لماذا أميركا وبريطانيا تشنان حربا باردة ضد روسيا والصين؟

لماذا أميركا وبريطانيا تشنان حربا باردة ضد روسيا والصين؟

تتصاعد وتيرة الحرب الباردة الجديدة التي يشنها الغرب ضد الصين وروسيا يوماً بعد يوم. ففي أسبوع واحد، كُشف عن محاولات الكرملين لمعرفة أسرار بحث بريطانيا عن لقاح ضد فيروس كورونا، وهناك وعود بالكشف عن تدخل روسي سري في السياسة البريطانية. في غضون ذلك تراجع بوريس جونسون تراجعاً حاداً بشأن شركة هواوي، معلناً استبعادها من المشاركة في شبكة الجيل الخامس، لأنها تشكل تهديداً للأمن البريطاني. ومن الغريب أن هذا الاستبعاد سيكون بطيئاً وسيكتمل فقط في مدى سبع سنوات.

قد تضع الولايات المتحدة تطبيق الفيديو الصيني تيك توك المستخدم على نطاق واسع في قائمة سوداء، ما سيمنع الأميركيين من استخدامه. وتدرس الإدارة استخدام قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية لعام 1977 لمعاقبة تيك توك باعتباره “تهديداً غير عادي واستثنائي” لأمن الولايات المتحدة. ويقول الرئيس ترمب إنه يفكر في حظر التطبيق رداً على الطريقة التي تعاملت بها الصين مع جائحة فيروس كورونا.

يؤشر هذا إلى الدافع الرئيس وراء قرار ترمب بتصعيد الحرب الباردة ضد الصين. ويتمثل هذا الدافع في عزمه على الفوز بولاية ثانية في البيت الأبيض عن طريق صرف انتباه الناخبين عن تعامله الكارثي مع الوباء. وتنصح مذكرة من 57 صفحة تم تسريبها في أبريل (نيسان)، مرشحي مجلس الشيوخ الجمهوريين بـ”لا تدافعوا عن ترمب-هاجموا الصين”. وتوصي السياسيين الجمهوريين بإلقاء اللوم على الصين في اندلاع الوباء من طريق اتهامها بالسماح بخروج الفيروس من مختبر في ووهان، والكذب بشأنه، وتكديس المعدات الطبية اللازمة لعلاج المرضى.

من السمات البارزة للهجوم الدبلوماسي الأميركي والبريطاني ضد الصين، أنه كاد لا يتعرض إلى أي انتقادات، كما كانت المناقشات بشأنه نادرة في أي جزء من الولايات المتحدة وبريطانيا، حتى من قبل أولئك الذين يدينون تلقائياً أي شيء يقوله، أو يفعله ترمب، أو جونسون. وقد يرجع هذا إلى فزع هؤلاء النقاد حقيقةً من القمع الصيني المؤكد ضد الإيغور، ومقترح فرض الحكم الديكتاتوري على هونغ كونغ، وعرض العضلات العسكرية في بحر الصين الجنوبي، وعلى الحدود الصينية الهندية.

علاوة على ذلك، كما حدث في الحرب الباردة الأصلية في أواخر الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، يمكن تجاهل النقاد بكل ارتياح باعتبارهم مغفّلين، أو متعاطفين مع الشيوعيين. لذا ليس غريباً أن يخوض المرشح الديمقراطي للرئاسة جو بايدن في موضوع المواجهة مع الصين من خلال مطالبة الولايات المتحدة باتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه بكين، في حين تأمل مؤسسة الحزب الديمقراطي أن تتأجج حملتها المطوّلة لتصوير ترمب كصنيعة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتلحق به أضراراً جسيمة في الانتخابات.

وإذ لم يقنعني ادعاء ترمب بأن الصين مسؤولة في نهاية المطاف عن الكارثة المميتة المتمثلة في تعامل أميركا مع وباء فيروس كورونا، فإنني اعتبرت دائماً ادعاء هيلاري كلينتون خسارة الانتخابات الرئاسية لعام 2016 بسبب التدخل الروسي سخيفاً. فقد أظهرت جميع المراجعات التاريخية لحملتها الكارثية أنها خسرت لأسباب جلبتها لنفسها، مثل عدم القيام بنشاطات كافية في ولايات شمالية رئيسة مثل ويسكونسن، وبنسلفانيا، وميشيغان، (وهي الولايات التي فاز بها ترمب بفارق ضئيل).

من ناحيته، يُفسّر قرار بوريس جونسون بالانعطاف 180 درجة بخصوص هواوي، ببساطة عدم قدرته على تحمل الضغط الأميركي بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي واعتمادها أكثر على الولايات المتحدة. وتعتبر حالة الرضوخ لواشنطن في قضية هواوي الأولى من إهانات مماثلة ستأتي كنتيجة حتمية للبريكست. فبدلاً من استعادة السيطرة على مصيرها، ستكون بريطانيا بوريس جونسون أشبه بذات الرداء الأحمر، ضائعة في الغابة العالمية، يهددها كل ذئب عابر.

قد يكون هناك ما يكفي من السلوك الصيني، والروسي السيء لتبرير إجراء انتقامي، غير أن تضخيم التهديد له ميزة كبيرة في صرف الانتباه عن عدم كفاءة الحكومة البريطانية في التعامل مع هذا الوباء، وهو فشل لا يضاهيه سوى إخفاق الولايات المتحدة والبرازيل. ومن المحتمل جداً أن تكون المخابرات الروسية تبذل من خلال مجموعة “كوزي بير” السيبرانية جهوداً كبيرة لسرقة أسرار من الأوساط الأكاديمية الغربية، وشركات الأدوية التي تسعى إلى إنتاج لقاح ضد فيروس كورونا. ومن غير الواضح لماذا يجب أن تكون هذه المعلومات سرية، ما لم تكن تلك المؤسسات والشركات تخطط لاحتكار السيطرة على أي لقاح يجري إنتاجه، على عكس لقاح شلل الأطفال الذي أتاحته الولايات المتحدة للعالم عندما طوّره علماء أميركيون أول مرة في ذروة الحرب الباردة السابقة في الخمسينيات.

يتحدث رؤساء وكالات المخابرات البريطانية الحاليين، والسابقين في مقابلات صحافية جديةً حول التهديد للأمن البريطاني من قبل مخططات روسية وصينية. لكن لا يوضح هؤلاء طبيعة هذا التهديد، ويمكن لرؤساء المخابرات دائماً الادعاء بأن القيام بذلك من شأنه التفريط بمعلومات سرية لا ينبغي كشفها.

لطالما كانت لدي شكوك حول الادعاءات الرفيعة بشأن تفوق المخابرات البريطانية، التي أصبحت جزءاً من الأسطورة الوطنية البريطانية. فقد حلّت ملحمة فك رموز الشفرة الألمانية في الحرب العالمية الثانية محل هزيمة الأسطول الإسباني كمصدر للفخر الوطني والثقة بالنفس.

مع ذلك، لطالما تساءلت عن تلك الأسرار البريطانية العظيمة التي تتوق قوى أجنبية معادية إلى معرفتها والتي يجب حمايتها بأي ثمن.

فخلال حروب الشرق الأوسط على مر السنين، لم يبدُ المسؤولون البريطانيون الذين قابلتهم مطّلعين بشكل جيد على الإطلاق. ربما كانوا يتكتمون للغاية، أو أنهم كانوا خارج دائرة المطلعين على المعلومات الحيوية. ومع ذلك، عندما نُشر أخيراً تحقيق شيلكوت الشامل حول الإجراءات البريطانية خلال حرب العراق عام 2016، خلص إلى أن بريطانيا لم تكن تعرف جيداً كل ما كان يحدث في العراق قبل وبعد انضمامها إلى الغزو بقيادة الولايات المتحدة. وبخصوص الحرب الليبية في عام 2011، خلص تقرير لاذع صادر عن لجنة الشؤون الخارجية التابعة لمجلس العموم إلى أن بريطانيا كانت تفتقر إلى “معلومات استخبارية دقيقة”، أو لكثير من المعلومات عما كان يحصل.

بعد أربع سنوات، شنّت الحكومة البريطانية حملة قصف ضد داعش في سوريا، وسط الكثير من النقاش الغاضب، إذ سلّم جميع الأطراف بفكرة أن بريطانيا قادرة على القيام بأكثر من التهديد العسكري. ولكن بعد تسعة أشهر من القصف الذي نوقش كثيراً، كشف تقرير للجنة الدفاع في مجلس العموم برئاسة الدكتور جوليان لويس أن سلاح الجو الملكي البريطاني نفذ على مدى تسعة أشهر 65 غارة جوية فقط، لأنه لم يكن يعرف أين تختبئ داعش. ولم تتمكن الحكومة أيضاً من تحديد هوية الـ70000 المسلحين ممن قاتلوا ضد الأسد الذين يُفترض أن بريطانيا تدخّلت لصالحهم. لذا ليس مستغرباً انزعاج جونسون للغاية من انتخاب المتمرس الناقد لويس رئيساً جديداً للجنة المخابرات والأمن بمجلس العموم، بدلاً من كريس غرايلينغ، مرشحه سيء السمعة الذي يميل لارتكاب أخطاء فادحة.

من الممكن أن ننسى في ظل التهديدات والتهديدات المضادة للحرب الباردة الجديدة ، والهدف هو بالتأكيد أن ننسى، أن العالم يفشل في احتواء جائحة أودت بحياة نصف مليون شخص. ولم يسبق أن كانت وحدة الجهد العالمي ضرورية أكثر مما هي اليوم، بغض النظر عن الاختلافات التي قد تكون موجودة. كما لم يسبق أن كان التشرذم أشد ضرراً. وكما تساءل المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، وهو يمسح دموع الإحباط في وقت سابق من هذا الشهر، “كيف يصعب على البشر الاتحاد لمحاربة عدو مشترك يقتل الناس دون تمييز؟ “ألا يمكننا أن ندرك أن الانقسامات، والتصدّعات بيننا تصب في مصلحة الفيروس”؟

في الأسبوع الماضي، تلقى (المدير العام لمنظمة الصحة العالمية) الإجابة من محاربي الحرب الباردة في العالم، وكانت عبارة عن “لا” مدوية.

باتريك كوبيرن

اندبندت عربي