تقول التقارير إن أكثر من 42 مليون أميركي أدلوا بأصواتهم، مبكرا، في المنافسة الرئاسية، حتى الآن، وذلك قبل يوم التصويت المقرر في الثالث من الشهر القادم، وإن الكفة، حسب الاستطلاعات المشبوهة المسيرة المبرمجة، متعادلة بين الديمقراطي والجمهوري، لغاية الآن، والمتوقع أن تكون متعادلة أيضا بعد انتهاء العملية الانتخابية بسلام. وقد يفوز أحدهما بفارق ضئيل.
وهذا معناه أن الشعب الأميركي متعصب لأحد الاثنين، ظالما أو مظلوما، عاقلا أو مجنونا، متطفلا على الزعامة أم غير متطفل، تماما كما يحدث عندنا في عالمنا الثالث المريض.
فمن مجمل سلوك الحزب الديمقراطي الأميركي، على الأقل منذ أن نجح دونالد ترامب في انتزاع الرئاسة من دكاكين المحاصصة السياسية والمالية والأخلاقية المتوارثة في واشنطن، ثبت أن الوطنية ومصلحة المواطن الأميركي العليا ليست هي المحرك الذي يصنع أدواته التي يحارب بها خصمه الجمهوري.
فبعد متابعة المناظرتين التلفزيونيتيْن بينهما، وبعد أربع سنوات من الاقتتال الدامي بين المعسكرين، ثبت أن الأسوأ من ترامب هو جو بايدن، والأسوأ من جو بايدن هو دونالد ترامب نفسُه، دون ريب.
فترامب لا يصلح إلا لفنادقه وباراته ونوادي قماره، وجو لا يناسبه أكثر من وظيفة مُحصل في حافلة لنقل الركاب.
والذي يخرج به المتابع المحايد لحفلات الردح والقدح والتجريح والتشهير التي شهدناها بين المرشحين لرئاسة العالم، وليس لرئاسة أميركا وحدها، هو أن الناخب الثابت على ولائه لهذا أو لذاك ليس عادلا ولا عاقلا، وأن الشحن العاطفي هو وحده المحرك الذي يسوق المجاميع خلف هذا أو ذاك.
ولو كان هذا الناخب مخلصا لوطنه ولمصالحه العليا، كما كنا نتوهم، لانفضّ من كليهما، ولراح يبحث عن ثالث تتوفر فيه الزعامة الحقيقية المفقودة في هذه الأيام.
فقد علمنا التـاريخ البشري الطويل أن القيادة تُولد مع الفرد، لا تؤخذ ولا تُعطى ولا تُدرس في الجامعات، ولا تشترى من الصيدليات.
وفي المناظرة التلفزيونية الأخيرة تكشفت حقيقة المرشح الديمقراطي. فقد أثبت هو نفسه أنه لا يختلف عن قيس الخزعلي العراقي، ولا عن حسن نصر الله اللبناني، ولا عن الحوثي في اليمن غير السعيد. فهو يشتم ويسخر ويكذب ويراوغ ويدعي، ثم ينكر كل فضيلة في خصمه اللدود.
ثم وجدنا ترامب، من جانبه، يجيد الشتم واللطم والتجريح الشخصي والضرب تحت الحزام تماما كما يفعل نوري المالكي عندنا في العراق، وأردوغان في جارتنا العزيزة تركيا، وعلي خامنئي في شقيقتنا الكبرى إيران.
وكما يحدث عندنا في دولنا المصابة بالشلل النصفي يحدث في أميركا. فرغم افتضاح السطحية والغوغائية والشوارعية في الحوار بين اثنين سيقود أحدهما الكرة الأرضية في السنوات الأربع القادمة، فإن الناخبين الذين تتوقف على أصواتهم مسألة الفوز متمترسون وراء هذا، ومتجيشون وراء ذاك، لا ينقصون ولا يزيدون.
وفي المحصلة النهائية ثبت أن عربا أميركيين كثيرين منحوا، أو سيمنحون أصواتهم لدونالد ترامب، وذلك لسبب واحد لا يوجد غيره، هو خوفهم من إيران وأردوغان وقطر وجماعة الإخوان.
وشيء أخير، أن أهم ما يراهن عليه الاثنان، معا، هو أن كليهما نتنياهو، وإن لم يضع القبعة اليهودية على رأسه.
ولله في خلقه شؤون.
العرب