الكويت – تواجه العديد من الدول الخليجية مشاكل مالية بسبب تراجع مبيعات النفط في السوق الدولية، وتباطؤ وتيرة البيع والشراء جراء استمرار وباء كورونا المستجد، الذي فرض قيودا على قطاعات عديدة.
ويكاد المشهد الجديد الذي أفرزته الأزمة الحالية يكون سابقة في التاريخ الحديث لدول الخليج لا سيما الكويت التي باتت تكافح من أجل تغطية نفقاتها.
وسلط تقرير لوكالة ” بلومبيرغ ” واقع تراجع مداخيل المحروقات وانعكاساتها على دول الخليج خصوصا الكويت التي سبق أن حذر وزيرها للمالية الأسبق أنس الصالح من الوصول إلى هذه المرحلة، في حال لم يتم تنويع اقتصاد الإمارة.
وقالت الوكالة الأميركية “إن وزير المالية الكويتي، أنس الصالح، عندما حذر في عام 2016 من أن الوقت قد حان لخفض الإنفاق والاستعداد للحياة بعد النفط، سخر منه الشعب الذي نشأ وتعود على تدفق لا نهاية له من الإيرادات النفطية”.
وأضافت “بعد 4 سنوات من تحذير وزير المالية آنذاك، تكافح اليوم واحدة من أغنى دول العالم لتغطية نفقاتها، حيث يثير الانخفاض الحاد في أسعار الطاقة أسئلة عميقة حول كيفية إدارة دول الخليج العربي لأموالها”.
وترك الصالح وزارة المالية، لينتقل إلى مناصب وزارية أخرى، ثم جاءت مريم العقيل، ورحلت بعد أسبوعين من اقتراح الكويت إعادة هيكلة رواتب القطاع العام، التي تعد أكبر عائق يرهق المالية العامة للدولة، ثم جاء براك الشيتان؛ ليحذر الشهر الماضي من عدم وجود ما يكفي من السيولة لدفع رواتب العاملين في الدولة بعد شهر أكتوبر.
وقضية إصلاح الاقتصاد الكويتي مطروحة بشدّة في الخطاب السياسي للبلد منذ سنوات، دون أن يتمّ بالفعل اتخاذ خطوات عملية في اتجاه تنويع المصادر والحدّ من الهدر ومحاربة الفساد الذي يوصف بأنّ معدّلاته مرتفعة.
وتتحمّل الدولة الكويتية أعباء كبيرة بسبب سخاء التقديمات الاجتماعية، وهي ظاهرة تعود إلى سنوات الوفرة المالية التي عرفتها البلاد بسبب ارتفاع أسعار النفط، وهو وضع يصعب تغييره اليوم بسرعة دون أن يتسبّب في صدمة اجتماعية بعد أن اعتاد الكويتيون على مستوى عال من الرفاهية.
ويرى خبراء أن ترشيد الإنفاق أصبح ضرورة ملحة وأن الأزمة الحالية تمثل فرصة أخيرة لتجاوز عقبات تنفيذ الإصلاحات، التي طال تأجيلها والبدء بتنويع الموارد والتخلص من الطابع الريعي للاقتصاد لتخفيف مخاطر تقلبات أسعار النفط.
ويقول الخبراء إن الحكومة الكويتية أمام استحقاق حتمي لتسريع الإصلاحات وخفض الإنفاق، وأن الأزمة ستساعدها في تجاوز الرفض البرلماني والشعبي لخطط التقشف.
ويشيرون إلى أن الكويت تأخرت في وضع القوانين الكفيلة بتسريع ونجاعة الإصلاح إضافة إلى ضرورة تعديل وتطوير القوانين القديمة بما يتلاءم مع الوضع العالمي الاقتصادي. وتهيمن على الاقتصاد الكويتي القوانين التقليدية، حيث تسيطر الدولة على جميع القطاعات المنتجة، وتجد صعوبة في تقليص الإنفاق بسبب الرفض السياسي والشعبي لأي تقليص للإعانات والدعم الحكومي، في وقت لا يزال فيه دور القطاع الخاص محدودا في تخفيف الأعباء عن الدولة.
واعتبر اقتصاديون أن تلك الأوضاع طاردة لرأس المال المحلي والأجنبي، مما يعرقل تنويع الموارد المالية وزيادة مساهمة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، حيث ينحصر دوره في مساحة ضيقة من المجالات الصناعية البسيطة.
ولم تتخلّص الكويت حتى في رؤيتها 2035 التي أعلنتها منذ سنوات من اعتمادها على عوائد النفط في تمويل الوظائف الحكومية، حيث يعمل أكثر من 75 في المئة من المواطنين الكويتيين في القطاع العام، إضافة إلى الإعانات الحكومية الباذخة لقائمة طويلة من الخدمات والسلع.
ولم تظهر حتى الآن أي آثار تذكر لبرنامج الإصلاحات الكويتي، الذي طرح لأول مرة في عام 2010، والذي يسعى إلى تنويع الاقتصاد، وتقليل الاعتماد على عوائد الريع النفطي، وتقليص الإنفاق الحكومي ودور القطاع العام في توظيف المواطنين.
ولا تزال الكويت تعتمد على النفط الذي يمثل نحو 90 بالمئة من الإيرادات المالية للدولة، ويمكن أن يبلغ إجمالي مزايا السكن والوقود والطعام 2000 دولار شهريًا لعائلة متوسطة، كما تمتص الرواتب والإعانات ثلاثة أرباع الإنفاق من قبل الدولة.
وتصاعدت مطالب الأوساط الاقتصادية بتسريع معالجة الاختلالات المالية بعد أن فاقم الوباء المؤشرات السلبية التي ترجح تسجيل عجز قياسي في الموازنة، مع انهيار عوائد صادرات النفط.
وتشير الوكالة الأميركية إلى أن الكويت لا تزال لديها الأموال، ولكن الكثير منها، في صندوق الهيئة العامة للاستثمار الكويتية- رابع أكبر صندوق في العالم، والذي يقدر بنحو 550 مليار دولار، فيما ظهرت اقتراحات تدعو للسحب من صندوق الأجيال، المخصص لضمان الازدهار بعد نفاد النفط.
وقالت وكالة “بلومبيرغ” “بدأ صندوق الثروة في البحث عن آليات الإنقاذ بالفعل، كما يعكف البرلمان على دراسة لوقف استقطاع نسبة 10بالمئة من عائدات النفط التي تذهب إلى صندوق الأجيال، لكنها أكدت أن كل ذلك لا يكفي لتغطية عجز الميزانية”.
ولمعالجة الأزمة المالية، يتعين على الحكومة الاقتراض، للمرة الأولى منذ إصدار سندات دولية في عام 2017، في ظل تحذيرات الشيتان بشأن عدم قدرة الدولة على سداد الأجور، في الوقت الذي يواصل محاولاته لإقناع المشرعين بدعم خطط اقتراض تصل إلى 65 مليار دولار.
العرب