بغداد – فشل تحالف سني جديد، تدعمه إيران وتركيا، في إقالة رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي، لكنه تمكن من شق كتلة سياسية كبيرة، محولا إياها إلى شطرين شبه متساويين في الحجم والتأثير.
ومنذ أيام يقود رئيس البرلمان الأسبق أسامة النجيفي، أبرز حلفاء تركيا في العراق، جهودا مكوكية للإطاحة بالحلبوسي من منصب رئيس البرلمان وحرمانه من امتياز خوض الانتخابات المبكرة المقرر إجراؤها صيف العام 2021، وهو رئيس للسلطة التشريعية، وهو أمر يمكن أن يلعب دورا حاسما في خريطة التصويت المتوقعة.
ويسود تصوّر على نطاق واسع في السياسة العراقية أن شاغل المنصب الرسمي الكبير لديه دوما فرصة أكبر من منافسيه الآخرين خلال التنافس الانتخابي.
وفي حالة الحلبوسي فإن مخاوف منافسيه يجب أن تكون كبيرة، لأن صعوده السياسي كان صاروخيا على حد وصف مراقبين يعتقدون أن الشاب الذي لم يكمل عامه الـ40 بعدُ صنع تجربة نجاح مثيرة في معقل سني تعرض لدمار كبير، وهو محافظة الأنبار، التي تعرف بالمنطقة الغربية من العراق.
وتسلم الحلبوسي إدارة الأنبار بعد استعادتها من تنظيم داعش مباشرة،عندما كانت خزائن البلاد شبه خاوية.
وبالرّغم من حجم الدمار الذي أصاب مدنها، وأبرزها الرمادي والفلوجة وهيت خلال سيطرة داعش عليها ثم خلال عملية استعادتها، نجح الحلبوسي في قيادة حملة إعمار عاجلة أظهرت للمحافظة وجها لم تألفه محافظات الوسط والجنوب ذات الأغلبية الشيعية، ما وضعه في دائرة الخطر السياسي.
وعندما تولى الحلبوسي رئاسة البرلمان في 2017 تمكن من تشكيل تكتل سني كبير ساعده في توسيع دائرة زخمه السياسي ووضعه في مصاف زعماء الخط الأول، بالرغم من حداثة تجربته السياسية على الصعيد الشخصي.
وفي هذه الأثناء، كان الفرقاء ينظرون إلى الحلبوسي بوصفه خطرا مزدوجا، فهو تذكار للمناطق الشيعية بأن ممثليها السياسيين فشلوا في خدمتها، وهو خطر داهم على جميع منافسيه السنة.
وعندما تبنى الحلبوسي خيار الدوائر المتعددة في قانون الانتخابات تصدى له رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، أحد أبرز رجال إيران في العراق، بشراسة.
ومستغلاّ الأجواء السياسية السنية الخائفة من تمدد الحلبوسي السريع، دعّم المالكي جهود أسامة النجيفي ليلتقي الاثنان مع رغبات رجل الأعمال السني خميس الخنجر المقيم في تركيا، حيث قرر الجميع أن بقاء رئيس البرلمان الحالي في منصبه لم يعد أمرا ممكنا.
ومساء الجمعة، استضاف النجيفي في منزله ببغداد لقاء حضره ممثلون عن المشروع العربي بزعامة خميس الخنجر وحزب الجماهير بزعامة أحمد أبومازن، حلقة الوصل المباشرة مع المالكي، وأطراف أخرى لمناقشة خطة إقالة الحلبوسي.
ووفقا لساسة شاركوا في الاجتماع فإن المشاركين لم يتمكنوا من تحقيق الإجماع السني اللازم لإقالة رئيس البرلمان، وهو الشرط الذي وضعته القوى الشيعية والكردية للموافقة على خيار استبدال الحلبوسي.
وبالرّغم من فشلهم في إقالة الحلبوسي إلا أنّ المجتمعين تمكنوا من تحقيق اختراق كبير لجهود رئيس البرلمان في حشد الثقل السياسي السني الأكبر خلف مشروعه، إذ أعلنوا أنهم جمعوا تواقيع نحو 30 نائبا سنيا لتشكيل كتلة نيابية جديدة، ما يعني أن عدد النواب السنة المؤيدين لرئيس مجلس النواب تراجع إلى ما دون الأربعين.
ويقول مراقبون إن هذا التطور سيعيد المكون السني إلى حالة التشرذم السياسي التي بلغت أوجها قبيل سقوط المدن السنية بيد تنظيم داعش صيف 2014، عندما كان التناحر الداخلي بين ممثلي هذه المدن هو السنّة الغالبة على أدائهم.
ويقول مقرّبون من الحلبوسي إن نوري المالكي هو الداعم الأول لحراك إقالة رئيس البرلمان، الذي يتمسّك بمقترح الدوائر المتعددة لكل محافظة عراقية، خلال الانتخابات المقبلة.
ويدرك المالكي أن تعدّد الدوائر في محافظات الوسط والجنوب سيقضي على فرصه في لملمة شتات مشروعه السياسي الذي تعرض للعديد من الضربات القاضية منذ خسر سباق الولاية الثالثة في منصب رئيس الوزراء أمام حيدر العبادي العام 2018.
ويتوزع جمهور المالكي في عدد من المحافظات، لكنه يتوزع أيضا على مستوى المحافظة الواحدة، كما في كربلاء والبصرة. ومن دون اعتبار المحافظة كلها دائرة واحدة ستضيع أصوات جمهور المالكي وستقل المقاعد التي يحصل عليها في البرلمان.
ومن دون عدد وازن من المقاعد لا يمكن ضمان مكان على طاولة الكبار في عالم السياسة العراقي.
لكنّ الحلبوسي يعتقد أن الدوائر المتعددة هي الفرصة الأخيرة أمام المكوّن السني في العراق ليستعيد عدد مقاعده الطبيعي في البرلمان وهو نحو 90 مقعدا في 2010.
وخلال عمليات الاقتراع التالية انخفض عدد المقاعد السنية في البرلمان إلى نحو 70 بسبب حسابات معقدة تتعلق بالنزوح الناجم عن دخول تنظيم داعش والتغيير الديمغرافي في بغداد وبابل وكركوك وديالى.
ووفقا لمصادر مطلعة فإن الحراك السياسي السني ضد الحلبوسي ربما يستمر في غضون الأيام القليلة القادمة، بالرغم من اختيار البرلمان صيغة وسطى للدوائر الانتخابية، فلا تكون المحافظة كلها دائرة واحدة كما يريد المالكي ولا تكون دوائر عدة حسب عدد أقضيتها ونواحيها كما يريد الحلبوسي.
العرب