برز مجددا الخلاف بين التيار الصدري وزعيمه مقتدى الصدر، والعنصر المنشق عنه زعيم مليشيا “العصائب” قيس الخزعلي، وهو خلاف مستمر منذ مدة، يختفي لكنه سرعان ما يعود مع كل أزمة سياسية أو أمنية تطل برأسها على العراقيين.
الخلافات، التي تبدأ عادة من خلال جيوش إلكترونية، تشهد تراشق تهم واستيراد ملفات قديمة تتعلق بانتهاكات وجرائم منذ عام 2006، وصولا إلى معارك القوات العراقية ضد تنظيم “داعش”، التي حطت أوزارها نهاية عام 2017، وما رافقها من عمليات استهداف طائفية ضد السكان المحليين وانتهاكات مروعة وإعدامات ميدانية، وخطف وجرائم سرقة، تورطت بها فصائل ومليشيات مختلفة ضمن “الحشد الشعبي”، حيث يبدأ كل فريق بإلقائها على الفريق الآخر.
وتستمر هذه المناوشات لعدة أيام، تتخللها تصريحات وبيانات، أو حتى تغريدات لقيادات بكلا الطرفين، تتضمن عبارات لمز واتهامات من قبيل “المليشيات المنفلتة”، أو “المليشيات الوقحة”، أو اتهامات بركوب الموجة والفساد، دون أن تفوتهم عبارات مثل “السدّة” و”العّلاسة” و”الكبلسة”، وهي عبارات شعبية باللهجة العراقية ترتبط في ذاكرة العراقيين بجرائم ارتكبت بين عامي 2006 و2008.
ووفقا لقيادي بارز في تحالف “الفتح”، وهو الجناح السياسي لمليشيات “الحشد”، فإن “الخلافات لم تنته بين الطرفين منذ سنوات طويلة، لكنها تخمد أو يصار إلى اتفاق إلى إنهاء المناوشات الإعلامية بوساطات عادة ما تكون داخلية”، مقرا بأنه “منذ أسابيع عاد الاحتقان مرة أخرى بين الطرفين، بسبب التظاهرات وتأييد الصدر لها، واصطفاف الخزعلي مع مليشيات أخرى مماثلة مرتبطة بإيران في موقف واحد ضد المتظاهرين”.
واعتبر القيادي ذاته أن مصرع قيادي في مليشيا “العصائب”، الشهر الماضي خلال تظاهرات هاجم فيها مواطنون غاضبون مقرا لمليشيا في محافظة ميسان، واتهام أشخاص يتبعون الصدر بقتله، كان كفيلا بعودة الخلافات مرة أخرى، مؤكدا أنها “خلافات مسيطر عليها، ولا داعي للمخاوف من مواجهات مسلحة على غرار ما حدث أعوام 2011 و2013، وأسفر عن سقوط خسائر بين الطرفين”.
الباحث بشؤون الجماعات المسلحة في العراق عقيل اللامي قال، لـ”العربي الجديد”، إن “قيس الخزعلي يفهم جيدا عدم قدرته على الدخول في مواجهة مع الصدريين، لا سياسية ولا ميدانية أو شعبية، لذا هو يستقوي بالفاعل الإيراني على الدوام في نفوذه، خاصة داخل الجنوب”.
وأضاف اللامي، في حديث هاتفي من مقر إقامته في تركيا، أن “الخزعلي يحلم بزعامة شبيهة بزعامة الصدر، غير أنه لا يملك أي مقومات لا اجتماعية ولا دينية، ولا حتى شخصية لذلك، فالجميع يتعامل معه كزعيم مليشيا حتى الآن رغم حصوله على بضع مقاعد في البرلمان بعد تأسيس حركة سياسية تشكلت من رحم جماعته المسلحة”.
