بالتزامن مع أزمة فيروس كورونا التي باتت تتحكم بمفاصل الحياة، واستمرار الأزمة المالية التي تمر بها البلاد، فضلاً عن معاناة الطبقات الفقيرة في العراق، اقترحت خلية الأزمة الخاصة بكورونا توزيع مبالغ مالية على العراقيين. لكن هذا الأمر يبدو معقداً، خصوصاً مع انخفاض واردات العراق النفطية إلى النصف في مارس (آذار) الماضي، واستمرار الانخفاض في أسعاره عالمياً.
وبالتزامن مع السباق المحموم لتجاوز الأزمة المالية التي تمر بها البلاد، أعلنت وزارة النفط، في بيان، انخفاض إيرادات العراق إلى نحو النصف في مارس الماضي، في وقت يشهد انخفاضاً كبيراً في أسعار النفط، وسط توقعات باستمرار الانخفاض حتى نهاية الربع الثاني من العام الحالي على أثر تفشي فيروس كورونا المستجد وتأثيره في الاقتصادات العالمية.
وأشارت الوزارة إلى أن مجموع صادراتها من النفط بلغ 105 ملايين برميل فيما بلغت الإيرادات 2.99 مليار دولار مقابل 5.5 مليار في فبراير (شباط). ما ينذر بإشكالية اقتصادية كبيرة قد تشهدها البلاد تستوجب السعي لإجراءات اقتصادية طارئة.
وفي الإطار ذاته، حذّر وزير الإسكان والإعمار العراقي بنكين ريكاني، في تغريدة على حسابه في “تويتر”، من إمكانية ألا يكون العراق قادراً على بيع النفط إثر تدهور أسعاره عالمياً.
توصيات خلية الأزمة
في سياق آخر، كانت خلية الأزمة النيابية، قد طالبت بعد اجتماعها مع وزيري التخطيط والزراعة، الخميس 2 أبريل (نيسان)، بإطلاق منحة مالية إلى المواطنين، في إطار مواجهة وباء كورونا، في محاولة لطمأنة ما أسمته بـ”العوائل المتعففة والفئات المستضعفة”.
وقالت اللجنة في بيان، إن “وزير الزراعة طمأن الشعب العراقي بوجود اكتفاء ذاتي وخزين استراتيجي لمعظم المحاصيل والمنتجات الزراعية، بما في ذلك انتاج الحنطة والشعير والدواجن”، فيما أكد “الاستمرار في الاعتماد على المنتجات المحلية وغلق الاستيراد بما ينتج محلياً”.
ومن جملة التوصيات التي خرجت بها خلية الأزمة مع الوزيرين، “التأكيد على إطلاق منحة عاجلة، ومطالبة الحكومة بعدم استيفاء أجور الكهرباء للمواطنين العام الحالي، ودعوة الحكومة بإنشاء حساب للتكافل الاجتماعي يشمل النواب والوزراء وجميع الدرجات الخاصة”.
وطالبت الحكومة “بإطلاق كل الاعفاءات المتاحة لاستيراد المواد الغذائية والزراعية لسد الاحتياج الكامل للمواطن، وإعفاء الشركات والفلاحين والمزارعين المتعاقدين لعام 2020 وفق القوانين كلها من بدلات الإيجار، فضلاً عن تأجيل سداد القروض والمبالغ المستحقة بحق المقترضين من المصرف الزراعي”.
منحة طارئة
إلى ذلك، قال المتحدث باسم وزارة التخطيط العراقية عبد الزهرة الهنداوي إن “المشمولين بمنحة الطوارئ هم العوائل التي ليس فيها موظفون في الجهاز الإداري للدولة وغير المشمولين بصندوق الرعاية الاجتماعية”.
أضاف لـ”اندبندنت عربية”، أنه “تم تأمين نحو 250 مليون دولاراً في البنك المركزي العراقي في إطار المنحة بانتظار اكتمال الاجراءات”، مشيراً إلى أن “التوصية رفعت إلى اللجنة العليا برئاسة رئيس الوزراء كي تتحول إلى قرار”.
تابع أنه “تم وضع سقف زمني لا يتجاوز عشرة أيام لإتمام الإجراءات بما يتعلق بالمنحة، وتوزيع المبلغ سيكون بواقع 25 دولاراً لكل فرد”، مبيناً أن “عدد العوائل المستفيدة يبلغ نحو مليونين، ومتوسط ما تحصل عليه كل عائلة نحو 125 دولاراً”.
وأشار إلى أن “هذه المبالغ هي الممكنة الآن نظراً للظروف المالية التي تمر بها البلاد”.
وعن إمكانية اقتطاع جزء من رواتب موظفي الدولة، بيّن الهنداوي أن “قضية الاقتطاع من رواتب الموظفين تحتاج إلى قانون ضمن الموازنة، ولا يمكن القيام بهذا الإجراء مع عدم إقرارها وإضافته عليها”، مبيناً أن “الحكومة تذهب في اتجاه الإجراءات التي تقع ضمن صلاحياتها”.
إجراءات ترقيعية
من جانبه، رأى الاختصاصي الاقتصادي باسم أنطون أن “هناك ضرورة لإعادة هيكلة خلية الأزمة واشتمالها على مختصين بالاقتصاد والاجتماع وغيرهم للخروج بقرارات مجدية”.
أضاف لـ”اندبندنت عربية”، أن “الإجراءات التي تم اتخاذها ترقيعية، والمنحة لا تكفي ولا تحل المشكلة، ويجب أن تكون شهرية وليست لمرة واحدة”.
ولفت إلى أن “واحدة من الإشكالات التي يعاني منها العراق هي عدم فاعلية قانون الضمان الاجتماعي الذي لا يشمل جميع المستحقين”، مبيناً أن “الحل في تغطية المستحقين بالكامل هو بالعودة إلى بيانات البطاقة التموينية وبطاقة السكن”.
وختم أن “ما يجري هو نتيجة لـ17 سنة من السياسات الاقتصادية الخاطئة، ما أدى إلى تعطل القطاع الانتاجي في البلاد”، مردفاً “لو كان هناك اعتماد على تنويع مصادر الاقتصاد لكان أثر الأزمة الحالية أقل وطأة”.
بيانات غير دقيقة
في السياق ذاته، رأى أستاذ السياسة المالية في جامعة بغداد إحسان جبر في “خطوة إعطاء مبالغ للفقراء جانباً إنسانياً في محاولة حفظ معيشة تلك الطبقات، وخلق حالة طمأنة لتلك المجتمعات، لكنها لن تتسبب في تنشيط الحركة الاقتصادية لأن العراق لا ينتج بل يستورد، وستسهم هذه الأموال في تنشيط حركة تجار الاستيراد لا أكثر”.
واعتبر في حديث مع “اندبندنت عربية”، أن “مسألة إحصاء الطبقات الفقيرة والمستحقة معقدة، والاحصاءات صعبة، لكن الحكومة ستعطي الأموال بسرعة، وثلث هذه الأموال لن تذهب إلى مستحقيها”، مبيناً أن “قاعدة البيانات التي تمتلكها الحكومة ليست دقيقة”.
تابع أن “هذا الاجراء غير مجد، ولن يكفي لسد حاجة تلك الطبقات، لكن لا وجود لإجراءات متاحة الآن سوى هذا الإجراء”.
طباعة النقود
واستبعد جبر أن تكون الحكومة قادرة على تجاوز الأزمة الحالية بظل مؤشرات استمرار انخفاض أسعار النفط، مبيناً أنها “ستلجأ إلى طباعة النقود كما حصل في الأزمة المالية عام 2014، فضلاً عن الاقتراض الداخلي والخارجي”.
وذكّر بأنه “تمت معالجة الأزمة السابقة بالاقتراض من البنك المركزي بصورة غير مباشرة عن طريق السوق الثانوية، إذ أصدرت الحكومة أذونات خزينة تم بيعها للجهاز المصرفي، ما أتاح للدولة إمكانية طباعة النقود بعد اتفاق بسحب النقد بعد انتهاء الأزمة”.
ويعتقد جبر أن “نفي الحكومة عزمها طباعة النقود غير حقيقي، وستتم طباعة النقود وضخها في السوق العراقية بشكل تدريجي غير واضح”، مضيفاً أن “إعلان هذا الإجراء يخلق موجة توقعات متشائمة تضعف الثقة في العملة المحلية وتزيد الطلب على الدولار، ما يخلق موجات تضخمية”.
وقال إن “80 في المئة من الكتلة النقدية مكتنزة في البيوت ولو كانت في الجهاز المصرفي لما تمت الحاجة للطباعة”.
وينطلق جبر من أن “كل الإجراءات التي ستتخذها الحكومة ستؤدي إلى تعطيل الموازنة الاستثمارية وتتسبب بركود كبير في القطاع الخاص والتركيز على الموازنة التشغيلية والرواتب”.
سندات الخزينة كديون للحكومة
أما المدير العام للعمليات السابق في البنك المركزي محمود داغر، فقال إنه “عندما يصبح لدى الحكومة نقص بالإيرادات يستطيع البنك المركزي تقديم دين داخلي لها بالاعتماد على قانونه، من خلال أدوات الدين التي هي سندات أو أذونات الخزينة”.
وأوضح لـ”اندبندنت عربية”، أنه “بدلاً من تغطية النقد المحلي باحتياطيات أجنبية يتم اللجوء إلى أوراق ائتمانية، وهكذا يتم التوسع بالكتلة النقدية، وهذا إجراء اقتصادي متبع عالمياً”.
ولم يستبعد داغر، أن “يتم اللجوء إلى هذا الإجراء لتجاوز الأزمة المالية الحالية”، لافتاً إلى أنه “في حال عدم تمكن وزارة المالية من توفير النقد اللازم لتسهيل مهمة الرواتب والنفقات بالإمكان اللجوء إلى البنك المركزي باعتباره وكيلاً مالياً للوزارة”.
وأشار إلى أن “هناك أشكالاً كثيرة للسندات منها سندات خاصة تباع للجمهور، غايتها سحب النقد منهم”، لافتاً إلى أنه “في الأزمة السابقة عام 2014 اشترى المواطنون سندات بنحو 3 ترليونات دينار، أي ما يعادل 2.5 مليار دولار”.
وتابع أن “إجراء إضافة نقود جديدة من قبل البنك المركزي محدود بتأثيره على مستوى التضخم”، وفيما بيّن أن “مستويات التضخم بالاقتصاد العراقي منخفضة جداً، ما يتيح مساحة عالية للتعامل مع هذا الأمر”، شدد على ضرورة أن “يصاحب هذا التوسع في النقد ضغط في النفقات من قبل وزارة المالية”.
أحمد السهيل
اندبندت عربي