نشر بريان كاتز، الزميل ببرنامج الأمن الدولي بمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، مقالا بموقع “فورين أفيرز” عن ردة فعل حزب الله اللبناني على مقتل قائد فيلق القدس، الجنرال قاسم سليماني، بغارة أمريكية يوم 3 كانون الثاني (يناير) الحالي بعد خروج موكبه من مطار بغداد الدولي.
وتساءل تحت عنوان “يجهز حزب الله لهذه اللحظة منذ عقود” حول خطاب حسن نصر الله بعد يومين من مقتل سليماني وأبو مهدي المهندس قائد الحشد الشعبي “ما هو القصاص العادل؟”، وأجاب أنه في ظل عدم وجود مسؤول أمريكي يوازي أهمية سليماني فيجب الانتقام من الوجود الأمريكي في كل منطقة الشرق الأوسط. ودعا لتجنب قتل المدنيين الأمريكيين بل وضرب القواعد العسكرية والبوارج الحربية، والجنود والضباط الأمريكيين.
في ظل عدم وجود مسؤول أمريكي يوازي أهمية سليماني فيجب الانتقام من الوجود الأمريكي في كل منطقة الشرق الأوسط
وفي ظل خطاب نصر الله الداعي للانتقام، لن يكون حزبه الطرف الذي سيبدأ الحرب مع الولايات المتحدة، فلديه إسرائيل ليقلق منها ومشاكل محلية تعرض سيطرته على السياسة الداخلية في لبنان للخطر. وعانى الحزب من خسائر فادحة في سوريا حيث قاتل إلى جانب القوات الموالية لنظام بشار الأسد. إلا أن عدم الرغبة بالحرب مختلف عن عدم الاستعداد لها. فحزب الله كما يقول كاتز يحضر لهذا اليوم منذ عقود، وبنى قدرات عسكرية وإرهابية وتكنولوجية إلكترونية في لبنان والشرق الأوسط وحول العالم لكي يضرب الولايات المتحدة وأيا من حلفائها الذين سينضمون إليها في ضرب إيران.
ويجد الحزب نفسه الآن في وضع يجبره على الدخول بالمواجهة مع أمريكا نظرا لتبعيته واعتماده على إيران. ففي الأسبوع الماضي شنت إيران سلسلة من الهجمات الصاروخية على قاعدتين عسكريتين في العراق في رد رمزي على مقتل سليماني، إلا أن الرد الحقيقي لن يظهر إلا بعد شهور وسنوات وسيلعب فيه حزب الله دور “النجم”.
وفي محاولة لاستخدام قوته وتجنب مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، قد يقوم حزب الله وفيلق القدس بتدبير حرب منسقة بالمنطقة أو خارجها على الأرجح. والهدف من هذه الحملة هو التخريب وتهديد وتقييد عمليات الجنود والدبلوماسيين وضباط المخابرات الأمريكية لدرجة تزيد فيها مساوئ وجودهم في الشرق الأوسط على منافعه.
ويقول الكاتب إن الحزب الذي أنشأه فيلق القدس في الثمانينيات من القرن الماضي حاول أن يوثق العلاقة ويوازن بين هويتين، الأولى هي كلاعب لبناني قوي عسكريا واقتصاديا ودينيا وأجهزة اقتصادية واجتماعية لتعزيز الأهداف المحلية وتقوية الشيعة في لبنان. أما الهوية الثانية فكجماعة وكيلة وحليف لإيران ملتزم بما يطلق عليه محور المقاومة، والذي يضم النظام السوري وحماس والميليشيات الشيعية المتعددة مثل الحشد الشعبي.
الحزب حاول أن يوثق العلاقة ويوازن بين هويتين، الأولى هي كلاعب لبناني قوي عسكريا. أما الهوية الثانية فكجماعة وكيلة وحليف لإيران
إلا أن الحزب وجد صعوبة في الموازنة بين هاتين الهويتين، فقد وجد نفسه خلال العقود الماضية عندما كانت تشتعل المواجهات بين الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران في الوسط، حيث كان يسير بحذر دونما أن يستفز الولايات المتحدة للرد بطريقة تهدد إنجازاته في لبنان. ففي حرب 2006 التي اندلعت نتيجة لمواجهات حدودية، ردت إسرائيل بغارات جوية مدمرة على الضاحية الجنوبية في بيروت التي تعتبر معقله. ومنذ ذلك الوقت تجنب الحزب مواجهات عدوانية غير ضرورية مع إسرائيل، وركز على الردع وبناء ترسانته من الصواريخ المتقدمة ورد بطريقة متناسبة وحذرة على الغارات الإسرائيلية.
ولكن الحزب وبعد الضربة القاصمة التي أودت بسليماني وقائد الحشد الشعبي، حليفه، قد يجد نفسه مضطرا للرد والثأر لراعيه القتيل. ولن يكون الرد مدفوعا فقط بتبعية الحزب لإيران ولكن الحاجة لإظهار صموده وقوته أمام أتباعه وأعدائه على حد سواء.
وربما شعر الحزب بأن إسرائيل والولايات المتحدة تحضران لهجوم عليه ولهذا قد يقوم بعملية ردع لهما وتذكيرهما بقدراته لإدارة حرب غير منسقة. وربما ظهرت أية حملة ضد الولايات المتحدة بعدة أشكال، ولكنها ستحتوي على سلسلة من أعمال العنف المحسوبة بطريقة تحدد من قدرة الولايات المتحدة على الرد وردع الهجمات الأمريكية بطريقة تشبه الغارة على سليماني.
وربما استخدم حزب أدوات عسكرية وأمنية وإرهابية وإلكترونية ومعلوماتية، سرا وعلنا، وعلى مستويات متعددة حسب أهدافه التي يريد من خلالها توصيل الرسالة وتعطيه الفرصة للنفي والإنكار. وستأخذ الردود بعين الاعتبار طبيعة وكثافة التهديد الأمريكي والإسرائيلي والرد بنفس الطبيعة. وربما بدت العمليات في الساحة التي يعرفها حزب الله، لبنان، حيث سيتم استهداف الوجود الأمريكي القليل والمتمثل بأعداد من القوات الأمريكية التي تقوم بتدريب قوات الجيش اللبناني.
حتى لا يستفز بشكل مدمر فقد يركز الحزب في عملياته على محاولات تعطيل العمليات الجوية أو زرع العبوات في الطرق
وحتى لا يستفز بشكل مدمر فقد يركز الحزب في عملياته على محاولات تعطيل العمليات الجوية أو زرع العبوات في الطرق لتحميل الجماعات السنية المتشددة مسؤوليتها وتقييد حركة القوات الأمريكية على الأرض. قد يقوم الحزب بهجمات إلكترونية للتشويش على الاتصالات الأمريكية والكشف عن هوية المسؤولين الأمنيين الأمريكيين ومصادرهم اللبنانيين. وهناك طريقة أخرى للإضرار بالأمريكيين من خلال حملة تضليل إعلامية ونشر المعلومات المزيفة التي تؤدي إلى رد شعبي عفوي يقيد حركة الدبلوماسيين الأمريكيين وضباط الاستخبارات في المجمعات التي يعيشون فيها. وهناك إمكانية لقيام حزب الله باختطاف أو اغتيال مسؤولين أمريكيين. وهذا خيار لن يلجأ إليه إلا في حالة تزايد التوتر مع الولايات المتحدة.
وبالإضافة لتحييد الولايات المتحدة في لبنان فقد يلجأ لضرب المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وبعيدا عن مناطقه ومصالحه المهمة فقد تلجأ الجماعة لعمل عسكري قوي، وذلك بالتنسيق مع فيلق القدس. وبهذه الطريقة سيكشف حزب الله عن قدرات “محور المقاومة” وتشتيت القوى الأمريكية في المنطقة وإشغالها بأكثر من جبهة. ولدى الحزب مقاتلون في سوريا واليمن حيث يمكنه توجيههم للقيام بعمليات ضد الأمريكيين.
ويستطيع الحزب العمل مع القوى الأخرى في المحور سواء الحشد الشعبي أو المتمردين الحوثيين في اليمن أو الميليشيات الشيعية في سوريا المكونة من الأفغان وباكستانيين للقيام بهجمات يمكنهم إنكارها ضد المصالح الأمريكية. ولدى هؤلاء المقاتلين الخبرة والترسانة العسكرية للقيام بهذا، وهم أيضا موالون لقادة حزب الله والحرس الثوري الإيراني، ولديهم الدافعية للقتال والموت بعد مقتل سليماني.
سيكون من الصعب على الولايات المتحدة العمل لو واجهت حملة منسقة وواسعة ضد منشآتها ومراكز اتصالاتها وجنودها، خاصة لو ارتفعت درجة التوتر
وسيكون من الصعب على الولايات المتحدة العمل لو واجهت حملة منسقة وواسعة ضد منشآتها ومراكز اتصالاتها وجنودها، خاصة لو ارتفعت درجة التوتر. ولدى حزب الله ورقة تهديد إقليمية يمكنه لعبها وهي تهديد حليفة أمريكا بالمنطقة: إسرائيل. وكقاعدة متقدمة للمصالح الإيرانية بالشرق الأوسط، فقد تلقى مقاتلو الحزب تدريبهم وسلحوا للمواجهة العسكرية مع إسرائيل، سواء كانت مباشرة كما في عام 2006 أو من خلال الحرب الإقليمية بين إسرائيل وإيران.
وبالتأكيد لا يريد حزب الله مواجهة مع إسرائيل، خاصة في ظل حالة التوتر الأمريكية- الإيرانية لكن لا خيار له. ولدى الحزب قوة عسكرية ضاربة وصواريخ دقيقة ليست قادرة على الوصول إلى إسرائيل فقط ولكن المصالح الأمريكية فيها وكذا ضرب البوارج الأمريكية في البحر المتوسط أيضا. وربما لجأ لتفعيل علاقاته مع حماس والجهاد الإسلامي لفتح جبهة صغيرة ولكن قاتلة ضد إسرائيل حالة اندلعت مواجهة شاملة بين أمريكا وإيران.
ولدى الحزب خيار للضرب خارج الشرق الأوسط وإحياء خلاياه التابعة لمنظمة الأمن الخارجي الناشطة في القارات الخمس. وبنى الحزب هذه بهدوء وصبر ودعم إيراني تحسبا ليوم كهذا. وعندما أرادت قيادة حزب الله والقيادة الإيرانية الانتقام في المكان والزمان الذي يختارونه.
وأشار تقييم أمريكي أمني العام الماضي إلى أن حزب الله لديه القدرة للحفاظ على قدرة تنفيذ مدى واسع من العمليات ضد المصالح الأمريكية حول العالم. وربما توصل حزب الله وإيران إلى أن الرد على مقتل سليماني يجب أن يكون قاتلا واستعراضيا وبدون نسبة المسؤولية لهم. ففي عام 1992 كان رد حزب الله على مقتل عباس موسوي، زعيم الحزب، بشاحنة متفجرات قادها شخص إلى السفارة الإسرائيلية بالعاصمة الأرجنتينية، بيونس آيرس، وقتل في العملية 29 شخصا وجرح المئات. وتظل الأرصدة الخارجية جاهزة للاستخدام عند الضرورة، وستأخذ منظمة الأمن الخارجي وقتها وتبحث عن مكامن الضعف الأمريكية. وفي منطقة الشرق الأوسط يمكن للحزب البحث عن أهداف ونسبتها لتنظيم الدولة أو القاعدة.
تظل الأرصدة الخارجية جاهزة للاستخدام عند الضرورة، وستأخذ منظمة الأمن الخارجي وقتها وتبحث عن مكامن الضعف الأمريكية
ولو زاد التوتر بشكل كبير فقد تقرر منظمة الأمن الخارجي الضرب مباشرة في العمق الأمريكي حيث تحتفظ بخلايا نائمة هناك. لكن حملة انتقامية لحزب الله لن تكون بدون مخاطر. فهناك إمكانية لإحباط الأمريكيين وحلفائهم أي محاولة في ظل حالة التأهب التي اعقبت مقتل سليماني. وربما تجنبت الميليشيات الأخرى الرد خوفا من التداعيات رغم رغبة إيران بالانتقام. ولا يريد الحزب القيام بحملة واسعة ضد أمريكا في ظل الاحتجاجات التي يشهدها لبنان احتجاجا على الوضع الاقتصادي المتردي. ويواجه نصر الله وحزبه اليوم عدوا مختلفا هو الولايات المتحدة. ففي العقود الماضية ظلت إستراتيجية الحزب قائمة وموجهة لمحاربة إسرائيل.
ومنذ عام 2006 طور الحزب إستراتيجية ردود محسوبة وإدارة التصعيد دون الانجرار لحرب شاملة. ويعرف الحزب وإسرائيل الخطوط الحمر الواجب تجنبها ويصممان الرد بطريقة يزعم فيها كل طرف النصر. ولا يمكن لحزب الله معرفة إن كانت إدارة دونالد ترامب ستلتزم بالخطوط التي تمسك بها الحزب وإسرائيل.
ولو أخطأ الحزب الحسابات بشأن استيعاب الولايات المتحدة الضربات، فهذا سيقود إلى تصعيد آخر بشكل يهدد مصالح الحزب في لبنان. وما كشفت عنه عملية قتل سليماني هو أن ترامب على خلاف أسلافه مستعد لاستخدام القوة العسكرية القاتلة ضد إيران وقادة محور المقاومة. ولكن على الرئيس أن يكون مستعدا للعمليات الانتقامية التي تتبع، “وتوابيت الجنود الأمريكيين” كما هدد نصر الله في خطابه يوم 5 كانون الثاني (يناير)، وربما أرسل توابيت الدبلوماسيين وضباط الاستخبارات الأمريكيين أيضا، وحتى المواطنين الأمريكيين.
القدس العربي