بعدما اتخذت منظمة “أوبك+” (تجمّع يضم الدول المصدرة للنفط ومنتجين من خارجها مثل روسيا) قراراً لم يكن سهلاً بإضافة تخفيضات جديدة على إنتاجها النفطي بمقدار 500 ألف برميل في اليوم، وحتى 20/3/2020، استجابت الأسعار، وارتفع مؤشر غرب تكساس يوم السبت الماضي بمقدار 0.74 دولار للبرميل الواحد، بينما ارتفع مزيج خام برنت إلى أكثر من 64.4 دولاراً، أو بزيادة دولار واحد.
ويتنبأ المراقبون ألا يستمر هذا الارتفاع، علماً أن المنتجين في المنظمة كانوا يأملون أن يصبح السوق أكثر اندفاعاً نحو الشراء (Bullish).
والواقع أن التخفيض في الإنتاج النفطي والذي سبق التخفيض الأخير الذي تم اتخاذه في اجتماع فيينا يومي الخميس والجمعة 6و7 ديسمبر كان متوقعاً، واحتاط له المشترون قبل حصوله، ما رفع من حجم المخزون النفطي لديهم، وجعل إقبالهم على الشراء بعد الرفع الثاني أقل من المتوقع. وقد دفع هذا الأمر بإيران إلى التحذير على لسان وزير الطاقة فيها بيجن زنغنة أن بلاده لن تقبل بأي تخفيض مستقبلي على حصتها، محذراً من أنها لن تخضع للضغط السعودي بهذا الاتجاه مستقبلاً.
ويلاحظ أن الفرق بين سعري تكساس (WTI) وخليط برنت (BRENT) قد وصل إلى عشرة دولارات. ويعود هذا الفرق بين المزيجين إلى ثلاثة أسباب كما حدّدها أندرو هيكت في مقالة منشورة له في “ستاندارد”.
السبب الأول أن كلفة نقل كل برميل من بحر الشمال في أوروبا إلى غرب تكساس تتراوح بين 2.5 – 4.0 دولارات للبرميل الواحد. وهذا يعتمد على سعر النفط، والطقس إذا كان عاصفاً أم هادئاً في مياه المحيط الأطلسي، وعلى كلفة التأمين.
أما السبب الثاني فيعود إلى الفرق بين المزيجين، فمزيج برنت يحتوي، في العادة، على نسبة كبريت تساوي 0.37%، أما مزيج غرب تكساس فتقل فيه نسبة الكبريت، وتبلغ 0.24% فقط. وكلما هبطت نسبة الكبريت تراجعت كلفة تكرير المزيج إلى مشتقاته. ولهذا، يعطي مزيج برنت كمية أكبر من الديزل، بينما يعطى مزيج غرب تكساس كميةً أكبر من البنزين والكيروسين. ويتراوح الفرق في كلفة التكرير بين المزيجين من 3.0 – 4.0 دولارات لكل برميل.
السبب الثالث هو التطورات العالمية، فلو حصلت اضطرابات في أوروبا أو الشرق الأوسط، فإننا نرى أن الارتفاع في سعر “برنت” يفوق الارتفاع في سعر غرب تكساس. أما إذا حصلت أحداث مهدّدة لتدفق النفط في القارة الأميركية، فإن سعر غرب تكساس يرتفع أكثر من سعر نفط برنت.
وحيث إن قرار “أوبك” بالتخفيض أدى إلى رفع سعر “برنت” أكثر من سعر غرب تكساس، فإن الفرق بين السعرين قد وصل إلى عشرة دولارات. وهذا الفرق بالطبع مرشّح للهبوط إذا ما استقرت العوامل المؤثرة والضاغطة على سعر مزيج “برنت” إلى الأعلى.
وقد جاء التخفيض أخيرا في حجم الإنتاج في أوائل شهر ديسمبر/ كانون الأول الحالي مكملاً لتخفيضات سابقة بلغت في مجموعها 1.7 مليون برميل يومياً، أو ما يساوي 1.7% من مجموع الإنتاج العالمي.
وليس واضحا أن هذا القرار بتخفيض كميات الإنتاج أخيرا، والذي أصرت عليه المملكة العربية السعودية، قد جاء ليدفع بالأسعار إلى الأعلى، خصوصا وأن المملكة تنتج الآن مقادير من النفط اليومية أقل من حصتها. ولذلك، تسعى إلى الحفاظ على حصتها عن طريق إلزام أعضاء الدول المصدرة للنفط “أوبك” الآخرين، ومعهم روسيا، لكي يخفضوا إنتاجهم. ويقال، حسب التقارير الدولية المنشورة، إن المملكة هدّدت الدول الأعضاء بأنها ستُغرِق الأسواق، إن لم يُستجب لطلبها.
وعلى الرغم من التقلبات غير المتوقعة والمتقلبة في أسعار النفط الخام، فإن معدّل سعر برميل النفط عام 2019، والمقدّر بستين دولاراً، سيبقى على حاله عام 2020.
أما بالنسبة للفرق بين سعري برنت وغرب تكساس فسوف يصل إلى 5.50 دولارات للبرميل لصالح برنت، بسبب فائض الإنتاج من النفط الأميركي الذي سيؤدي إلى هبوط سعر غرب تكساس، علماً أن هذا الفرق، حسب ما أوردته الكاتبة كيمبرلي أماديو (Kimberly Amadeo) في الـ Balance في 3/12/2019 كان دولارين فقط.
ولذلك، يرى المحللون أن اسعار النفط العالمية بدأت تشهد بروز سوقين منفصلين عن بعضهما بعضا، ولكل واحد منهما منحنيات العرض والطلب الخاصة به. ومن هنا، سوف تختلف ديناميكية الأسواق.
تبرز هذه الازدواجية السعرية في سوق النفط العالمية في التباين في الخيارات والأفضليات حتى بين الحلفاء، فالمملكة العربية السعودية تريد رفع الأسعار حالياً، ومن ثم رفع أسعار أسهم شركة “أرامكو” النفطية، على الرغم من تراجع الإنتاج فيها.
أما الولايات المتحدة فتجد أن مصلحتها تكمن حالياً في إبقاء الأسعار عند ستين دولاراً أو أقل، لكي يحافظ الاقتصاد الأميركي على زخمه حتى موعد الانتخابات الأميركية المقبلة المقرر إجراؤها نهاية العام القادم 2020، حيث بات رصيد الرئيس دونالد ترامب مركّزاً على الإنجاز الاقتصادي، المتمثل في إيجاد فرص عمل متزايدة، وإبقاء أسعار المشتقات النفطية عند مستواه التنافسي الحالي، والحفاظ على زخم بورصات الأسهم ” وول ستريت” والسندات، والحفاظ على الأرقام القياسية للأسعار عند حدود يحبها الناخب الأميركي.
قد يبقى هذا التباين، أو هذه الازدواجية، ظاهرة دائمة، حيث يصبح لسوق النفط من زاوية المنتجين وجهان مختلفان، واحد يمثله خام برنت والآخر يمثله خام غرب تكساس. أما من زاوية المستهلكين فهنالك سوق في العالم الجديد وآخر في المحيط الهادي.
العربي الجديد