الباحثة شذا خليل*
سجّل الذهب ارتفاعاً قياسياً جديداً ليصل إلى حوالي 4000 دولار للأونصة، مواصلاً مسار صعوده الذي استمر طوال العام. فقد ارتفع المعدن النفيس بنحو ثلث قيمته منذ بداية عام 2025، في انعكاس مباشر لحالة القلق وعدم الاستقرار التي تسود الاقتصاد والسياسة على مستوى العالم.
أسباب الارتفاع
يُرجع الخبراء هذا الارتفاع إلى مجموعة من العوامل المتداخلة، أبرزها التوترات التجارية العالمية وعدم وضوح السياسات الاقتصادية في الولايات المتحدة. ففرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسوماً جمركية جديدة واسعة النطاق أدى إلى اضطراب حركة التجارة الدولية وإثارة المخاوف من تباطؤ اقتصادي عالمي أعمق. هذه الأوضاع دفعت المستثمرين إلى الابتعاد عن الأصول ذات المخاطر المرتفعة مثل الأسهم والعملات، والتوجه نحو الذهب الذي يُعد ملاذاً آمناً في أوقات الأزمات.
كما ساهمت التوقعات بأن الاحتياطي الفدرالي الأميركي قد يُقدم على خفض أسعار الفائدة في زيادة جاذبية الذهب للمستثمرين، لأن انخفاض الفائدة يقلل من تكلفة الاحتفاظ بالأصول غير المنتجة للعائد مثل الذهب. وإلى جانب ذلك، أثارت الشكوك حول استقلالية البنك المركزي الأميركي المزيد من الإقبال على المعدن الأصفر، بعد أن وجّه ترامب انتقادات متكررة لرئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي وحاول التدخل في قراراته.
الآثار العالمية وسلوك المستثمرين
امتدت تداعيات ارتفاع أسعار الذهب إلى الأسواق العالمية، وخاصة في الاقتصادات الناشئة مثل الصين والهند، وهما من أكبر مستهلكي الذهب في العالم. ففي العادة يؤدي ارتفاع الأسعار إلى تراجع الطلب على المجوهرات، لكن هذه المرة استمر الطلب قوياً، إذ اتجه المستهلكون إلى شراء الذهب الاستثماري مثل السبائك والعملات.
ويشير محللو الأسواق، مثل أدريان آش من شركة BullionVault وسوكي كوبر من بنك Standard Chartered، إلى أن عوامل أخرى مثل غزو روسيا لأوكرانيا وتغير السياسات التجارية ساهمت أيضاً في دعم الأسعار. كما أن تراجع قيمة الدولار الأميركي في وقت سابق من العام جعل الذهب أكثر جاذبية للمستثمرين الذين يتعاملون بعملات أخرى.
التداعيات الاقتصادية
على الرغم من أن ازدهار الذهب يعكس ثقة المستثمرين في قيمته طويلة الأجل، إلا أنه يشير أيضاً إلى قلق عميق بشأن مستقبل الاقتصاد العالمي. فارتفاع أسعار الذهب عادة ما يرتبط بتراجع الثقة في الأنظمة السياسية والمالية. وقد حذّرت كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، من أن أي محاولة لتسييس قرارات الاحتياطي الفدرالي تمثل «خطراً بالغاً» على الاستقرار المالي العالمي.
وقد يؤدي استمرار ارتفاع أسعار الذهب إلى زيادة الضغوط التضخمية وإرباك أسواق السلع، فضلاً عن تقليص القدرة الشرائية في الدول التي تعتمد على واردات الذهب. في المقابل، يوفر الذهب وسيلة تحوط للبنوك المركزية والمستثمرين ضد تقلبات العملات والمخاطر الجيوسياسية.
خاتمة
إن الارتفاع القياسي لأسعار الذهب يؤكد حقيقة أوسع: كلما زادت حالة عدم اليقين، ازداد بريق الذهب. فهذه الموجة الصعودية لا تعكس اتجاهات السوق فحسب، بل تعبّر أيضاً عن قلق عالمي متزايد تجاه الحروب التجارية، والتدخل السياسي، وعدم استقرار السياسات النقدية. وإذا استمر هذا المناخ المضطرب، فسيظل الذهب واحداً من الأصول القليلة التي يثق المستثمرون بأنها ستحافظ على قيمتها في عالم يزداد تقلباً يوماً بعد يوم.
وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية
