قبل ساعات قليلة من دخول حزمة جديدة من التعريفات التجارية على ما قيمته أكثر من 160 مليار دولار من واردات الولايات المتحدة من الصين حيز التنفيذ، أُعلنت واشنطن وبكين توصلهما إلى “اتفاق مرحلة أولى”، يمنح الطرفين هدنة في خضم حرب تجارية مستمرة منذ أكثر من عام ونصف العام، بسبب تبادل أكبر اقتصادين في العالم فرض رسوم جمركية على أغلب السلع.
إلا أن الاتفاق يقضي بأن تقدم الولايات المتحدة “تنازلا صغيرا” لقاء “تعهدات متواضعة” من الصين، مثيرا تشكيك خبراء التجارة الدولية في جدوى توافق يعتبرون مداه محدوداً.
وجاء الاتفاق في وقت سيطر فيه التشاؤم على الأجواء في واشنطن لأسابيع ماضية، بفعل تصريحات ترامب بأنه “لا يتعجل التوصل إلى اتفاق مع الصين”، وفرضه تعريفات جمركية على منتجات فرنسية بنسبة 100 في المائة، ثم إعادته تطبيق تعريفات على واردات بلاده من الصلب والألومنيوم من الأرجنتين والبرازيل، وتوتر علاقاته التجارية مع الاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك واليابان.
وفي حين وصف الرئيس الأميركي الاتفاق، بأنه “ظاهرة”، لا يبدو أن كل الأطراف توافق على اعتبار الاتفاق انتصاراً للولايات المتحدة.
وبعد الإعلان عن الاتفاق، قال تشاك تشومر، زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، يوم الجمعة الماضي، وفق وسائل إعلام أميركية، إن ترامب “قدم كل التنازلات مقابل وعد مؤقت لا يمكن الوثوق به من الصينيين بزيادة مشترياتهم من فول الصويا”.
وفي الاتجاه نفسه، اعتبر كليت ويلامز، المستشار الاقتصادي السابق لترامب، إن الاتفاق لا يحل كل المشكلات القائمة، “إلا أنه شيء مهم جداً أن يصل الطرفان إلى توافق على بعض الأشياء”.
كما نقلت وكالة فرانس برس، أمس السبت، عن خبير السياسة التجارية في مجلس العلاقات الخارجية إدوارد ألدن، قوله “من الصعب جدا اعتبار ذلك انتصارا كبيرا في الحرب التجارية”. والمستفيد الأكبر بنظره قد يكون في نهاية المطاف الرئيس الأميركي في وسط حملته الانتخابية للفوز بولاية ثانية.
وقال “هذا جيد لترامب لأنه سيبعث هدوءا في الأسواق حتى عام 2020”. كما يجمع الخبراء على أن الاتفاق سيعزز بصورة خاصة ثقة المستهلكين الأميركيين التي هي بالأساس مرتفعة.
وأدرجت واشنطن وبكين في الاتفاق مواضيع كبرى تتمسك بها إدارة ترامب، وأبرزها حماية الملكية الفكرية وعمليات نقل التكنولوجيا القسرية وتعزيز المبادلات التجارية.
غير أن المسؤولين تفادوا كشف تفاصيل الاتفاقية، مكتفين بإعلان بعض المعطيات بالأرقام من غير أن يوضحوا الخطوات التي ستتخذها الصين عمليا لتنفيذ التغييرات البنيوية التي يطالب بها ترامب.
وشن الرئيس الأميركي في مارس/ آذار 2018 حربا تجارية على الصين لاتهامها باعتماد ممارسات تجارية “غير نزيهة” تتضمن سرقة الملكية الفكرية وإرغام الشركات الأميركية على تقاسم درايتها الصناعية لقاء تمكينها من الدخول إلى السوق الصينية.
وترى إدارة ترامب في هذه الممارسات تهديداً للهيمنة الاقتصادية الأميركية. وشدد الأميركيون في الاتفاق الذي لا يزال يتعين توقيعه رسمياً، ما يمكن أن يتم في مطلع يناير/كانون الثاني، على تعهد الصين باستيراد منتجات أميركية إضافية بقيمة 200 مليار دولار خلال السنتين المقبلتين، وتحديدا في قطاع الطاقة والتصنيع والزراعة (حوالى 50 مليار دولار) والخدمات.
في المقابل، أعلن ترامب أنه يتخلى عن فرض دفعة جديدة من الرسوم الجمركية المشددة التي كان من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ، اليوم الأحد، على حوالى 160 مليار دولار من المنتجات الصينية.
كما سيتم خفض الرسوم الجمركية بقيمة 15 في المائة المفروضة منذ الأول من سبتمبر/أيلول على بضائع صينية أخرى بقيمة 120 مليار دولار، بمعدل النصف إلى 7.5 في المائة.
في المقابل، أكدت الإدارة الأميركية الإبقاء على الرسوم الجمركية المشددة بنسبة 25 في المائة المفروضة على ما يوازي 250 مليار دولار من المنتجات الصينية.
ويرى الخبيران الاقتصاديان في “أوكسفورد إيكونوميكس” غريغوري داكو وليديا بوسور، وفق فرانس برس، أنه “بمعزل عن افتقار الاتفاق إلى الجوهر، وعدم نصه سوى على تخفيض طفيف للرسوم الجمركية، إذ تبقى الرسوم مفروضة على ثلثي الواردات القادمة من الصين، فإن وطأة الاتفاق على الاقتصاد الكلي طفيفة”.
وما يزيد من ضحالة الاتفاق بنظر خبير السياسة التجارية في مجلس العلاقات الخارجية إدوارد ألدن، أنه يأتي “بعد أضرار اقتصادية كبرى”.
وأوضح ألدن أن الاتفاق “لا يحل فعليا المشكلات البنيوية العميقة جدا التي يعاني منها الاقتصاد الصيني”، مشيرا إلى أن تسوية أشد النقاط الخلافية على غرار الدعم الصيني لبعض القطاعات، أرجئت إلى وقت لاحق.
على الرغم من كل ذلك، يشدد خبراء الاقتصاد على أن هذه الهدنة ستثير ارتياحا بعد مبارزة استمرت منذ أكثر من عام ونصف العام وهددت النمو العالمي.
وقالت الخبيرة الاقتصادية في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي ماري لوفلي “كنا على شفير الهاوية بمعنى ما”.
وأقرت بأن إبرام اتفاق بحد ذاته أمر “مهم” لأنه سيحد من الضبابية المخيمة على المستقبل.
ورأت أن مجرد أن يتمكن الصينيون من التوصل إلى اتفاق مع الأميركيين يبشر بتقدم محتمل في ممارساتهم التجارية.
وأعلن نائب وزير التجارة الصيني وانغ شوين، الجمعة، أن الاتفاقية ستعطي دفعا لاقتصادي البلدين وستوجد بيئة مواتية للاستثمارات.