مزارع شبعا (هار دوف)، وهي المنطقة التي حدثت فيها الحادثة بين قوات الجيش الإسرائيلي وخلية حزب الله أمس، تستخدم منذ سنوات كساحة اللعب المفضلة للطرفين في كل مرة يشعر فيها التنظيم اللبناني أنه بحاجة إلى إغلاق حساب أو التنفيس عن نفسه ضد إسرائيل. هذه ساحة بعيدة لا توجد فيها قرى مدنية ويمكن فيها استيعاب حادثة بعيداً عن عيون الصحافة ونفي ذلك وإنهاء الأمر.
هذه أيضاً ساحة معروفة جيداً لقائد المنطقة الشمالية، أمير برعام: في العام 2005 عندما كان قائداً لوحدة مجلان ضرب جنوده خلية من القوات الخاصة لحزب الله، التي تسللت إلى مزارع شبعا كما يبدو بهدف اختطاف جنود (في الحادثة قتل أحد جنود غولاني، في قصف لأحد المواقع). وفي العام 2015 كقائد لوحدة الجليل (91) استعد برعام جيداً لعملية عبوات ناسفة لحزب الله في مزارع شبعا، التي انتهت بدون إصابات. الآن في هذه المرة يبدو أنه أنهى المواجهة المحلية مع حزب الله بنتائج جيدة بالنسبة لإسرائيل.
عملية حزب الله ظهر أمس جاءت رداً على هجوم لسلاح الجو نسب لإسرائيل في سوريا في منطقة دمشق قبل أسبوع. في القصف قتل ناشط من حزب الله. وحسب “معادلة الردع” التي وضعها الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله قبل نحو سنة، فسيكون هناك رد مناسب من لبنان على أي حادثة قتل لأحد مقاتليه في سوريا. نصر الله نفسه حافظ على الصمت منذ الهجوم في سوريا، لكن قنوات معلومات أخرى للتنظيم – نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم ومحرر صحيفة “الأخبار” اللبنانية إبراهيم الأمين لم يتركا مجالاً للشك بأن سيأتي رد عسكري خلال فترة قصيرة.
إن اختيار هذه الساحة للعمل يدل أيضاً في هذه المرة على أن حزب الله أراد تحقيق تأثير محدود دون التدهور نحو حرب، فلم تكن للتنظيم أي مصلحة حقيقية في الإشعال في الوقت الذي يغرق فيه لبنان في أزمة اقتصادية وسياسية شديدة ويتم اتهام نصر الله من خصومه بالمسؤولية الرئيسية عن تدهور الدولة. مع ذلك، يشعر حزب الله بالضغط من أجل العمل وعدم ترك الحساب مفتوحاً مع إسرائيل.
جزء من التفاصيل ما زال غامضاً، لكن يبدو أن قوات الجيش الإسرائيلي –جنود من لواء الناحل وطاقم من وحدة اغوز وطاقم دبابة- لم يتفاجأوا وتم إعدادهم جيداً للمهمة. مجندة في موقع المراقبة لاحظت وجود خلية لحزب الله أثناء تحركها نحو مزارع شبعا. عندما اخترقت الخلية مسافة نحو عشرين متراً داخل الأراضي الإسرائيلية في منطقة جبلية ليس فيها جدار حدودي أطلقت عليها نار الدبابات والرشاشات من مسافة بضع مئات من الأمتار. المقاتلون الشيعة تركوا المكان بسرعة. ولم يتم الإبلاغ عن مصابين في صفوفهم.
وليس بعيداً عن مكان التسلل ثمة موقع للجيش الإسرائيلي وشارع تستخدمه القوات التي تتحرك في المنطقة. ومزارع شبعا مغلقة دائماً أمام حركة السيارات المدنية. يمكن الافتراض أن الخلية جاءت لمهاجمة قوات الجيش الإسرائيلي في المكان، سواء بإطلاق نار القناصة أو تفجير عبوات ناسفة. ومما تم الإبلاغ عنه بشأن الطريقة التي عملت فيها، لا يبدو أن كانت هناك محاولة دقيقة بشكل خاص.
داخل الغطاء النباتي المتشابك في مزارع شبعا يصعب أحياناً إصابة الخصم الذي يتحرك بحذر، وحتى لو كان ذلك في وضح النهار. مع ذلك، يرفض الجيش الإسرائيلي الإجابة عن سؤال إذا ما تلقى الجنود أمراً بإطلاق النار من أجل القتل أم أن النية المسبقة كانت جعل نشطاء حزب الله يهربون دون التسبب بمصابين. يثور شك له أساس قوي بأن كان هناك قرار واع بشأن طريقة العمل الثانية، التي كان يجب اتخاذها من قبل المستوى الأعلى في إسرائيل. الخسائر في الحادثة كان يمكن أن تجبر حزب الله على رد آخر، بصورة تدهور الوضع على الحدود لفترة من الزمن. كما يبدو، ما يظهر كتعادل بدون إصابات يعدّ أمراً مريحاً بدرجة كبيرة للطرفين.
سؤال: هل يستطيع التنظيم الاكتفاء بذلك الآن في الوقت الذي تبلغ فيه إسرائيل بأن محاولته فشلت أم ستكون هناك محاولة أخرى قريباً. بعد الحادثة نشرت وسائل الإعلام اللبنانية رد حزب الله الذي جاء فيه بأن مقاتليه لم يطلقوا النار نحو الأراضي الإسرائيلية، وأن الرد على الهجوم في دمشق سيأتي لاحقاً. هذا كان أيضاً تقدير الاستخبارات الإسرائيلية مساء أمس. “القصة لم تنته بعد، وحزب الله سيحاول مرة أخرى”.
سيضطر نصر الله إلى الأخذ في الحسبان التقويم السنوي: الخميس، سيبدأ عيد الأضحى للمسلمين. ومواطنو جنوب لبنان المشغولون أصلاً في الأزمة الاقتصادية التي سلبت منهم مصادر رزقهم، بالتأكيد لا يريدون قضاء هذه الفترة في الملاجئ والأقبية.
في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الدفاع بني غانتس، حذر رئيس الحكومة نتنياهو نصر الله من أنه يلعب بالنار وأن أي عملية أخرى لحزب الله ضد إسرائيل ستكون خطأ سيكلف التنظيم ودولة لبنان رداً عسكرياً شديداً. من أقواله غاب التفسير التقليدي تقريباً في مثل هذه الظروف بأن إسرائيل غير معنية بالتصعيد.
نتنياهو يدير الأزمة الأمنية الجديدة في الشمال، وكذلك التوتر المستمر مع إيران، في ظل الشرخ الآخذ في الاتساع مع “أزرق أبيض”، حيث تستمر المداولات القضائية ضده. عملياً، يبدو أن الإمكانية الكامنة لاستغلال سياسي للحادثة الأخيرة هي إمكانية ضعيفة نسبياً بالنسبة له. الجمهور الإسرائيلي، بدرجة كبيرة مثل الذين يوجدون في الطرف الثاني من الحدود، ينشغل الآن في المقام الأول بفيروس كورونا والقلق على مصدر الرزق. ما بقي لنأمله في هذه الأثناء هو أن التوتر على الحدود سيخبو حتى المرة القادمة. والمشكلات الأخرى – الاقتصاد والصحة وتهديد الانتخابات الرابعة – ما زالت قائمة ولن تتلاشى قريباً.
القدس العربي