ما بعد تمرير البريكست.. هل ينجح جونسون في تجنب سيناريو الحرب العالمية الثانية؟

ما بعد تمرير البريكست.. هل ينجح جونسون في تجنب سيناريو الحرب العالمية الثانية؟

مباشرة بعد فوزه الساحق في الانتخابات الأخيرة، انتقل رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إلى السرعة القصوى لتنفيذ وعده الانتخابي الرئيسي المتمثل في إخراج بلاده من الاتحاد الأوروبي في أقرب الآجال.

وما هي إلا أيام معدودة من عودته لمقر رئاسة الوزراء في لندن، حتى نجح جونسون في تمرير قانون خروج المملكة المتحدة من التكتل الأوروبي، متكئا على الأغلبية المريحة التي فاز بها في مجلس العموم.

وصوت لصالح القراءة الثانية لقانون الخروج 358 عضوا مقابل معارضة 234. والجديد في هذا القانون هو إلغاؤه لتمديد الفترة الانتقالية في حال فشل الطرفين البريطاني والأوروبي في التوصل إلى اتفاق تفصيلي بنهاية العام المقبل.

وبموجب القانون الجديد، سيكون يوم 31 يناير/كانون الثاني المقبل هو تاريخ الانسحاب الرسمي للمملكة من الاتحاد الأوروبي، على أن تمتد الفترة الانتقالية للتفاوض على تفاصيل الاتفاق إلى نهاية العام.

وإذا فشل الطرفان في التوصل إلى اتفاق، فسيكون على بريطانيا الخروج من دون اتفاق، وهو السيناريو الذي يصفه كثيرون بالمرعب، وسبق أن توقع بنك إنجلترا المركزي أن يكون لهذا الخيار نتائج اقتصادية مشابهة لنتائج الحرب العالمية الثانية.

وظهر بوريس جونسون أكثر ثقة أمس الجمعة خلال جلسة التصويت على القانون الذي يضع حدا لمتاهة البريكست، وبدا أنه يحاول إيصال رسالة لناخبيه بكونه الرجل الذي يفي بوعوده الانتخابية دون مماطلة، لكنه في المقابل دعا لوحدة وطنية لتجاوز مرحلة الخروج من الاتحاد الأوروبي.

وعلى الرغم من التطمينات التي بعثها للداخل البريطاني ولشركائه الأوروبيين، فإن المخاوف ما زالت قائمة من لجوء جونسون إلى خيار الخروج دون اتفاق، خصوصا بعد حديث تقارير إعلامية بريطانية أن زعيم حزب المحافظين أعاد هذا الخيار إلى الطاولة للمزيد من الضغط على الأوروبيين.

ومن المتوقع أن تشهد بداية يناير/كانون الثاني المقبل النقاشات الأخيرة حول خطة الخروج، قبل أن يصوت عليها البرلمان الأوروبي. ولم يظهر القادة الأوروبيون أي معارضة للخطة الجديدة، مما يعني سهولة تمريرها في جميع مؤسسات بروكسل.

القادم أصعب
وربما يكون رئيس الوزراء البريطاني قد نجح في تحقيق هدف لاحقه أشهرا طويلة، وهو ضمان خروج بلاده من الاتحاد الأوروبي، لكن مهمته تزداد تعقيدا خلال المرحلة المقبلة، وذلك من أجل التوصل إلى اتفاق تجاري يضمن لبلاده معاملات جيدة مع السوق الأوروبية.

تشغيل الفيديو

ويرجح أستاذ العلاقات الدولية جلبير الأشقر أن “الآتي هو الأصعب على حكومة جونسون”، وأول تحد يواجه الحكومة هو الإجابة عن سؤال “هل سيتم الخروج باتفاق أو بدونه؟”، خصوصا مع وجود قاعدة معتبرة في حزب المحافظين تريد القطيعة الكاملة مع الاتحاد الأوروبي، وتميل إلى موقف نايجل فاراج زعيم حزب بريكست، “وسيكون على جونسون إرضاء هذه الشريحة لأنها ساهمت في نجاحه الانتخابي لكن دون إغفال الفاتورة الاقتصادية”.

ووفقا لهذا التحليل، يتعين على جونسون أن “يرد على المزايدات السياسية التي يمارسها أنصار القطيعة مع أوروبا”، خصوصا أن هؤلاء يروجون أن الخروج من دون اتفاق سيوفر على المملكة المتحدة عشرات المليارات.

ويرى الأشقر -الأستاذ في معهد الدراسات الشرقية والأفريقية (سواس) في لندن- أن الكثير من أنصار البريكست في بريطانيا “يؤيدون خروجا ناعما، وهذا ما يجعل الحكومة البريطانية ملزمة بالتوصل إلى اتفاق”، إضافة للعامل الاقتصادي “فمصلحة الحي المالي في لندن أن تبقى قنوات الاستثمار مفتوحة بين الطرفين حتى لا تتضرر مكانة العاصمة البريطانية كمركز مالي عالمي”.

ويقارن الأكاديمي البريطاني بين الاتفاق الذي سبق أن عرضته رئيسة الوزراء البريطانية السابقة تيريزا ماي، وبين الاتفاق الذي مرره جونسون، ليخلص إلى أن ما قدمه الأخير “يعتبر أسوأ لأنه يقبل بمسألة الحدود البحرية وهذا ما جعل الأوروبيين مرتاحين لكون جونسون أبدى ليونة في القبول بالكثير من الشروط الأوروبية”.

ويتوقع الأشقر أن تخرج الحكومة البريطانية من الاتحاد الأوروبي باتفاق بحلول نهاية سنة 2020، أما سيناريو الخروج دون اتفاق “فقد أصبح من الماضي ولا يمكن المراهنة عليه”، بحسب قوله.

العين على أميركا
ويستخلص المحلل السياسي محمد أبو العينين نتيجة رئيسية للانتخابات البريطانية الأخيرة، إذ يرى أنها أظهرت بما لا يدع مجالا للشك أن هناك أغلبية “تريد الخروج من الاتحاد الأوروبي، وهو ما يجعل تمرير القانون في البرلمان استجابة لهذا المزاج الشعبي”.

وينفذ الكاتب والباحث المقيم في بريطانيا إلى تفاصيل القانون الذي صادق عليه البرلمان، ليقول إنه “خلا من الحديث عن الحفاظ على حقوق العمال كما كانت في السابق، وأيضا لم يقدم أي التزامات فيما يتعلق بمعايير السلامة بالنسبة للمنتجات والبضائع الغذائية”.

وبعيدا عن صورة المنتصر التي يحاول جونسون الظهور بها، يرى أبو العينين أن زعيم حزب المحافظين “أمام معضلة حقيقية”، لمحاولته الوصول إلى اتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي، وفي الوقت نفسه عقد اتفاق آخر مع الولايات المتحدة، “وهذه معادلة صعبة التحقيق لأن معايير السلامة والصحة هي التي كانت في الأصل سبب انهيار المفاوضات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة”.

ومن خلال قراءة تفاصيل التشريع الجديد، يرى أبو العينين “أن هناك شيئا كبيرا يتم التحضير له”، في إشارة لتوقيع اتفاق تجاري مع أميركا، وهو اتفاق محتمل وصفه الرئيس الأميركي دونالد ترامب “بالأضخم في التاريخ”، ولهذا أصر جونسون على حذف الكثير من التعهدات التي قد تعرقل المفاوضات مع الإدارة الأميركية، كما يقول المحلل السياسي.

ولفت أبو العينين لوجود “توجه داخل حزب المحافظين يدعو للتشدد مع الاتحاد الأوروبي”، وهو ما يزيد الضغط على جونسون الراغب في الحفاظ على أبواب أوروبا التجارية مفتوحة أمام شركات بلاده، ليبقى العامل الاقتصادي هو المحدد لتحركاته في المرحلة المقبلة.

الجزيرة