وأضاف أن “أغلب الخلافات والمناوشات كانت إعلامية، عدا عن حوادث اغتيال وتصفيات سابقة سجلت ضد مجهول، وتبرأ منها الطرفان بشكل لم يقنع أحدا”، مبينا أن “أول من سيمنع أي تصادم مسلح هو إيران، لكنها في الوقت ذاته لا تمانع في أن تحدث خلافات”.
الخزعلي كان قد انشق عن التيار الصدري بعد عام 2006، ليأخذ شكلا مستقلا عن “جيش المهدي” عقب تجميده عام 2008، وأطلق على اسم المجموعة التي وافقت على الانشقاق معه اسم “عصائب أهل الحق”.
وبدعم إيراني سريع اعتبره مقتدى الصدر في حينه موجها ضده، تغولت مليشيا “العصائب”، أو “عصائب أهل الحق”، وواصلت كسب المقاتلين المتطوعين بمرتبات تضاهي مرتبات عناصر الجيش العراقي آنذاك، وتورطت بجرائم مروعة في ديالى وبغداد وصلاح الدين وبابل ذات طابع طائفي، وسط سكوت من حكومة نوري المالكي آنذاك، ما فسر بأنه قبول نكاية في الصدر، الذي اتهم قيس الخزعلي في مقابلة تلفزيونية له بالوقوف وراء إعدام 1500 عراقي في يوم واحد بدوافع طائفية.
وأدرجت واشنطن، الأسبوع الماضي، الخزعلي على لائحة العقوبات بتهمة قمع المتظاهرين، إلى جانب قياديين اثنين آخرين، ورجل الأعمال والسياسي خميس الخنجر.
وسعى زعيم منظمة “بدر” هادي العامري، لأكثر من مرة، في سبيل بدء محادثات بين الطرفين، إلا أنها جميعها باءت بالفشل، وكانت آخر محاولة من قبل العامري حتى عاد الخلاف بين الخزعلي والصدر وبقوة أخيراً، بعد مقتل القيادي في العصائب وسام العلياوي وشقيقه في محافظة ميسان، بواسطة متظاهرين غاضبين.
وكان العلياوي قد قتل من المتظاهرين حوالي 9 أشخاص بعد أن فتح الرصاص الحي عليهم من سطح مبنى مقر مليشيا “العصائب” في المدينة.
وقد اتهمت جماعة الخزعلي، في أكثر من مرة، بطرقٍ مباشرة وأخرى غير مباشرة، التيار الصدري بالوقوف وراء قتل العلياوي، بل وقيادة التظاهرات في سبيل الحصول على مكتسبات جماهيرية وأخرى سياسية.
وأصدرت محكمة التحقيق المركزية في بغداد أوامر قبض بحق 17 متظاهراً من محافظة ميسان (جنوب)، بتهمة قتل قيادي في “الحشد الشعبي” وشقيقه، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
ووفقاً للأوامر، فهي تضم أيضاً مذكرات اعتقال موجهة إلى الشرطة وعناصر الضبط القضائي لمحاكمتهم وفق المادة 406/أ، التي تنص على أن “يُعاقب بالإعدام من قتل نفساً عمداً إذا كان القتل مع سبق الإصرار أو الترصد”.
وبحسب مقاطع مصورة نشرتها مواقع إلكترونية وصفحات تابعة لـ”الحشد الشعبي”، فإن المحتجين الذين قتلوا العلياوي وشقيقه ينتمون للتيار الصدري، وهو ما أثار قادة صدريين، معتبرين أنه “اتهام غير مقبول”.
من جانبه، بيَّن عضو كتلة “الصادقون” في البرلمان العراقي، التابعة للعصائب، عبد الأمير الدبي، لـ”العربي الجديد”، أن “هناك من يحاول أن يعمق الخلاف بين التيار الصدري والعصائب، وفي الحقيقة هم أخوة ولا توجد مشاكل فيما بينهما، ولكن الإعلام المغرض يستهدف أبناء الشعب العراقي الواحد”، رافضاً الحديث عن تفاصيل أخرى.
العربي الجديد