأميركية قد أخرجت إيران من أهم سلاح للردع كانت تستخدمه عند أي محاولة لتعرض أمنها القومي وأراضيها للتهديد أو الاعتداء الخارجي، وعند أي مفاوضات وحوارات تتعلق بمشروعها السياسي الإقليمي وبرنامج الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة ودعمها للفصائل والمليشيات المسلحة المرتبطة بقيادة فيلق القدس والحرس الثوري الإيراني، إضافة إلى أي محاولة لإيقاف عمليات تخصيب اليورانيوم وخزن الطرود المركزية الفاعلة وحيازة المواد الانشطارية الداخلة في صناعة القنبلة النووية.
بعد مرور عشرة أيام عن بدأ الضربات الجوية والصاروخية بين إسرائيل وإيران تقدم الولايات المتحدة الأمريكية على عملية واسعة النطاق تساهم في معالجة حالة الاستنزاف القائم بين تل أبيب وطهران عبر استهداف تام ودقيق لاهم المشاريع العسكرية والأهداف الرئيسية في الميدان الإيراني، ولكي تعمل على إيقاف خطوات المشروع الإيراني في الشرق الأوسط والوطن العربي، وتنتقل به من عملية النفوذ والتمدد إلى الانكفاء الداخلي ومعالجة أزماته الاقتصادية والاجتماعية وإيجاد المنافذ الحيوية لكيفية الخروج من هذه المعركة وإمكانية الوصول لحلول سياسية.
ان الاهداف والطموحات السياسية التي اقرتها القيادة العسكرية والأمنية الإيرانية وسعت لتحقيقها عبر أربعة عقود من الزمن منذ وصول الخميني إلى إيران في شباط 1979 ولحد الان، لم تستطع أن تستكمل جميع غايتها بل اصاب مشروعها السياسي التدهور والانهيار بسقوط نظام الأسد في سوريا وفقدانها للمربع الذهبي الذي كان يشكله تواجدها في الميدان السوري واطلالتها على سواحل البحر الأبيض المتوسط ثم ضياع وفقدان درة التاج الإيراني بغياب ومقتل قيادات حزب الله اللبناني، ورغم جميع الإمكانيات المادية والدعم التسليحي لفصائلها في عواصم الأقطار العربية ( سوريا واليمن ولبنان والعراق) وما عانته الشعوب الإيرانية من تحمل لهذه التكاليف الباهضة التي انعكست على حياتهم المعيشية ومستقبل أجيالهم، إلا أن القيادة الإيرانية اخفقت في تحقيق أهدافها وغايتها مع وجود المكتسبات التي نالتها في اوقات معينة وسنين ماضية.
أن الطموح النووي الإيراني أصبح أكثر حضورًا الان وأن على إيران أن تدرك أنها سوف لا تتمكن من مواصلة طموحها النووي وستكون أمامها عواقب كبيرة من حيث المتابعة والملاحقة العسكرية من قبل الإدارة الأمريكية، وعليها أن تبادر إلى تغيير أفكارها ورؤيتها الميدانية وتبعد عن مفهوم ( تصدير الثورة) ومراجعة حساباتها السياسية والعسكرية اذا ما أرادت لنظامها البقاء وأن المستقبل لا يحتمل أي مغامرات ميدانية إضافية.
وبهذا التطور الميداني انتقل القرار العسكري في سوح المواجهة من إسرائيل إلى القيادة المركزية الأميركية، وأن مستقبل النزاع ستمثله إرادة وتوجه ادارة الرئيس ترامب، بعد أن ساهمت في توجيه الضربات الجوية للمنشآت النووية الإيرانية، وسبقتها القوات الإسرائيلية في الحادي والعشرون من حزيران 2025 بقصف ميناء بندر عباس جنوب إيران ونجاحها في تدمير القواعد البحرية الإيرانية في مياه الخليج العربي وتامين الحماية للبوارج والمدمرات الأمريكية.
ومن الممكن أن نرى تطور في مجال الاستهداف الإيراني وزيادة مساحة الأهداف داخل العمق الإسرائيلي مع إمكانية استهداف المصالح الأمريكية اذا ما سعت إيران لعدم الاستجابة للشروط والاملاءات الأمريكية.

وحدة الدراسات الإيرانية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة