يعيش العراق هذه الفترة مشهدا مليئا بالأحداث المتسارعة والمفاجئة، ويتوقع المتابعون للمشهد السياسي في البلاد أن تكون الساعات القادمة حاسمة في ما يتعلق بهوية الشخصية التي ستكلف بتشكيل الحكومة الجديدة ومصير القوى السياسية والفصائل المدعومة من إيران والموالية لها.
بغداد – لأول مرة، منذ 2003، يكون المشهد السياسي في العراق حافلا بهذا القدر من المفاجآت الممكنة، بينما تجد القوى السياسية الرئيسية نفسها في وضع يحتمل خسارتها كل شيء.
ورغم اعتياد العراقيين على انتظار الساسة حتى اللحظات الأخيرة من المهل الدستورية والقانونية لحسم القرارات الكبيرة، إلا أن الانتظار الحالي الذي يتعلق بتسمية رئيس حكومة جديد، خلفا للمستقيل عادل عبدالمهدي، يبدو مختلفا بشكل كلي، لأن بعض الاحتمالات التي يتضمنها يقلب الطاولة على إيران، وهو أمر غير مألوف في العملية السياسية العراقية منذ عام 2003.
وبحلول الساعة الـ12 من ليل الأحد، تكون المهلة الممنوحة للرئيس العراقي برهم صالح، كي يكلف مرشحا بتشكيل الحكومة الجديدة، قد انقضت، دون حصول الأحزاب الشيعية الكبيرة على أي ضمانات بشأن المحافظة على مصالحها خلال المرحلة الانتقالية، التي قد تستمر نحو عام واحد، قبل إجراء انتخابات مبكرة.
وفي محاولة لإنقاذ حظوظها وقلب الطاولة لصالحها، بدأت قوى سياسية وفصائل موالية لإيران شن حملة لعزل الرئيس العراقي.
وأفاد عدي عواد، النائب عن كتلة “صادقون” البرلمانية، الجمعة، بأن كتلته تجمع تواقيع نواب لعزل صالح من منصبه بسبب “حنثه باليمين الدستورية”.
و”صادقون” هي الذراع السياسية لفصيل “عصائب أهل الحق” الشيعي المسلح، بزعامة الخزعلي، المقرب من إيران.
وتنص المادة 61 من الدستور على أن لمجلس النواب (البرلمان) إعفاء الرئيس (من منصبه)، بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، بعد إدانته من المحكمة الاتحادية العليا بحنث اليمين الدستورية، أو انتهاك الدستور، أو الخيانة العظمى.
مقربون من السيستاني ألمحوا إلى إمكانية القبول بمرشحين علمانيين شرط أن يكونوا من أصول شيعية
وقال عواد، في بيان، إن “رئيس الجمهورية حنث باليمين ولم يحترم التوقيتات الدستورية”، معتبرًا أن “واجب رئيس الجمهورية الأساسي هو حماية الدستور وهيبته”.
وأضاف “رئيس الجمهورية يتحايل على التوقيتات الدستورية، ولم يسمِ رئيسا للوزراء على الرغم من انتهاء المهلة الدستورية”، التي تنتهي الخميس.
وتابع بالقول إن “كتلة صادقون النيابية جمعت تواقيع نيابية (لم يحدد عددها) لعزل رئيس الجمهورية من منصبه لحنثه باليمين الدستورية وتحوله من حامٍ لدستور إلى حامي المحاصصة”.
وأرجأ الرئيس العراقي تكليف مرشح لتشكيل الحكومة إلى الأحد، بسبب عدم توافق القوى السياسية والمتظاهرين على الأسماء المرشحة رغم انقضاء المهلة الدستورية.
ومع عدم ظهور بوادر انفراج لأزمة اختيار مرشح جديد، يبدو أن حكومة عادل عبدالمهدي ستواصل تصريف الأعمال إلى مدى غير منظور دون غطاء دستوري، في حالة مماثلة شهدتها البلاد عام 2010.
ويقاتل زعيم تحالف الفتح هادي العامري مدعوما بزعيم حركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي لإقناع صالح بتكليف قصي السهيل، مرشح ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، بينما يعول الرئيس على الدعم الذي يتلقاه من المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني ورجل الدين البارز مقتدى الصدر والشارع العراقي المنتفض منذ مطلع أكتوبر الماضي ضد سياسات الأحزاب الموالية لإيران.
وكشفت مصادر مطلعة أن “السهيل هو المرشح الوحيد على قائمة القوى العراقية الموالية لإيران، وأن جميع الأسماء الأخرى التي طرحت بجانبه هي للتمويه”.
وقال القيادي في تحالف القوى العراقية حيدر الملا، إن “تحالف الحراك الشعبي والمرجعية” وضع خارطة طريق لتشكيل الحكومة العراقية القادمة، في إشارة إلى إعلان السيستاني رغبته في ألا تكون الحكومة الجديدة “جدلية”، وأن “تستجيب لاستحقاقات المرحلة الراهنة، وتتمكن من استعادة هيبة الدولة وتهدئة الأوضاع، وإجراء الانتخابات القادمة في أجواء مطمئنة بعيدة عن التدخلات الخارجية”.
واستغرب الملا تمسك تحالف “اللصوص والبنادق” -في إشارة إلى الأحزاب الموالية لإيران- بترشيح السهيل، مستبعدا قبوله لدى الشارع ومرجعية النجف.
ويشغل السهيل حاليا منصب وزير التعليم العالي في حكومة عبدالمهدي المستقيلة. والتحق السهيل بائتلاف المالكي بعدما انشق عن تيار مقتدى الصدر، لذلك يقول كثيرون إن التيار الصدري لن يسمح بتمرير تكليف السهيل.
وتحدث سياسي عراقي بارز مع “العرب” شريطة عدم الكشف عن اسمه، بشأن “بلاغ منسوب إلى مكتب السيستاني يحث رئيس الجمهورية على تكليف شخصية مستقلة بتشكيل الحكومة الجديدة”.
وقال السياسي، إن مقربين من السيستاني ألمحوا إلى إمكانية القبول بمرشحين علمانيين، شرط أن يكونوا من أصول شيعية، على غرار زعيم القائمة الوطنية إياد علاوي، الذي سبق له أن شكل الحكومة الانتقالية التي تلت احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة عام 2004.
وذكر أن مكتب السيستاني جس نبض قوى اجتماعية وعشائرية خلال الأيام الماضية بشأن ترشيح علاوي أو من هو على غراره، لقيادة المرحلة الانتقالية، مشيرا إلى أن المرجع الشيعي يعتقد أن هذه الخطوة ربما تهدئ الشارع المحتج، الذي اعترض على جميع المرشحين الحزبيين الذين قدمتهم الأحزاب الموالية لإيران.
ويقول المحلل السياسي صادق الموسوي، إن “إيران رفعت الفيتو عن ترشيح إياد علاوي لرئاسة الوزراء”، مشيرا إلى إمكانية تكليفه بتشكيل الحكومة.
وتبدو عودة علاوي المحتملة إلى واجهة المشهد العراقي من أكبر المفاجآت، إذ يقول مراقبون إن عمره السياسي انتهى فعلا، وبدا منفصلا عن الواقع خلال الأعوام الأخيرة.
لكن علاوي حافظ على حضور ثابت ضمن المشهد العراقي، متعمدا توجيه انتقادات منتظمة للنظام السياسي الموالي لإيران، الذي وصفه بالفاشل والعاجز عن النهوض بالدولة، فيما كرر مرارا ضرورة استجابة الطبقة الحاكمة لمطالب المحتجين.
إلى جانب هذا السيناريو، يعتقد ساسة عراقيون أن الاستجابة للدستور من خلال تحديد الكتلة البرلمانية الأكبر التي تملك حق اقتراح اسم رئيس الحكومة على رئيس الجمهورية، لا تزال ممكنة، رغم الجدل الشعبي والقانوني الذي يحيط بها.
ويقول خبراء قانونيون إن عبدالمهدي تعمد إرباك المشهد السياسي من خلال تقديم استقالته إلى البرلمان وليس إلى رئيس الجمهورية الذي كلفه، ما ألزم الأخير بانتظار ترشيح البرلمان رئيس حكومة جديدا.
ولو كان عبدالمهدي قدم استقالته لرئيس الجمهورية الذي كلفه، لأمكن لصالح تقديم مرشح جديد في غضون 15 يوما، من دون العودة إلى البرلمان.
واضطر رئيس الجمهورية إلى سؤال المحكمة الاتحادية -وهي الجهة العليا المختصة بالفصل في النزاعات الدستورية بين السلطات- عن إمكانية المضي في تكليف رئيس حكومة جديد من دون انتظار ترشيح الكتلة الأكبر. ووفقا لمصادر مطلعة، فإن المحكمة ردت بالإيجاب.
ويقول مراقبون إن الرئيس العراقي ربما لن يستخدم رأي المحكمة لضرب الأحزاب الشيعية عبر ترشيح أحد خصومها لتشكيل الحكومة الجديدة، لكنه سيكون مضطرا إلى حماية مركزه القانوني والإعلان عن اسم المرشح قبل انتهاء يوم الأحد.
ويرجح المراقبون أن يكلف صالح، في حال أغلقت جميع الأبواب الأخرى في وجهه، شخصية من الشخصيات التي تسلم كتاب ترشيحها، من دون توفر أي ضمانات بحصولها على ثقة البرلمان.
ومن بين الشخصيات المرشحة لخوض هذا الاختبار يبرز اسم النائب الحالي فائق الشيخ علي، الذي يتبنى خطاب التظاهرات بشكل كلي، والسياسي المستقل مازن الأشيقر ورئيس جامعة بغداد عماد ميرزا.
ويقول مراقبون إن تكليف إحدى هذه الشخصيات بتشكيل الحكومة الجديدة ربما يشكل مخرجا للجميع، إذ سيحمي الرئيس دستوريا ويمنح القوى الشيعية في البرلمان فرصة إجهاض المرشح الجديد عبر إفشال مرور كابينته الوزارية، ما يمنحها فرصة جديدة للتفاهم.
العرب