اغتيال سليماني مقامرة مجنونة لن تحل مشكلة أمريكا مع إيران

اغتيال سليماني مقامرة مجنونة لن تحل مشكلة أمريكا مع إيران

تساءلت مجلة “إيكونوميست” عن سبب قرار الرئيس دونالد ترامب قتل القيادي العسكري الإيراني قاسم سليماني وإن كان ضربة معلم أم جنونا؟

الرئيس الأمريكي يريد الحد من نشاطات إيران ولكن هل سلك الطريق الصحيح؟

وقالت المجلة في افتتاحيتها إن الرئيس الأمريكي يريد الحد من نشاطات إيران ولكن هل سلك الطريق الصحيح؟ وأشارت إلى أن قتل سليماني بصاروخ يوم 3 كانون الثاني (يناير) يهدد بأن يضع إيران والولايات أمام مواجهة مباشرة وأخطر من تلك التي حدثت في عام 1979.
ففي جزء من العالم الذي لم يعد لديه القوة ليصطدم، فالعملية الجريئة التي أدت لمقتل أهم قيادي عسكري بناء على أوامر من الرئيس ترامب جعلت إيران في حالة من الغليان.
ففي مظاهر عزاء عامة نسي ملايين الإيرانيين سخطهم على النظام وخرجوا للمشاركة بجنازة سليماني. وصدرت من الشرق الأوسط التهديدات التي تجمد الدم في العروق وترافقت مع تحذيرات من الخبراء بحدوث فوضى في الغرب.
ولكن الهجمات الصاروخية الانتقامية على قاعدتين عسكريتين في العراق لم تؤد لقتل أحد. وبدت وكأنها محاولة من إيران لحفظ ماء وجهها ومحاولة لتخفيف حدة الأزمة. ولو كان هذا هو الحال فباستطاعة ترامب القول إن غارته نجحت كما جاء في تصريحاته يوم 8 كانون الثاني (يناير). فتخليص العالم من شخص مؤذ وإجبار إيران على الحد من عدوانها سيكون إنجازا مهما. وستثبت الأشهر المقبلة صحة هذا الكلام، إلا أن المشكلة ألا أحد يمكنه التعويل على هذا بمن فيهم ترامب.
وأضافت أن هناك امتحانين سيثبتان أن قتل الجنرال ناجح من ناحية أثره على استراتيجية الردع والتأثير الإيراني الإقليمي.
وأضافت أن الرئيس ظل العام الماضي يقف متفرجا عندما قامت إيران والجماعات الوكيلة بالهجوم على الناقلات التجارية في مضيق هرمز، وإسقاط طائرتين بدون طيار وضرب المنشآت النفطية السعودية وقواعد عسكرية في العراق. وقد استنتجت إيران أن لا ثمن تدفعه جراء نشاطاتها ولهذا صعدت من لهجة الحرب والتحدي. وكان الأثر الفعال لهجوم 3 كانون الثاني (يناير) هو إعادة فكرة أن أمريكا مستعدة للرد. وعليه فالرد الإيراني المنضبط يوم الثلاثاء يعطي صورة أنها لا تريد مواجهة قصف جوي من أمريكا. ولهذا فلا يوجد احتمال لسقوط صواريخ في الأسابيع القليلة المقبلة.
مع أن تعطش إيران للانتقام لم يتلاشَ، وحتى لو تجنبت إيران المواجهة المباشرة فإن الحرس الثوري سيقوم على أكبر احتمال باستخدام أساليب أخرى مثل حرب إلكترونية وعمليات انتحارية واستهداف مسؤولين أمريكيين وغيرها من الأساليب التي لجأ إليها وأتقنها. وهذه العمليات الانتقامية تحتاج لأشهر كي يتم التخطيط لها وتنفيذها.

مع تراجع أثر مقتل سليماني، فستحاول إيران مرة أخرى اختبار استعداد أمريكا لاستخدام القوة. ففي الحروب غير المنسقة تلجأ القوى الضعيفة إلى التراجع أمام الطرف الأقوى لكي تعود مرة أخرى.

ومع تراجع أثر مقتل سليماني، فستحاول إيران مرة أخرى اختبار استعداد أمريكا لاستخدام القوة. ففي الحروب غير المنسقة تلجأ القوى الضعيفة إلى التراجع أمام الطرف الأقوى لكي تعود مرة أخرى. وتتميز هذه القوى بالصبر والقدرة على تحمل الألم من القوى العظمى.
في الامتحان الثاني، فإن مقتل سليماني سيظهر إن كانت إيران فقدت السيطرة على جيرانها وشبكة الميليشيات التابعة لها والقواعد المتقدمة لقوات فيلق القدس الممتدة من البحر المتوسط إلى بحر العرب. وكل هذا عن استعراض القوة بدون الاهتمام بجرائم الحرب التي ارتكبها بشار الأسد الذي استخدام غاز الأعصاب بدون أي اعتراض من طهران. ومن هنا فمقتل سليماني سيحرم هذه الشبكة من مهندسها. ومن السابق لأوانه الحكم على قدرات خليفته، ولكن سليماني كان شخصية استثنائية وسيترك فراغا برحيله. وقد يحرم فيلق القدس من التمويل، حيث يرى الإيرانيون العاديون أن المال الذي ينفق على الصواريخ وقنابل الهاون يجب أن تنفق على المدارس والمستشفيات. والمشكلة الآن هي أن إيران مصممة على إخراج الامريكيين من الشرق الأوسط بعد مقتله. وستبدأ من العراق الذي تفوقت فيه على أمريكا. وتسيطر على الحكومة فيه الجماعات الشيعية. وفي 5 كانون الثاني (يناير) مرر البرلمان قرارا يدعو فيه لطرد القوات الأمريكية من العراق. ومع أن القرار ليس ملزما إلا أن الكثير من العراقيين ساخطون من التأثير الإيراني، مع أن المال والسلاح الأمريكي مهمان للبلد. والسؤال هو متى وكيف سيخرج الأمريكيون؟
والأهم من كل هذا هو الملف النووي الإيراني. فقد خرج ترامب من المعاهدة النووية التي وقعها سلفه مع ستة من القوى العالمية عام 2015 من أجل إجبار طهران على معاهدة جديدة حسب شروطه وتشمل نشاطات إيران غير النووية بما فيها التأثير الإقليمي. في الصيف الماضي كانت هناك تقارير حول موافقة إيران على التفاوض، ولكن التكهنات هذه أصبحت خارج التفكير. وبالتأكيد ففي 5 كانون الثاني (يناير) قالت إيران إنها لن تلتزم بالقيود المفروضة عليها لتخصيب اليورانيوم. ولديها كل الأسباب لكي تزيد من نشاطاتها النووية، ليس لتعزيز ورقة التفاوض ولكن لأن حصولها على القنبلة النووية سيجبر أمريكا لتغيير كل حساباتها فيما يتعلق باستخدام القوة ضدها. ويعني غياب الاستراتيجية الأمريكية الواضحة أن قتلها للجنرال لن يؤدي إلا زيادة العقوبات والتهديد باستخدام القوة حالت تصرفت إيران بطريقة لا ترضي واشنطن. ولن يؤدي تجويع أمريكا إيران إلى خضوعها، ففي الماضي تحملت أنظمة أخرى العقوبات الأمريكية لمدة أطول. ولا يوجد أي طريق للسلام الذي تحدث عنه ترامب هذا الأسبوع. ولعدم وجود خطوط حمراء واضحة فاحتمالات الانجرار إلى الحرب تظل قائمة. ومع مرور الوقت ستفقد العقوبات والردع قيمتها. ولو ارادت أمريكا نهجا ناجعا، فالثمن هو جولات من العقوبات التي ترافقها مواجهات عسكرية ضد العدوان الإيراني وقصف جوي لو كشفت أن طهران على طريق امتلاك القنبلة النووية.

والسؤال هو، هل ترامب مستعد لهذا الثمن أو خليفته يريد هذا النهج؟
وتقول إن باراك أوباما الذي تعب من المنطقة والمصادر التي تستهلكها أمريكا فيها حاول الخروج منها والتركيز على آسيا من خلال معاهدة مع إيران. ولكن ترامب يريد الخروج منها بطريقة بلطجية. وسيفشل هو الآخر لأن استراتيجية الخروج تعتمد على بقاء القوات الأمريكية في الشرق الاوسط كوسيلة ردع. وربما كان اغتيال سليماني الدرامي مجرد مقامرة حققت أهدافها على المدى القصير ولكنه لم يحل مشكلة أمريكا مع إيران.

القدس العربي