اياد العناز
جاء خطاب أمير الكويت مشعل الأحمد الصباح يوم الجمعة العاشر من آيار/ مايو الحالي مضامين سياسية وإجتماعية حددت المسارات المستقبلية لقاعدة الحكم في الكويت واوجه الصراعات العائلية في البيت السياسي، بعد أن أعلن الأمير مشعل عن حركة تجديد في القواعد الرئيسية لقيادة البلاد ومواجهة جميع الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي رافقت حكم الأمير السابق.
اندرجت مراحل التجديد عبر حل مجلس الأمة وتعطيل مواد الدستور في البلاد لأربع سنوات وتولى الأمير الحالي ومجلس الوزراء الاختصاصات المخولة بمجلس الأمة وإصدار قوانين بمراسيم أميرية قانونية، وجاءت القرارات لتعبر عن رؤية ميدانية خالصة وفكر قيادي استلم تجربة الحكم عندما عمل وليًا للعهد وقائدًا للحرس الوطني والأجهزة الأمنية، فأعلن عن مسوغات التجديد قبل افتتح جلسة مجلس الأمة المنتخب ب ( 4) أيام وقبل أن يتم تشكيل الحكومة الكويتية الجديدة، وهذا يعطي انطباع عن شخصية قيادية محورية لم يشهدها الحكم الكويتي خلال عقود ماضية من الزمن، مما يعني أنه قد اتخذ جميع الإجراءات وحدد الأهداف والغايات والوسائل الكفيلة بأنجاح خطواته في التجديد.
وأن الاختبار المناسب لتعطيل فقرات محددة إنما جاءت ضمن عملية تعويم لدور مجلس الأمة ووضع جميع الصلاحيات بيد أمير البلاد ورئيس الوزراء، الفقرة 51 أبعدت مجلس الأمة عن السلطة التشريعية وجعلتها بيد الأمير، في حين أن الفقر تين 2و3 من المادة 56 جعلت اختيار الوزراء من قبل رئيس الوزراء المكلف دون أي اختيار مفروض من أعضاء المجلس، وايقاف عرض المراسيم الوزارية على مجلس الأمة بموجب تعطيل الفقرة 70، ثم جعل المصادقة على اي قانون من واجبات أمير البلاد وفق المادة 79، ومنحت المادة 107 الأمير صلاحية مجلس الأمة، وعطلت المادة 174قيام المجلس بتنقيح مواد الدستور،
ومنعت المجلس من تعطيل اي حكم في الدستور وفق المادة 181.
جاءت هذه التوقيفات الدستورية بعد التأزم الخطير في المشهد السياسي الكويتي وقيام غالبية أعضاء مجلس الأمة باستخدام الديمقراطية وسيلة منافعهم وغاياتهم الشخصية وعدم مراعاتهم لكل النصح والإرشاد التي تقدم بها الأمير مشعل عندما كان وليًا للعهد والتي حد بموجبها الإخفاقات والسلبيات التي يواجهها عمل المجلس وأصبحت جميع المنافذ والطرق مسدودة أمام معالجة الواقع المرير، مما ساهم في أن تكون المواجهة فاعلة بعد تسنم قيادة البلاد بوفاة الأمير الشيخ نواف،وعدم التردد في اتخاذ القرار المناسب للحفاظ على مستقبل الكويت ومقدرات الشعب، وبعد أن حل الفساد في جميع مرافق الدولة ومنها الإقتصادية والأمنية وسوح العدالة والقضاء، وقيام أعضاء مجلس الأمة باستخدام طرق الابتزاز والتهديد السياسي لعدد من الوزراء والمسؤولين الكبار عبر جلسات الاستجواب واعتبرها طريقاً للوصول المكاسب والمنافع المادية مما يؤدي إلى تحطيم اركان الدولة وأسسها وهيكلية الحكم فيها، ولهذا كان التهديد واضحًا الفاسدين من أعضاء المجلس فإن لا أحد فوق القانون ومن نال من المال العام دون حق سوف يناله العقاب اين كانت صفته او موقعه، وهي إشارة دقيقة البدأ بعملية تطهير المؤسسة التشريعية والتنفيذية.
أحدثت هذه الأزمة واقعًا سياسيًا واقتصاديًا خطيرًا خاصة مع التعطيل المتواصل للقوانين والإصلاحات الإقتصادية التي حاول بعض النواب من التدخل عبرها لتحقيق مصالح شخصية، مما أعاق أي تقدم وإصلاح حكومي داخلي وخارجي وفضلًا عن اتساع سلطات المجلس الذي أصبح بمثابة سد منيع أمام عملية الإصلاح بدل أن يكون دافعًا لها
ولا شك أن هذه القرارات الجريئة ستثير ارتياح المواطنين الكويتيين الذين ملوا من الفوضى السياسية ومن عرقلة الفساد لمصالحهم ومصالح بلادهم.
وتؤكد هذه القرارات ان الأمير مشعل لا يريد إضاعة المزيد من الوقت والصبر على برلمان يقوم على فكرة التعطيل ويتعامل مع الحكومة كخصم وليس كشريك في مهمة النهوض بواقع البلاد التي كانت مرتهنة لصالح أجندات خاصة وصراعات محتدمة بين دوائر نفوذ من داخل الأسرة الحاكمة ومن خارجها والتي أدت إلى التفريط بمصادر الثروة الوطنية أو استخدامها للاستنزاف.
ويعلم أمير الكويت الحالي ان بلاده تعيش أزمات متتالية منذ سنوات بسبب الخلافات المستمرة والصراعات بين الحكومات التي يعينها الأمير والبرلمانات المنتخبة انتخابًا مباشراً، الأمر الذي أعاق جهود الإصلاح الإقتصادي وعطل كثيراً من المشاريع التنموية التي تحتاج إليها البلاد.
وبرزت ملامح الأزمة الحالية بداية شهر نيسان 2024 بعد صدور مرسوم أميري بتأجيل انعقاد أولى جلسات مجلس الأمة إلى 14 أيار الجاري، علمًا أن الموعد المقرر كان 17 نيسان الماضي.
ثم عين أمير الكويت الشيخ أحمد عبدالله الأحمد الصباح رئيساً جديداً لمجلس الوزراء في 15نيسان 2024 وطلب منه تشكيل الحكومة الجديدة.
وعقد عدة نواب عند الإعلان عن اختيار رئيسًا للحكومة الحالية اجتماعًا شددوا خلاله على ضرورة إبعاد رئيس الوزراء المكلف الشيخ أحمد العبدالله، وأي عناصر وزارية غير مرغوب فيها من الشعب، محذرين رئيس الوزراء من استخدام صلاحياتهم وأدواتهم الدستورية كافة، إذا لم يلتزم بالأصل الدستوري في الحكومة الجديدة.
وهذه من الأمور الجوهرية التي سارعت في اتخاذ القرارات الأميرية بتعطيل مجلس الأمة لأنهم بدأوا وكأنهم أوصياء على أمير البلاد وعلى اختيار الوزراء بل امتد الأمر إلى محاولته اختيار ولي العهد القادم.
وكان لافتا توعد مجموعة من النواب باستجواب وزراء متوقع تسميتهم في الحكومة الجديدة، وعلى رأسهم وزير الداخلية بالوكالة فهد اليوسف، وذلك فيما يتعلق بملف سحب الجنسيات،
كما توعد نواب باستجواب وزيري الاتصالات والمالية مع أولى جلسات البرلمان الجديد، وهو ما اعتُبر مؤشرًا على الصدام بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، ما يعني عدم التعاون الذي يفضي عادة إلى حل الحكومة أو المجلس.
وهذا ما أوصل الحال في الكويت في الأيام التي سبقت خطاب الأمير مشعل، ووصل التوتر في المشهد السياسي الكويتي ذروته برفض أعضاء المجلس محاولات تأجيل جلسة الافتتاح، وتعذر رئيس الحكومة المكلف على اختيار تشكيلته الوزارية الجديدة.
جاء الخطاب الأميري ليؤكد على ضرورة تجديد البيروقراطية الحكومية والحاجة للتنمية المجتمعية من خلال الرقابة المسؤولة والمسألة الموضوعية الجادة في إطار الدستور والقانون والسعي لفرض القانون واحترام دور الأجهزة الأمنية وتمتين أواصر الوحدة الوطنية داخل المجتمع الكويتي.
ان الفكر السياسي والتجربة الأمنية الميدانية التي يتحلى بها الأمير الشيخ نواف ومدى العلاقة الرصينة التي بناها مع المؤسسات العسكرية والأمنية والتي تتسم بالذكاء واختيار الفرص المناسبة وتحديد أولويات الحكم عبر تغيير الجذري وحكومة جديدة ورؤية مستقبلية تحافظ على وحدة المجتمع، كفيلة بتحديد السبل والغايات للنجاح التحديد الذي أتى به في خطابه الأخير.
وحدة الدراسات الخليجية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية