تركيا والتطورات الميدانية في شمالي سوريا

تركيا والتطورات الميدانية في شمالي سوريا

معمر فيصل خولي

قال نيوتن في قانونه الأول للحركة ” أن الجسم الساكن يبقى ساكن، مالم تؤثر عليه قوة ما” وما ينطبق على “الجسم” ينسحب أيضًا على الخارطة السورية، فهي أيضا تبقى ثابته ما لم يسعى الفاعلون إلى تحريكها . فبعد وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل، وتحذير نيتنياهو لبشار الأسد من “اللعب في النار”، وتقهقر محور المقاومة،

وتوتر العلاقة بين النظام السوري وإيران بسبب الاختراقات الأمنية واستهداف إسرائيل كل المواقع الإيرانية في سوريا، وعدم دعمه حزب الله خلال مشاركته في إسناد جبهة غزة. وانزعاج حزب الله من مواقف بشار الأسد بسبب هذا الابتعاد لدرجة أن الأخير لم يعز في اغتيال حسن نصر الله إلا بعد ثلاثة أيام موجها رسالة للمقاومة اللبنانية وليس للحزب!.وتعطيل إيران مسار التطبيع التركي السوري، والاستياء الروسي من الوجود الإيراني في سوريا، وتعطيل إيران أيضَا انضمام تركيا إلى تجمع “البريكس”، وانشغال روسيا في حربها بأوكرانيا.

رأت تركيا بكل هذه العوامل مجتمعة، التي تشكل المشهد الإقليمي الحالي، وبموافقة دولية، أن الوقت مناسب لتحريك الخارطة في شمالي غرب سوريا بما يخدم مصالحها. إذ يشكل أهمية استراتيجية حيوية لها. وعلى ضوء ذلك شنت المعارضة السورية ممثلة بهيئة تحرير والشام والفصائل المسلحة المتحالفة معها هجومًا مباغتًا على محافظة حلب التي تمكنت من السيطرة عليها في غضون ساعات.

 هناك من التحليلات السياسية العربية التي ترى أن التحرك التركي في هذا الظرف الدقيق الذي تمر به بيئة الشرق الأوسط، يثير بعض التساؤلات حول دوافعها، وترى أن تركيا تهدف من وراء هذا الهجوم على حلب تحريك أزمة جديدة من أجل تعقيد المشهد الإقليمي في الشرق الأوسط.

 يمكن القول أنه ليس مطلوب من تركيا أن تضبط توقيتها وفق ساعات الآخرين، فتركيا تتحرك  لإيجاد حل لأزمة رأت فيها إنها شكلت لها أزمة داخلية وهنا اقصد ملف اللاجئين السوريين على أراضيها، حيث سبّب هذا الملف لحزب العدالة والتنمية قلق جديد يضاف إلى قضايا القلق الاجتماعي الذي ورثته الدولة التركية منذ تأسيسها عام 1924م. فملف اللاجئين في تركيًا شكل عامل قلق سياسي واقتصادي واجتماعي، ولا بد من معالجته و كان سببًا في تراجع الحزب في الانتخابات المحلية التي أجريت في آذار/ مارس الفائت.

فتركيا كان من بين أسباب التطبيع مع نظام بشار الأسد إيجاد حل لملف اللاجئين عن طريق إنشاء منطقة آمنة في الداخل السوري لعودتهم، لكن هذا التطبيع اصطدم بالرفض الإيراني، فتركيا كانت تخشى على الدوام، نظرا للظروف المعقدة  في شمالي سوريا ان تنشأ موجة جديدة من المهاجرين السوريين إلى أراضيها مما يزيد من الأعباء علىها.

فحزب العدالة والتنمية لا يريد أن يذهب إلى أي استحقاق دستوري في المستقبل وملف اللاجئين السوريين لم يتم معالجته،  كي لا يستخدم ضده في من قبل الأحزاب التركية وفي النقاشات العامة، فالحزب يسعى في أن يتمكن في تصفير مشكلة اللاجئين في السياسة الداخلية التركية كما تمكن من تصفير المشكلات مع دول الجوار على مستوى السياسة الخارجية.

فتحرك تركيا عبر المعارضة السورية لم يأت من دافع الرغبة في التوسع على حساب الأراضي السورية وإنما حل لمشكلة هي في الأساس مشكلة سورية داخلية، وتحملت تركيا معها تبعاتها منذ سنوات. فاللوم لا يقع على تركيا، وإنما على النظام السوري الذي لم يتحرك خطوة إلى الأمام في سبيل إصلاح الشأن الداخلي أو تطبيق قرار مجلس الأمن 2554 لعام 2015م ، وإنما اعتمد على حلفائه في حماية نظامه وحماية الأمر الواقع، ظنًا منه أن هذا الأمر سيبقى خالدًا ونسي أو تناسى أن الحركة، هي من سنن الكون.

وحدة الدراسات التركية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية