عندما ضربت الصواريخ الأرمنية مدينة كنجة الأذربيجانية في الرابع من تشرين الأول/أكتوبر، سقطت بشكل خطير بالقرب من خط أنابيب نفط رئيسي. ويمتد هذا الخط غرباً من حقول بحر قزوين قبالة شواطئ باكو إلى جورجيا وتركيا، ويصل في النهاية إلى ميناء جيهان على البحر المتوسط، الذي تنقل منه الناقلات النفط إلى إسرائيل وعملاء أجانب آخرين.
وبالفعل، كانت أذربيجان مزوداً موثوقاً لمصافي التكرير الإسرائيلية في حيفا وأشدود. ورغم خطاب تركيا اللاذع تجاه القدس، كانت أنقرة راضية عن الحفاظ على التدفقات النفطية التي تدر عليها رسوم عبور وافرة سواء من خلال خط الأنابيب أو الشحن. بدورها، طورت أذربيجان علاقة دبلوماسية وأمنية وثيقة مع إسرائيل التي زودتها بطائرات بدون طيار ومعدات عسكرية أخرى يتم استخدامها في الأعمال العدائية الأخيرة. وتشير تقارير إعلامية إلى أن طائرة شحن أذربيجانية نقلت ذخائر من إسرائيل قبل بدء القتال.
واستاءت أرمينيا من هذه التصرفات، بحيث استدعت مؤخراً سفيرها في تل أبيب للمشاورات. وكانت أرمينيا قد فتحت سفارتها للمرة الأولى في تل أبيب قبل أسبوعين – على الرغم من أن البلدين أقاما علاقات دبلوماسية منذ حصول أرمينيا على استقلالها عام 1991. وفي 5 تشرين الأول/أكتوبر، اتصل الرئيس الأرمني أرمين سركيسيان بنظيره الإسرائيلي رؤوفين ريفلين لطلب وقف الرحلات [التي تحمل ذخائر إسرائيلية إلى باكو]، غير أن ريفلين رد بأن العلاقات الإسرائيلية مع أذربيجان “لا تستهدف أي طرف”. وقد يكون للتوترات الأخيرة العديد من التداعيات الجيوسياسية الأخرى أيضاً، لأن كلاً من أرمينيا وأذربيجان تتشاركان حدوداً مع إيران، وقد وقعت أرمينيا معاهدة دفاعية مع روسيا، كما هناك خط أنابيب آخر ينقل الغاز الطبيعي من باكو إلى أوروبا.
وتعود جذور الصراع بين أرمينيا (ذات الأغلبية المسيحية) وأذربيجان (ذات الأغلبية من المسلمين الشيعة) إلى حقبة ستالين، عندما تم إنشاء الجمهوريات السوفيتية التي تحمل ذات الإسم. ولتعويض الخطر الناتج عن المشاعر القومية المعادية لموسكو، تمّ ترسيم حدودهما لتشمل مزيجاً من المجتمعات في كلا الجمهوريتين. وقد اندلع القتال الرئيسي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، عندما حقق الأرمن في إقليم ناغورنو كاراباخ الأذري شبه استقلال وجعلوا منطقة سيطرتهم متصلة بأرمينيا. وبدأ القتال الأخير على ما يبدو من قبل أذربيجان وبدعم من تركيا؛ وجاء ذلك في أعقاب مناوشات حصلت في تموز/يوليو، قُتل خلالها جنرال أذربيجاني.
وتعمل إسرائيل على تعزيز تحالفها مع الأذربيجانيين على مدى ثلاثة عقود، وكان للعلاقة فائدتان تتمثلان في تعزيز إمدادات النفط وتوطيد العلاقات التجارية المثمرة مع تركيا. واليوم، أمام إسرائيل خيار منطقي واحد على الأقل للتعويض عن أي تغيير في المسار يطرأ على هذه الإمدادات، لكن تطبيق هذا الخيار قد يهدد علاقاتها مع باكو وأنقرة على حد سواء. وفي 2 تشرين الأول/أكتوبر، أعلنت إسرائيل والإمارات والولايات المتحدة عن استراتيجية طاقة مشتركة نابعة من معاهدة السلام التاريخية بين أبوظبي وتل أبيب. وإلى جانب المشاريع المحتملة الخاصة بالتنقيب عن الغاز والطاقة الشمسية، أفادت بعض التقارير أن هذه الدول ناقشت ضخ منتجات النفط الإماراتية المكررة عبر خط الأنابيب الذي لا يُستخدم بطاقته الكاملة والذي يمتد من ميناء إيلات الإسرائيلي على البحر الأحمر إلى ميناء أشكلون على شاطئ البحر المتوسط. وتم بناء هذا الخط أساساً لنقل النفط الإيراني قبل الثورة الإسلامية عام 1979، وقد يتمتع بالقدرة الاحتياطية لتعويض واردات النفط الإسرائيلية من أذربيجان.
وقد يكون مثل هذا الحل انتصاراً دبلوماسياً للإمارات، التي تعارض أساساً ضلوع تركيا في الصدع الخليجي مع قطر ودعمها للحكومة المعترف بها دولياً في ليبيا. وبالنسبة لإسرائيل، قد تكون القدرة على شراء النفط الإماراتي مغرية من الناحيتين الاقتصادية والتقنية. ومع ذلك، فإن قيامها بهذه الخطوة يهدد بتقويض علاقاتها الجيدة مع أذربيجان وروابطها التجارية المتقلصة مع تركيا والتي لا تزال مهمة.
سايمون هندرسون
معهد واشنطن