في ضوء التطورات الأمنية الأخيرة التي شهدتها بغداد، من المقرر أن يعقد مجلس النواب العراقي يوم الأحد جلسة طارئة لبحث مسألة “انتهاك سيادة العراق” والهجوم الذي شنته الولايات المتحدة الأمريكية فجر يوم الجمعة 3 كانون الثاني/يناير الحالي، وأسفر عن مقتل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي، أبو مهدي المهندس، وعدد من القياديين الإيرانيين وقيادات الحشد الشعبي في طريق مطار بغداد الدولي.
وقد نشرت وسائل إعلام عربية نسخة من مسودة مشروع القرار المطروح للنقاش، ثم التصويت عليه في جلسة البرلمان العراقي المقرر انعقادها اليوم في العاصمة بغداد.
وجاء في مسودة القرار المقرر التصويت عليه: “قرر مجلس النواب بجلسته الثامنة والعشرين المنعقدة بتاريخ 5/1/2020 من الفصل التشريعي الأول السنة التشريعية الثانية/ الدورة النيابية الرابعة، واستناداً إلى أحكام المواد (59/ثانياً) و(1) و(109) من الدستور، واستناداً إلى الواجب الوطني والرقابي لمجلس النواب كممثل عن الشعب العراقي بجميع مكوناته، وحرصاً على سلامة العراق وسيادته على أراضيه وشعبه، ووفقاً للصلاحيات الممنوحة له وفق الدستور، إصدار القرار الآتي:
1- إلزام الحكومة العراقية بإلغاء طلب المساعدة المقدم منها إلى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش لعام 2016، وذلك لانتهاء العمليات العسكرية والحربية في العراق، وتحقق النصر، وعلى الحكومة العراقية العمل على إنهاء وجود أية قوات أجنبية على أراضي العراق، ومنعها من استخدام الأجواء العراقية لأي سبب خلال مدة (..).
2- على الحكومة العراقية ممثلة بالقائد العام للقوات المسلحة، أن تعلن أعداد الفنيين والمدربين الأجانب التي تحتاجهم وأماكن وجودهم ومهامهم ومدة عقودهم.
3- على الحكومة العراقية ممثلة بوزير الخارجية التوجه إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وتقديم الشكوى ضد الولايات المتحدة الأميركية بسبب ارتكابها انتهاكات وخروقات خطيرة لسيادة وأمن العراق.
4- ينفذ هذا القرار من تاريخ التصويت عليه.
ويرى المراقبون للشأن العراقي من الناحية القانونية، أنه لا يحق لمجلس النواب أن يلغي الاتفاقية الأمنية دون صدور قرار من مجلس الوزراء ، ومن ثم يحال إلى مجلس النواب لأقراره، وبما أن الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال، فلا يحق لها إصدار مثل هذا القانون، وهذا يعني أن أي قرار يتخذه اليوم مجلس النواب يعتبر باطلا، كما أنه من الصعوبة بمكان إلغاء الإتفاقية بحسب نصوصها (الأحكام الختامية منها) الإ بعد إخطار خطي مُسبق قبل عام من ذلك من قبل أحد اطرافها.
ويرى المراقبون بأن هناك تبعات كثيرة ستترتب عن اي قرار لألغاء هذه الأتفاقية، من جوانب عديدة، فعلى المستوى الاقتصادي العراق مدين بمبلغ كبير جدًا ما يقارب 140 مليار دولار وبفوائد متراكمة، الأمر الذي قد يؤدي إلى حجز أموال العراق لسنوات، مما قد يعرض الاقتصاد العراقي الى هزة قوية، تنعكس تبعاته على سعر الدينار العراقي ، إذ من المحتمل أن يصل سعر الدولار الأمريكي إلى ما يقارب 3000 ألاف دينار عراقي.
من المفيد الإشارة هنا، أن الاتفاقية تدر على الاقتصاد العراقي ما يقارب 18 إلى 20 مليار دولار أمريكي سنويًا، وهذا يرجع بالنفع أيضًا على الاقتصاد الإيراني إذ من خلال تلك الأموال يشتري العراق ما يحتاجه من السلع الغذائية والإنشائية والكهرباء والغاز الطبيعي من إيران، وفي حال إلغاء هذه الاتفاقية ستحرم إيران من تلك الأموال، والتي هي بأمس الحاجة إليها نظرًا للعقوبات الاقتصادية الصارمة المفروضة عليها من قبل الإدارة الأمريكية.
أما سياسيًا ساهمت الولايات المتحدة الأمريكية في اخراج العراق من دائرة عقوبات الفصل السابع ضمن اطار ميثاق الامم المتحدة، وفي حال إلغاء الاتفاقية فأنه من الوارد إعادة فرض العقوبات على العراق . أما عسكريًا وأمنيًا فالولايات المتحدة الامريكية تؤثر بشكل كبير في السيادة الجوية العراقية، كما ان منظومة طائرات F16 التي استوردها العراق منذ عام 2009، ودبابات البرامز الامريكية يتم صيانتها فنيًا بالتنسيق مع المدربين الامريكان في العراق. فإلغاء الاتفاقية يعني خروج حلف شمال الأطلسي “الناتو” من العراق ويصبح العراق بدون أي ظهير في مواجهة التحديات العسكرية والأمنية، وتصبح البعثات الدبلوماسية الغربية دون غطاء حلف الناتو والتحالف الدولي يعني بعبارة بسيطة صوملة العراق.
لذا يرى المتابعون للشأن العراقي أن الغاء الاتفاقية في هذا الظرف الإقليمي والدولي الحساس يعني أن إرادة إيران – التي تدفع بهذا الاتجاه – قد انتصرت على الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي ترفضه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وهو ما يرفضه ترامب، لاسيما وانها بصدد رسم سياسة جدبدة إزاء العراق، من معالمها أن الدولة الراعية له وهي الولايات المتحدة الأمريكية لن تتركه مجددًا للدولة المتنفذة فيه وهي إيران.
خلاصة القول أن إلغاء الاتفاقية يعني أن العراق سيصبح بلدًا مكشوفًا سياسيًا وعسكريًا وأمنيًا واقتصاديًا. ومعرض في أي لحظة للانهيار، هل هذا يرضي طموح الذين يدفعون باتجاه إلغاء الاتفاقية؟!!
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية