الجوانب القانونية والدستورية لإلغاء اتفاق خور عبد الله: السيادة العراقية عند مفترق طرقا

الجوانب القانونية والدستورية لإلغاء اتفاق خور عبد الله: السيادة العراقية عند مفترق طرقا


الباحثة شذا خليل*

سيادة وطن تُنتهك
إن قرار المحكمة الاتحادية العليا في العراق عام 2023 بإلغاء القانون رقم 42 لسنة 2013، المتعلق بالمصادقة على اتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبد الله بين العراق والكويت، أعاد فتح باب الجدل حول السيادة العراقية، والاختناق الاقتصادي، والأبعاد القانونية والسياسية وحتى العسكرية المحتملة لهذا الملف الحساس.

فالمسألة ليست قانونية فقط، بل تمس عمق سيادة العراق على مياهه الإقليمية ومنافذه البحرية، وتؤثر على كرامته الوطنية واقتصاده وأمنه القومي. إنها مسألة كرامة وطنية… والكرامة لا تُساوَم.

أولاً: الأساس القانوني لقرار المحكمة
استند قرار المحكمة إلى خلل دستوري في عملية المصادقة على الاتفاقية، حيث اعتبرت أن التصويت لم يتم بأغلبية الثلثين كما ينص عليه الدستور العراقي في المادة 61/رابعاً. وبالتالي، فإن القانون الذي صدّق الاتفاقية باطل من الناحية الدستورية، دون أن يمسّ ذلك جوهر الاتفاقية ذاتها أو مضمونها السياسي أو الدولي.

ومع أن القرار في جوهره تقني ودستوري، إلا أنه أثار تداعيات سياسية ودبلوماسية كبيرة، داخليًا وخارجيًا، وأعاد طرح تساؤلات جوهرية حول سيادة العراق على ممره البحري الاستراتيجي.الان يوجد ضغوطات على محكمة الاتحادية لإلغاء القرار السابق الذي أصدر محكمة الاتحادية العليا

ثانياً: لماذا لجأ رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء إلى الطعن؟
إن تقديم طعنين منفصلين من قبل رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني أمام نفس المحكمة، يعكس قلقاً بالغاً في أعلى هرم السلطة العراقية. وقد استندا في طعنهما إلى المادة 8 من الدستور التي تُلزم الدولة باحترام التزاماتها الدولية، وإلى اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969، وتحديداً المادة 27، التي تمنع الدول من التذرع بقوانينها الداخلية لتبرير عدم تنفيذ الاتفاقيات الدولية.

هذه الخطوة تعكس محاولة لتجنب المساس بمصداقية العراق الدولية، وفي الوقت نفسه احتواء الغضب الشعبي المتصاعد داخل العراق بسبب ما يراه الكثيرون اتفاقية مجحفة وتهديداً للسيادة الوطنية.

ثالثاً: خور عبد الله… اتفاق ملاحي أم خنق استراتيجي؟
خور عبد الله ليس مجرد ممر مائي مشترك، بل هو الشريان البحري الوحيد للعراق إلى العالم. وأي مساس بحق العراق في هذا الممر يُعتبر خنقاً اقتصادياً مباشراً.

ويعتقد الكثير من العراقيين أن:

الاتفاق منح الكويت تفوقاً استراتيجياً في الملاحة.

الترسيم لم يتم وفق قاعدة “خط الثالفيغ” (thalweg) التي تحدد الحدود على أساس أعمق جزء في المجرى الملاحي، بل تم التقسيم على منتصف المجرى، مما يحد من قدرة العراق على استخدام ممراته البحرية.

الاتفاق تم في ظروف ضعف سياسي وأمني واقتصادي للعراق بعد 2003.

وتكمن الخطورة في أن هذه الاتفاقية ساهمت في تقييد حركة السفن العراقية، وأضعفت الاقتصاد الوطني الذي يعتمد بشكل أساسي على الموانئ الجنوبية، وفي مقدمتها ميناء أم قصر.

رابعاً: خلفية تاريخية… اتفاقيات تحت الضغط
من اتفاقية العقير عام 1922 إلى قرار مجلس الأمن 833 لعام 1993، كان العراق باستمرار ضحية لقرارات ترسيم حدود تم فرضها عليه في فترات ضعف أو احتلال. ويرى كثيرون أن اتفاقية خور عبد الله لعام 2012 ليست استثناء، بل استمرار لهذا النمط من الإملاءات.

بل إن التصويت على الاتفاقية عام 2013 في البرلمان العراقي، والذي وُصف من قبل معارضيها بأنه “تصويت مخزٍ”، أثار موجة استياء كبيرة، خاصة أن الاتفاق جرى تمريره وسط خلافات حادة، ودون مناقشة وطنية شاملة.

خامساً: الأبعاد السياسية والأمنية
تتعدى تداعيات هذه القضية البعد القانوني لتأخذ طابعاً جيوسياسياً. فالكويت تطالب بإتمام ترسيم الحدود البحرية بدعم واضح من مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة، مما يضع العراق أمام تحدٍّ حقيقي: هل يلتزم باتفاق لم يصادق عليه بطريقة دستورية؟ أم يعيد التفاوض رغم الضغوط الدولية؟

بعض الأصوات داخل العراق تطالب بمراجعة شاملة لاتفاقية خور عبد الله، وحتى بإعادة النظر في قرار مجلس الأمن 833، الذي يعتبره كثيرون مصدر التنازل عن السيادة البحرية.

وفي ظل هذا التصعيد، لا يمكن استبعاد سيناريوهات التوتر العسكري، وإن لم تكن مطروحة علنًا في الوقت الحالي.

سادساً: بين القانون الدولي والحق الوطني
صحيح أن القانون الدولي يقدّس استقرار الحدود والاتفاقيات، لكنّه أيضاً يعترف بعدم شرعية الاتفاقيات التي تم توقيعها تحت الإكراه أو في ظروف غير متكافئة.

العراق اليوم يمتلك الحق القانوني، والسياسي، والتاريخي، لفتح هذا الملف، خاصة إذا استطاع إثبات أن الاتفاقية تمت في ظروف لا تعكس الإرادة الوطنية الكاملة، أو أنها تُضرّ بمصالحه الحيوية.

سابعاً: ما المطلوب الآن؟
يجب على العراق:

إطلاق حملة دبلوماسية شاملة لتوضيح موقفه للعالم.

المطالبة بإعادة التفاوض على أساس مبدأ الثالفيغ، لضمان حقوقه الملاحية.

اللجوء إلى المحكمة الدولية إذا لزم الأمر.

تعزيز قدراته البحرية لحماية مياهه وموانئه دون اللجوء إلى التصعيد.

خاتمة: احذروا غضب العراقيين
الرسالة واضحة: سيادة العراق وحقوقه البحرية والاقتصادية ليست محل مساومة. قرار المحكمة الاتحادية، وإن كان تقنياً في ظاهره، إلا أنه أعاد فتح جرحاً قديماً، ورفع صوتاً عالياً مفاده أن العراق لن يرضخ بعد الآن.

احذروا غضب العراقيين… فهم شعب لا ينسى، ووطن يستعيد عافيته، ولن يتخلى عن حقه، لا في البحر، ولا في الأرض، ولا في الكرامة.

وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية