من السرديات الشائعة التي ظهرت خلال العام الماضي حول التوترات الإيرانية – الأمريكية أنه خلال عدة مناسبات – ولا سيما بعد مقتل قائد «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني قاسم سليماني في كانون الثاني/يناير – كانت إيران والولايات المتحدة “على قاب قوسين أو أدنى من الدخول في حرب”. وعزّز مسؤولون إيرانيون هذه السردية حيث شجعوا الاعتقاد بأن اشتباكاً محلياً قد يتصاعد بسهولة ليصبح حرباً “شاملة” – في إطار مساعيهم لردع الولايات المتحدة. وعزّز هذه السردية على نحو مماثل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي أعلن في حديث خاص لمذيعي التلفزيون في شباط/فبراير وبجرأته المعهودة، أن الحرب مع إيران كانت “أقرب مما تعتقدون”. كما تناقل هذه السردية أيضاً العديد من الصحفيين و الأكاديميين ومحللي مراكز البحوث. ومع ذلك، فإن هذه النسخة المقبولة على نحو واسع من الأحداث تشوّه الحقيقة، وتمنع الفهم الواضح للإجراءات الإيرانية والأمريكية، وتعيق استجابة سياسية فعالة.
لقد ارتكزت حملة الضغط المضاد التي أطلقتها إيران في أيار/مايو 2019 ضدّ سياسة “الضغط الأقصى” التي مارستها الولايات المتحدة (والتي تَمثل هدفها الظاهري بإبرام اتفاق أفضل مع إيران يشمل القضايا النووية والإقليمية والعسكرية) على أنشطة في “المنطقة الرمادية” بين الحرب والسلام. وشملت هذه الأنشطة هجمات سرية أو غير معترف بها على البنية التحتية وعمليات نقل مواد بتروكيماوية في الخليج، وهجمات بالوكالة ضد جنود أمريكيين في العراق، وعمليات سيبرانية سرية. وبالفعل، قد تكون إيران هي أبرز دول العالم التي نفذت عمليات في المنطقة الرمادية (رغم أن الصين وروسيا استخدمتا أيضاً أسلوب العمل هذا لفترة طويلة). ولما يقرب من أربعة عقود، واجه الأمريكيون صعوبات في فهم “طريقة الحرب” غير المتكافئة هذه والرد عليها بفعالية.
وتجري الجهات الفاعلة العاملة في المنطقة الرمادية اختبارات لتحديد ما يمكنها الإفلات منه. فهي تنخرط في أنشطة سرية أو غير معترف بها بالوكالة لكي تحتفظ بالقدرة على الإنكار وتتجنب المواجهة الحاسمة مع الخصم. وهي تعوّل على أفعال تصاعدية من أجل إحاطة نواياها بالغموض، وجعل أعدائها غير متأكدين من كيفية الردّ. كما تنظم أنشطتها من حيث الزمان والمكان – فتحدد وتيرتها ومكانها الجغرافي – لكي لا يشعر صناع القرار لدى الخصم بأنهم تحت الضغط للتصرف بتهور. وهذا ما يمكّنها من تحدي خصوم أقوى والمضي قدماً بأجنداتها الخاصة وسط إدارة المخاطر ومنع التصعيد وتجنّب الحرب. وفي المنافسات الجارية في المنطقة الرمادية، لا يوجد خط واضح المعالم يحدد المرحلة الانتقالية من السلم إلى الحرب. وبالأحرى، هذه صراعات ضبابية وغامضة وبطيئة تتسم بذروات تصعيدية عرضية وفترات هدوء بين الحين والآخر.
وتعمل استراتيجية المنطقة الرمادية التي تعتمدها إيران من خلال الاستفادة من عدد من الاختلافات في طريقة تفكير وعمل كل من طهران وواشنطن. وأهم هذه الاختلافات هي ذات طابع مفاهيمي. فصناع القرار الأمريكيون يميلون إلى وصف الحرب والسلام مع إيران (وكذلك مع الجهات الفاعلة الحكومية المهمة الأخرى مثل الصين وروسيا) بعبارات حازمة ومزدوجة، ولطالما كبّلهم الخوف من التصعيد – مما أتاح الفرص أمام إيران (ودول أخرى) للتصرف في المنطقة الرمادية “بطريقة وسطية”. (ويكمن الاستثناء الرئيسي في هذا المجال – وهو عموماً استثناء حديث نسبيًا – في الميدان السيبراني). وفي المقابل، تميل طهران إلى اعتبار الصراع حالة مستمرة. وعليه، فإن الميدان الرئيسي ضمن صراعات المنطقة الرمادية هو المسألة الرمادية المبهمة التي تهيمن على عقول صناع السياسة الأمريكيين الذين يعتقدون أن صداماً محلياً يمكن أن يتطور بطريقة ما وبسرعة إلى حرب شاملة. وغالباً ما تكون النتيجة تقاعس الولايات المتحدة، مما يمنح الجهات الفاعلة في المنطقة الرمادية على غرار إيران حرية أكبر في التصرف.
ولا تستند مصلحة طهران في تجنب الحرب وتفضيلها تنفيذ عمليات في المنطقة الرمادية إلى حسابات عابرة لمصالح النظام؛ بل إنها سمة متجذرة بعمق لثقافة النظام الاستراتيجية التي تنعكس في أسلوبها في الحرب، فضلاً عن استراتيجية الجمهورية الإسلامية في عهد آية الله علي خامنئي. إنها إحدى موروثات الحرب الإيرانية-العراقية التي لا تزال قائمة، والتي أودت بحياة نحو ربع مليون إيراني وتركت البلاد بجروح لم تلتئم بعد. وإيران عازمة على عدم تكرار هذه التجربة ثانية. وعلى نحو مماثل، بالنسبة للولايات المتحدة، فإن الحروب الطويلة والمكلفة التي خاضتها في أفغانستان والعراق غرست في وعي الأمة رغبة قوية في تجنب أي “حروب أبدية” مستقبلية في الشرق الأوسط.
وبالتالي، فإن أسلوب عمل طهران بالكامل يهدف إلى منع التصعيد وتجنب الحرب. وخلال الأشهر السبعة الأولى من حملة الضغط المضاد التي أطلقتها في ربيع عام 2019، كانت كافة الهجمات التي نفذتها إيران غير فتاكة – من حيث تصميمها. فقد قامت القوات الإيرانية بزرع ألغام ملتصقة على هياكل ناقلات النفط، واستهدفت طائرات استطلاع أمريكية بدون طيار، كما نفذت هجمات دقيقة ضد منشآت نفط سعودية لم يجرِ تزويدها سوى بعدد قليل من الموارد البشرية. وعندما لم تحث هذه الخطوات الأولية واشنطن على الرد عسكرياً، أو رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة أو التخفيف منها، بعد انسحابها من الاتفاق النووي مع إيران في عام 2018، قامت الجمهورية الإسلامية بالتصعيد ضمن المجال المتاح أمامها بسبب التقاعس الأمريكي بتنفيذها سلسلة من الهجمات الصاروخية التي ازداد عددها تدريجيًا في العراق بواسطة وكيلها «كتائب حزب الله»، إلى أن لقي أمريكي حتفه هناك في أواخر كانون الأول/ديسمبر. وأدى ذلك إلى إطلاق سلسلة من الأحداث – ضربة أمريكية مضادة أودت بحياة 25 عنصراً من رجال ميليشيا «كتائب حزب الله»، ومظاهرات عنيفة أمام السفارة الأمريكية في بغداد نفذها وكلاء موالين لإيران (مما أجج ذكريات سيئة لأزمة الرهائن التي شهدتها السفارة الأمريكية في طهران بين عامي 1979 و1981، وقتل السفير الأمريكي كريستوفر ستيفنز عام 2012 من قبل إرهابيين ليبيين)، وتغريدات متهكمة من قبل خامنئي بأن أمريكا “لا تستطيع أن تفعل شيئاً” – مما دفع الولايات المتحدة إلى استهداف سليماني وقائد «كتائب حزب الله» أبو مهدي المهندس في أوائل كانون الثاني/يناير.
ومع ذلك، عندما ردّت إيران بعد خمسة أيام بضربة صاروخية على قاعدة “الأسد” الجوية، أرسلت بذلك تحذيرًا مسبقًا إلى الحكومة العراقية لكي يتسنى للأمريكيين المتواجدين فيها الوقت للاختباء. (وكانت الاستخبارات الأمريكية قد رصدت بدورها مؤشرات تحذيرية على وقوع ضربة صاروخية وشيكة). بعد ذلك، أشارت كل من الولايات المتحدة وإيران علناً بأنهما تعتبران الجولة الحالية منتهية، على الرغم من استمرار إطلاق الصواريخ ضد موظفين ومنشآت تابعة للولايات المتحدة في العراق منذ ذلك الحين. ولاحقاً، حذر خامنئي من أن الجمهورية الإسلامية “لن تنسى أبداً استشهاد الحاج قاسم سليماني… وسوف توجه حتماً ضربة مماثلة إلى الولايات المتحدة”.
يجب أن يُظهر هذا التسلسل للأحداث أن الولايات المتحدة وإيران لم تكونا على شفا الحرب في كانون الثاني/يناير لعدة أسباب. أولاً، تشير الأحداث التي أعقبت مقتل سليماني إلى أن إدارة المخاطر والتصعيد كانت من أولويات كل من طهران وواشنطن؛ ومنذ ذلك الحين لم يحدث أي شيء من شأنه تغيير هذا التقييم. ثانياً، لفنرة دامت أكثر من 40 عاماً، تجنبت إيران والولايات المتحدة الدخول في حرب – رغم عمليات الخطف والهجمات التي تدعمها إيران في لبنان والسعودية والعراق والتي أودت بحياة مئات الأمريكيين؛ والاشتباكات التي حصلت في البحر قرب نهاية الحرب الإيرانية-العراقية التي أسفرت عن مقتل عدد كبير من البحارة الإيرانيين؛ وإسقاط الولايات المتحدة العرضي لطائرة ركاب إيرانية عام 1988 مما أدى إلى مقتل جميع ركابها البالغ عددهم 290؛ إلى جانب العديد من الحوادث الأخرى. وأخيراً، منذ عام 2017، شنت إسرائيل مئات الهجمات على البنية التحتية العسكرية الإيرانية في سوريا، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 8 عناصر من “الحرس الثوري الإيراني” (وفقاً لمصادر إيرانية) من دون إشعال فتيل الحرب.
ومع ذلك، فإن التاريخ حافل بأمثلة عن حروب حصلت بسبب حسابات خاطئة – وحتى الآن، أجرت كل من الولايات المتحدة وإيران مثل هذه الحسابات الخاطئة مرة واحدة على الأقل. وقد تجاوزت سياسة الضغط الأقصى الأمريكية خطاً أحمر إيرانياً يعود إلى ثمانينيات القرن الماضي، والذي ينص على أنه إذا لم تتمكن إيران من تصدير النفط، فسوف تعمل على منع أي دولة خليجية أخرى من تصديره أيضاً. ومن خلال سعيها إلى وقف صادرات النفط الإيرانية، حشرت واشنطن طهران في الزاوية ودفعت بها إلى إطلاق حملة ضغط عسكرية مضادة – وهو رد لم تكن الولايات المتحدة مستعدة له بشكل غير مفهوم. وبالمثل، تجاوزت إيران خطًا أحمر أمريكياً إثر إقدامها على قتل مواطن أمريكي – ومن خلال حث وكلائها على التخطيط لاحتجاجات عنيفة أمام السفارة الأمريكية في بغداد في كانون الأول/ديسمبر 2019، فمن المحتمل أن تكون قد ساهمت في قرار الولايات المتحدة باستهداف سليماني والمهندس. ومع ذلك، تُظهر هذه الأحداث أنه في حين قد تكون الحسابات الخاطئة ممكنة، إلا أنها من الضروري أن لا تؤدي إلى تصعيد خارج عن السيطرة أو إلى حرب شاملة – رغم أنه يجب أن ننتظر لنرى ما إذا كان مقتل سليماني ضربة متقنة أو حساباً خاطئاً آخر.
وهناك طرق أخرى قد يدخل بها الطرفان في صراع أوسع نطاقاً. فقد تميل طهران إلى إطلاق مفاجأة في تشرين الأول/أكتوبر (على سبيل المثال، ربما اغتيال مسؤول أمريكي أو تنفيذ ضربة عسكرية مذلة) لتخريب آمال ترامب بالفوز بولاية ثانية – على الرغم من أن هذا الأمر قد تكون له ارتدادات عكسية ويمنح الرئيس الأمريكي دعماً في الانتخابات بسبب تأثير حشد الشعب حول راية البلاد. وقد يوفر أيضاً ذريعة لرد عسكري أمريكي صارم. وإذا لم يفز ترامب بولاية ثانية، قد تعمد طهران إلى شن ضربة قبل “يوم التنصيب” الرئاسي لتكون بمثابة وداع انتقاماً لمقتل سليماني، وإذا فاز ترامب بولاية ثانية، فسيتعين على طهران أن تقرر ما إذا كانت ستطلق أزمة عسكرية لتحفيز الدبلوماسية التي قد تسفر عن اتفاق أكثر شمولاً مع واشنطن، أو ستتجنب استفزاز رئيس منتصر وغير منظّم في بعض الأحيان. غير أن هذين السيناريوين سينطويان على استخدام محدود للقوة من قبل إيران، ويبدو من غير المرجح أن يتخلى ترامب فجأة عن مبدأ أساسي لرئاسته ويورط الولايات المتحدة في “حرب أبدية” أخرى في الشرق الأوسط قبل الانتخابات مباشرة، أو بعد فشل محاولة الفوز بولاية ثانية أو في بداية ولاية ثانية. ولكن إذا نفذت إيران ضربة قبل الانتخابات الأمريكية أو بعدها بفترة وجيزة، فإن احتمال حدوث مجموعة مقلقة من الردود الانتقامية يبقى قائماً. حتى أن بعض أعضاء الإدارة الأمريكية قد يرحبون بالتسبب بأزمة مع إيران عشية الانتخابات.
علاوةً على ذلك، إذا أصبح خامنئي عاجزاً أو توفي، قد يقرر المتشددون في «الحرس الثوري الإيراني» اعتماد مقاربة أكثر تقبلاً للمخاطر تجاه الولايات المتحدة: فقد يشنون هجوماً جريئاً انتقاماً لمقتل سليماني ويدفعون بالولايات المتحدة إلى سحب ما تبقى من قواتها من المنطقة. ومن المرجح أن ينذر تولي المتشددين في “الحرس الثوري الإيراني” مناصب قيادية في حقبة ما بعد خامنئي، بحقبة من التوترات والصراعات المحتدمة بين الولايات المتحدة وإيران.
ومن الأمور الأخرى التي قد تؤدي إلى التصعيد هي العمليات السرية الأمريكية (والإسرائيلية) المزعومة في إيران وضد المصالح الإيرانية في المنطقة. وقد تشمل أنشطة مثل التخريب الذي لحق بخط أنابيب نفطي تحت الماء في حزيران/يونيو 2019 قبالة الساحل السوري المستخدم لنقل النفط الخام من ناقلات إيرانية إلى مصفاة بانياس، وانفجار مركبة لإطلاق قمر صناعي إيراني قبل إطلاقه في آب/أغسطس 2019، وهجوم مزعوم في تشرين الأول/أكتوبر 2019 على ناقلة نفط إيرانية في البحر الأحمر. وربما لعبت الولايات المتحدة أيضاً دوراً في حادثة تخريب منشأة إيرانية رئيسية لتخصيب اليورانيوم في نطنز، والتي نسبتها التقارير إلى إسرائيل.
وبالإضافة إلى هذه الحالات من التخريب المتعمّد على ما يبدو، وقعت سلسلة من الحرائق والتفجيرات في مواقع صناعية في جميع أنحاء البلاد خلال الأشهر الثلاثة الماضية. ومثل هذه الحوادث شائعة نوعاً ما في إيران، بسبب البنية التحتية المتداعية للبلاد وغياب ثقافة السلامة. ووفقاً لدراسة أجراها “معهد الولايات المتحدة للسلام”، فإن عدد مثل هذه الحوادث التي وقعت في الفترة بين أيار/مايو ومنتصف تموز/يوليو 2019 (97 حادثة على الأقل) هو نفس العدد تقريباً لتلك التي حدثت خلال الفترة نفسها من هذا العام (83 حادثة على الأقل). لذلك، في حين قد تكون بعض هذه الحوادث نتيجة عمليات تخريب أو هجمات سيبرانية، إلّا أنه يبدو على الأرجح أن معظمها لم يحدث بسبب هذه العمليات.
ومع ذلك، فإن التقارير التي تبدو جيدة المصدر من الولايات المتحدة وإسرائيل تعزز الانطباع بأن البلدين ربما يخوضان حملاتهما الخاصة ذات التركيز الضيق والمستوى المتدني في المنطقة الرمادية ضد إيران من خلال عمليات تخريب وهجمات سيبرانية على البنية التحتية النووية ومنشآت البحث والتطوير الاستراتيجية. وسواء كان هذا صحيحاً أم لا، ليس أمراً مهماً – فالتصورات هي التي تهم الآن. وهنا تكمن العقدة الأساسية: يتم الحفاظ على درجة من الإنكار عندما تكون حملات المنطقة الرمادية أكثر نجاحاً بشكل عام. وعندما يؤكد المسؤولون حقاً الأنشطة الدائرة في المنطقة الرمادية من خلال تسريبات إعلامية أو غيرها من الوسائل – سواء لأغراض شخصية أو سياسية أو دعائية – فإنهم يتجنبون بعض مزايا عمليات المنطقة الرمادية. وعندما تترافق الإجراءات السرية التي تهين النظام مع ممارسة المزيد من الضغط على طهران – مثل جهود الولايات المتحدة لإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة في أعقاب المساعي الفاشلة لتمديد الحظر المفروض على عمليات نقل الأسلحة إلى إيران – تزداد احتمالية قيام إيران بتصعيد موقفها إذا ما قررت الانتقام وعندما تقرر ذلك. لكن التصعيد – حتى لو كان من غير المحتمل أن يؤدي إلى اندلاع حرب – ليس في مصلحة الولايات المتحدة، لأنه يخاطر بتسليط الضوء على حدود الردع الأمريكي فضلاً عن عجز واشنطن عن حماية أفرادها وأصولها، وعدم استعدادها للدفاع عن حلفائها. ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني، هناك فرصة ضئيلة ثمينة للتفاوض بشأن اتفاق جديد مع إيران في هذه المرحلة. ويؤدي الضغط المتزايد إلى زيادة مخاطر التصعيد لتحقيق مكاسب عملية قليلة.
لذا، في حين أن الادعاءات بأن إيران والولايات المتحدة كانتا على “شفا الحرب” تتصدر عناوين الأخبار المثيرة، إلا أنها لا تعكس الواقع. فبغية النجاح في منافسات المنطقة الرمادية، يجب تنحية المفردات وطرق التفكير المستمدة من تجربة أمريكا التقليدية في خوض الحروب جانباً، لأنها تجعل الوضع قاتماً أكثر مما تنيره وتشوش صفاء الفكر المطلوب لتجنب المزيد من التصعيد مع إيران. وفي الوقت نفسه، يجب أن يكون صناع السياسة الأمريكيون قد تعلموا من التجارب الأخيرة مع إيران وألا يقللوا من شأن الخصم أو يبالغوا في تقدير قدرتهم على ردع الأعمال المزعزعة للاستقرار. فلا يجب الاستهانة بالعدو، كما أنه يجب مقارنة المكاسب المحتملة التي يوفرها مسار العمل المتوخى باحتمال التصعيد وإلحاق الضرر بسمعة أمريكا ومصداقيتها – وكذلك بقوة الردع الأمريكية في المستقبل.
مايكل آيزنشتات
معهد واشنطن