الباحثة شذى خليل*
الاقتصاد العالمي بطبيعته الراهنة التي تتمثل في (منظمة التجارة العالمية) أساسه حرية التجارة والمسمى (بالعولمة)، الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية، والإخلال بذلك النظام قد يعني تلاعبا أمريكياً غير مدروس، ولم تحتسب عواقب إفشاله! ما سيسهم في أزمة أشبه بأزمة 2008 والتي لا يزال الاقتصاد العالمي يعيش تبعاتها التي كان سببها عدم قدرة المدينين بتسديد سُلف الرهن العقاري حينذاك- واعتبرت الأسوأ من نوعها منذ زمن الكساد الكبير في 1929، والتي ابتدأت أولاً بالولايات المتحدة الأمريكية ثم امتدت إلى دول العالم لتشمل الدول الأوروبية والدول الآسيوية والدول الخليجية والدول النامية التي يرتبط اقتصادها مباشرة بالاقتصاد الأمريكي.
فالسؤال المطروح الاَن هو: هل نحن أمام النسخة الثانية من هذا السيناريو الأليم وبصدد حرب تجارية بين قوتين اقتصاديتين (أمريكا والصين) لن يكون فيها فائز وعواقبها سيتحملها الجميع؟
اليوم يؤكد أنصار السياسات النقدية والمحللون الاقتصاديون أن الوضع الاقتصادي الراهن ينذر بمشكلات خطيرة للنظام النقدي، وان التباطؤ المستمر في نمو الاقتصاد العالمي وصل الى الركود الاقتصادي العالمي حقيقة يصعب تجنبها، وهناك عدة مؤشرات تؤكد تلك المخاوف هي:
حرب العملات المستترة، سواء كانت عملات من قبيل الدولار الأمريكي واليوان الصيني، أو العملات الافتراضية من قبيل “بيتكوين” و”ليبرا” أو العملات الافتراضية، التي تخطط الصين والاتحاد الأوروبي لطرحها في الأسواق.
تراكم ديون الشركات، والمشكلات المتوقع أن تواجه الاقتصاد البريطاني، خامس أكبر اقتصاد في العالم “بريكست” الخروج من الاتحاد الأوربي .
الاقتصادات عالية التطور مثل الاقتصاد الألماني والبريطاني اللذين يقتربان بخطوات سريعة من دوامة الركود.
وعلى الرغم من ان الركود الاقتصادي، هو أحد الظواهر الطبيعية في دورة النظام الرأسمالي، فإن المظاهر الأولية، التي باتت واضحة بقوة، تعود إلى تفشي ما يمكن وصفه بحالة من الهوس بالسياسات النقدية، بحيث أضحت معايير النجاح الاقتصادي مرتبطة بأسعار الأسهم والأرباح الفصلية وثقة المستثمرين، أكثر من ارتباطها بزيادة الوظائف وتحسن الأجور وتنامي الاستثمارات العامة.
إن الولايات المتحدة تمر حاليا بمرحلة انكماش اقتصادي، حيث وصل حجم الدين العالمي إلى ثلاثة أضعاف الناتج القومي الإجمالي العالمي، بمعنى أن العالم مديون بنسبة 300% من قيمة الناتج القومي الإجمالي.
العجز السنوي لديها يقدر بنحو تريليون دولار، والنظام الأمريكي لن يسمح بأن يحصل انهيار اقتصادي، وهنا تؤكد جميع الدراسات الأمريكية إن ترمب سيخلق حربا مع الصين، يكون الهدف منها الجلوس مع الصين على طاولة مفاوضات، للاتفاق على نظام عالمي جديد بين الطرفين.
الصين دولة تجارية:
الصين كدولة تجارية ناجحة واقتصادية نابغة، حيث مازالت رائدة في متابعة واستمرار نمو قوتها ونفوذها الاقتصادي والعسكري، والدليل على ذلك يتضح بالرجوع للـ 40 عاماً الماضية، وإصرار أمريكا على الاتفاق مع الصين على اعتماد الأخيرة نظام العولمة واقتصاد السوق الحرة، كسياسة للتعاملات التجارية بينهما وبين الصين وباقي الدول، تحت غطاء أمريكي مؤمن بأن تلك السياسة ستؤول حتماً إلى تدمير الصين اقتصادياً لاعتمادها سابقاً على النظام الاشتراكي الشمولي بشكل دائم.
لكن ما حدث صدم أمريكا حينما نجحت الصين وأصبحت قادرة على اكتساح العالم أجمع، من خلال طريق الحرير والذي من خلاله يلبي الاقتصاد الصيني احتياجاته إلى مزيد من الأسواق، حيث يوفر الرخاء والتقدم لكل البلدان التي يمر من عليه من مدينة كاشجر غرب الصين وصولا إلى أوروبا.
أما في شمال افريقيا، فـ”مصر” تعد محطة مهمة على طريق الحرير البحري، فاستفادت منه بعد ثورة 30 يونيو باتفاقية مع الصين قيمتها 10 مليارات دولار بخلاف 46 مليار أخرى لتحديث الطرق والمواصلات العامة، وإن محور تنمية قناة السويس قائم على إقامة موانئ جديدة ومناطق لوجستية وخدمات بحرية وتجارية تقدم إلى السفن المارة، وهو الطريق الذي تسير فيه مصر مستغلة المنطقة الصناعية الصينية في السويس، والمناطق الصناعية الأخرى على طول المجرى في الإسماعيلية، ومشروعات شرق بورسعيد المتكاملة والتي تستغل الثروات الطبيعية لسيناء، ما يحقق الاستفادة القصوى من منطقة قناة السويس، كمركز لوجستي عالمي، وليس فقط كممر ملاحي، يعتمد على تميز الموقع وعبقريته، وتليها الإمارات، حيث تستثمر الصين مليار دولار في ميناء خليفة بأبو ظبي، حيث ارتفع حجم التبادل التجاري إلى 70 مليارا.
الحرب التجارية:
الحروب التجارية بين أمريكا والصين باتت أكثر تأثيراً على الاقتصاد العالمي من الحروب التقليدية، إذ يمتد تأثيرها ليس فقط على الدول المتحاربة، بل على نطاق أوسع حسب قوة اقتصاديات الدول المتحاربة.
حيث أن النزاع الذي دام عاما ونصف له تأثير متزايد على الاقتصاد العالمي، حيث انخفضت الصادرات الأميركية إلى الصين بنسبة 30% على أساس سنوي في الربع الأول من عام 2019، فيما انخفضت الصادرات الصينية إلى أميركا بنسبة 9% وانخفضت بنسبة 2.7 % على أساس سنوي في أبريل.
كما أشارت تقارير إلى أن الاقتصاد العالمي شهد أضعف نمو منذ الأزمة المالية في 2008، ليتباطأ من المعدل البالغ 3.6% في العام الماضي إلى 2.9% في العام الجاري، قبل أن يبلغ المعدل المتوقع البالغ 3% في 2020.
لماذا يقدم ترمب على هذه الحرب؟ حيث مارس الضغوط على الصين بحجة إصلاح بعض سياساتها الاقتصادية المهمة: منها التجسس الصناعي، وسرقة الملكية الفكرية، والنقل القسري للتكنولوجيا، والإعانات الحكومية الضخمة لصناعات منتقاة، وفرض قيود صارمة على الشركات الأجنبية في قطاعات جوهرية بعينها.
ويتفق الكثير من المراقبين الأمريكيين، ومن بينهم أقسى منتقدي ترمب من الليبراليين توماس فريدمان، على أن الصين تغش في التزاماتها في هذه المجالات أمام منظمة التجارة الدولية التي انضمت إليها منذ نحو عشرين عاماً.
أما بالنسبة الى العملة، حيث تتهم أمريكا الصين بأنها تقوّم عملتها، بأقل من قيمتها الحقيقية، ونتيجة لذلك تدخل السلع الصينية الأسواق الأمريكية بأسعار تنافسية وأقل من أسعار مثيلتها الأمريكية، فيؤدي ذلك لإقبال المستهلكين على شراء المنتجات الصينية وتفضيلها عن الأمريكية، الأمر الذي أدى لقلب الميزان التجاري بين الصين وأمريكا، لصالح الصين، الأمر الذي رفضته أمريكا، وبدأت تضغط على الصين عن طريق فرض رسوم جمركية على السلع الواردة منها.
ترمب يسعى للسيطرة على نفط العراق وسوريا لكسر شوكة الصين:
أكد الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ان قواته قامت بتأمين النفط في سوريا وستبقى القوات في المنطقة لحمايتها، لتنسجم مع نمطه الأكبر في التركيز على إمدادات النفط في دول الشرق الأوسط.
إن أمريكا تحاول الآن السيطرة على أماكن وجود النفط، سواء في العراق او سوريا او في الخليج العربي، وحسب توقعاتي البسيطة، أن تقوم بإغلاق الطريق إلى بحر الصين ومنع وصول النفط إلى الصين، وهذه بداية الأزمة، ومن المتوقع ان تسجل أسعار النفط ارتفاعا خلال الأزمة ليصل سعر البرميل إلى أكثر من 100 دولار، وهنا يمكن ان تجبر الصين على الجلوس حول طاولة التفاوض مع أمريكا لرسم ملامح النظام العالمي الجديد.
ويحدد ترمب العلاقة بين الولايات المتحدة والجهات الفاعلة المختلفة في الشرق الأوسط من منظور أن النفط ثمن الحماية العسكرية الأمريكية.
الشرق الأوسط بين اختيارين:
ستتعرض دول الشرق الأوسط لضغوط أكبر من أي وقت مضى، كي تتخذ قرارات صعبة تجاه هذه الخيارات الحيوية، التي تتميز بطابع جيوسياسي لا يقل أهمية عن الطابع الاقتصادي لها.
وبذلك.. فإنه بصورة عامة من المحتمل أن تترك الحرب التجارية الأمريكية -الصينية تأثيراً محدوداً أو غير مباشر على الشرق الأوسط.
أما بعد هذه الحرب، ستكون هناك نهضة كبيرة في العالم، وستكون بدايتها في المنطقة العربية، لأن أكثر هدم وتدمير حدث في المنطقة العربية، وبالتالي فرص الإعمار وتمويله هائلة، من خلال الثروات الموجودة في المنطقة العربية، الآن أمريكا تريد أن تتموضع لفرض دورها في عملية إعادة الإعمار.
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية