مع استمرار تهافت المستثمرين على سوق الأصول والملاذات الآمنة، اخترق الذهب حاجز 1900 دولار للأوقية (الأونصة) للمرة الأولى منذ عام 2011 في تعاملات أمس الجمعة، حيث فاقم خلاف أميركي – صيني من المخاوف حيال تضرر الاقتصاد العالمي المترنح بالفعل بسبب جائحة فيروس كورونا.
وصعد الذهب في المعاملات الفورية بنسبة 0.7 في المئة إلى مستوى 1899.68 دولار للأوقية وذلك بعد بلوغ 1905.99 دولار، وهو أعلى مستوى منذ سبتمبر (أيلول) عام 2011. والأسعار متجهة لزيادة بنسبة 5 في المئة على أساس أسبوعي، وهو أفضل أداء لها منذ الأسبوع المنتهي في 27 مارس (آذار) الماضي. وجرت تسوية عقود الذهب الأميركية الآجلة بزيادة نسبتها 0.4 في المئة عند 1897.5. وصعد البلاتين 1.3 في المئة إلى 916.97 دولار للأوقية وربح البلاديوم 4.3 في المئة إلى 2216.31 دولار.
وقال مدير تعاملات مشتقات المعادن الأساسية والنفيسة لدى “بي أم أو”، تاي وونغ، إن “المخاوف من مزيد من التباطؤ الاقتصادي بسبب الخلاف الأميركي – الصيني المر الآخذ في التنامي يعتبر سبباً لترجيح استمرار الدعم الحكومي والنقدي عالمياً لفترة أطول”.
وفي تصعيد جديد، أمرت الصين الولايات المتحدة بإغلاق قنصليتها في مدينة تشنغدو، وذلك رداً على مطالبة الولايات المتحدة للصين بإغلاق قنصليتها في هيوستن.
المستثمرون يتهافتون على أسواق الأصول الآمنة
وقال محلل سوق الصرف لدى “ديلي فيكس”، إليا سبيفاك، إن “المنطق الأساسي له علاقة بتقديم المزيد من التحفيز المالي… في الاتحاد الأوروبي، ونتحدث مجدداً عن المزيد من التحفيز المالي في الولايات المتحدة”. وأضاف “من غير المتوقع أن ترتفع أسعار الفائدة فعلياً، ورد الفعل المتوقع على الأرجح هو التضخم”.
ويميل الذهب للاستفادة من تدابير التحفيز واسعة النطاق من البنوك المركزية، إذ إنه يُعتبر تحوطاً في مواجهة التضخم وانخفاض العملة. فيما يقبع مؤشر الدولار قرب أدنى مستوى في عامين. وأدى انخفاض الطلب الحاضر إلى إجبار التجار في الهند والصين على تقديم خصومات كبيرة.
وأظهرت إحصاءات تدفقات أسبوعية للصناديق من بنك “أوف أميركا”، أن مديري الأموال خصصوا 40.9 مليار دولار لأدوات السيولة، في أكبر دخول للتدفقات منذ الثامن من مايو (أيار)، و24.5 مليار دولار للسندات المصنفة عند درجة جديرة بالاستثمار في ثالث أكبر دخول للتدفقات لتلك الفئة على الإطلاق.
كما ضخ المستثمرون المزيد من المال في الذهب على الأخص فيما أظهرت التدفقات الأسبوعية ثاني أكبر دخول لها إلى المعدن الأصفر على الإطلاق. لكن الأسهم سجلت عمليات استرداد بقيمة 3.8 مليار دولار.
الفضة تسجل أفضل أداء أسبوعي في 33 عاماً
في المقابل، تراجعت أسعار الفضة عالمياً خلال تعاملات أمس الجمعة، لكن المعدن الأبيض يتجه إلى تسجيل أفضل أداء أسبوعي في حوالى 33 عاماً. وتلقى المعدن الأبيض الدعم من زخم إضافي جراء الرهانات على إحياء النشاط الصناعي بالتالي زيادة الطلب على الفضة.
وتستفيد كذلك الفضة من مكاسب الذهب الذي يتداول عند أعلى مستوياته في غضون 9 أعوام ويقترب من كسر حاجز 1900 دولار للأوقية. وحقق معدن الفضة مكاسب تتجاوز 80 في المئة في غضون الأشهر الأربعة الماضية مع مكاسب الذهب وضعف الدولار الأميركي، والذي يتداول حالياً قرب أدنى مستوياته في عامين.
وفي وقت متأخر من تعاملات أمس، تراجع سعر العقود الآجلة للفضة تسليم شهر سبتمبر (أيلول) بنحو 0.8 في المئة إلى 22.81 دولار للأوقية. لكن على صعيد تداولات الأسبوع، ارتفعت الفضة بنحو 17 في المئة، لتسير على الطريق الصحيح نحو تسجيل أفضل أداء أسبوعي منذ عام 1987.
توقعات متفائلة للبلاديوم
وفي تقرير سابق، قالت مجموعة “سيتي غروب”، إن هناك العديد من العوامل التي تسهم في تجاوز أسعار الذهب المستوى القياسي الذي حققته في 2011. وأشارت المجموعة في تقرير للربع الثالث بشأن توقعاتها لأسعار السلع إلى أن الأسعار تستفيد من السياسة النقدية التيسيرية، وتراجع سعر العائد الحقيقي، والتدفقات القياسية على الصناديق المتداولة، وزيادة تخصيص الأصول.
ومن المتوقع أن يرتفع الذهب إلى مستوى قياسي لم يشهده من قبل خلال الستة إلى التسعة أشهر المقبلة، وهناك احتمالية بنسبة 30 في المئة في أن الذهب سيصل إلى 2000 دولار للأونصة خلال ثلاث إلى خمسة أشهر. وذكرت أن “السعر الاسمي للذهب سجل مستوى قياسياً جديداً بسعر العملة في كل الدول خارج مجموعة العشر، وفي الأسواق الناشئة الرئيسة هذا العام”، وفقاً للتقرير الذي أكد أنها “مسألة وقت للوصول إلى سعر قياسي جديد بالدولار الأميركي”.
وعلى صعيد بقية المعادن الأخرى، كان “سيتي غروب” متفائلاً أيضاً بالذهب والبلاديوم خلال الفترة ما بين ستة أشهر إلى عام. ويتوقع أن ترتفع أونصة الفضة إلى 25 دولاراً بدعم من الطلب الاستثماري المستدام وتعافي النمو العالمي. وأوصى البنك بشراء البلاديوم عند الانخفاضات، متوقعاً أن يصل سعره إلى 2200 دولار للأونصة بنهاية العام.
أوقات الاضطرابات وعدم اليقين
وكانت مسيرة المعدن الأصفر مع الوباء الأفضل بين فئات الأصول حتى الآن حيث تعززت الأسعار منذ بداية رحلة فيروس كورونا وعلى رغم أن المعدن عانى بعض العثرات في منتصف الرحلة إلا أنه تمسك بالاتجاه الصاعد حتى تجاوز 1800 دولار للأوقية.
وعادة يرتفع الذهب في أوقات الاضطرابات وعدم اليقين وهو ما يظهر بوضوح في ظل وباء ينهش في عظام الاقتصاد العالمي فضلاً عن التوترات الجيوسياسية والتجارية مما يزيد من الطلب على المعدن الأصفر. وتواصل حيازة الذهب في صناديق الاستثمار المتداولة في البورصة الارتفاع للشهر السابع على التوالي خلال يونيو (حزيران) الماضي.
وبحسب التقرير الشهري الصادر عن مجلس الذهب العالمي، فإن حيازة الذهب ارتفعت بنحو 104.3 طن، وهو ما يعادل 5.6 مليار دولار أو 2.7 في المئة من الأصول تحت الإدارة. وارتفع بذلك إجمالي الحيازة العالمية من الذهب في الصناديق المتداولة إلى مستوى قياسي جديد عند 3620.7 طن، حيث يشير مجلس الذهب العالمي إلى أن البيئة الاقتصادية والجيوسياسية تظل داعمة لاستثمارات الذهب.
ومن ناحية أخرى، واصلت البنوك المركزية حول العالم شراء الذهب خلال مايو (أيار) الماضي بوتيرة مستقرة نسبياً، حيث بلغ صافي المشتريات 39.8 طن. وتعتبر هذه القراءة أعلى من المتوسط الشهري البالغ 35 طناً في غضون أول أربعة أشهر من العام، بحسب مجلس الذهب العالمي، الذي يتوقع أن تظل البنوك المركزية تسجل صافي مشتريات في العام الحالي، وإن كان بوتيرة أقل من العامين الماضيين.
وإضافة إلى الطلب على المعدن الأصفر الذي يعزز استمرار مكاسبه، استند العديد من البنوك الاستثمارية إلى أسباب عدة قد تقود الذهب إلى مستوى قياسي مرتفع هذا العام. لكن هل يقترب المعدن الأصفر بالفعل من أعلى مستوى في تاريخه؟
مثلما استفاد الذهب من الدعم المالي والنقدي الضخم منذ بداية جائحة كورونا، فإن استمرار الزيادة في حالات “كوفيد-19” وعدم اليقين بشأن التعافي الاقتصادي يهدد بخفض إنفاق المستهلكين ومكاسب الوظائف، بالتالي الحاجة إلى تقديم المزيد من الدعم من قبل البنوك المركزية والحكومات.
أعلى مستوى على الإطلاق للذهب
ووفق تقرير لـ”بنك أوف أميركا” فإنه إذا تمكن سعر الذهب من تجاوز مستوى المقاومة عند 1800 دولار للأوقية، فإن سعر المعدن النفيس يمكن أن يرتفع إلى أعلى مستوياته على الإطلاق عند 1920.70 دولار للأوقية والمسجل في عام 2011. وأوضح التقرير أن التحليلات الفنية تشير إلى أن سعر الذهب قد يصل لمستوى تاريخي جديد في النصف الثاني من العام الحالي وبخاصة في الربع الثالث، فضلاً عن أن هناك موجة تقود أسعار الذهب إلى 2000 دولار للأوقية بالفعل، مع سيناريو صعودي يتراوح بين 2114 دولاراً إلى 2296 دولاراً للأوقية في الفترة المقبلة.
وأرجع التقرير توقعات ارتفاع أسعار الذهب إلى الشكوك حول سرعة تعافي الاقتصاد العالمي مع استمرار زيادة قياسية لإصابات كورونا في الولايات المتحدة، مما جعل التعافي على شكل حرف V أقل احتمالاً في الوقت الحالي.
كما يتوقع المحللون في بنك “غولدمان ساكس” ارتفاع أسعار الذهب إلى 2000 دولار خلال الـ12 شهراً المقبلة، مشيرين: “يميل الطلب على الاستثمار في الذهب إلى النمو في المرحلة المبكرة من التعافي الاقتصادي، مدفوعاً بمخاوف استمرار التراجع وانخفاض معدلات الفائدة الحقيقية. واستمراراً للنظرة المستقبلية الأكثر تفاؤلاً، توقع “ساسكو بنك” استمرار صعود أسعار الذهب في النصف الثاني من عام 2020، مرجحاً ارتفاعه لمستوى قياسي في السنوات المقبلة.
وأوضح “ساسكو بنك” أن أسباب دعم ارتفاع الذهب في النصف الثاني من العام تضمنت “الحاجة السياسية” إلى تسارع التضخم لدعم مستويات الديون وزيادة وفرة المدخرات العالمية، إضافة إلى التوترات الجيوسياسية قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
خالد المنشاوي
اندبندت عربي