يترقب العالم نتيجة الانتخابات الرئاسية التاسعة والخمسين في تاريخ الولايات المتحدة، صاحبة أكبر اقتصاد عالمي، التي تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر في الاقتصادات حول العالم، لا سيما أنها تأتي وسط أجواء غير مسبوقة مشحونة بتداعيات جائحة كورونا من جهة، واختلاف السياسات الاقتصادية لمرشحي الرئاسة من جهة أخرى.
وحث الرؤساء التنفيذيون في “وول ستريت” وقطاع المال على التحلي بالحذر مع عدم وضوح الفائز المتوقع في الانتخابات خلال الساعات التي تلت إغلاق مراكز التصويت، مما ينذر بعملية مطولة لعد الأصوات تبقي الأسواق والشركات في حالة ترقب وانتظار.
وعلى الرغم من أن الرئيس الجمهوري دونالد ترمب قدم لقطاع المال إعفاءات ضريبية ضخمة ومكاسب تتعلق بتخفيف القيود التنظيمية، فإن فترته الرئاسية الأولى اتسمت بالضبابية والتقلبات، لا سيما على صعيد التجارة الدولية.
الذهب يستفيد وهذه مكاسبه خلال ولاية ترمب
تشير توقعات المحللين إلى أنه على الرغم مما تسببت فيه الانتخابات في تشتيت المستثمرين بالأسواق، فإنها لم يكن لها تأثير واضح على الذهب، إلا أن المعدن النفيس سيكون الرابح أياً كان الفائز بمنصب الرئيس رقم 46 في تاريخ الولايات المتحدة.
وسجلت أسعار الذهب ارتفاعاً 57 في المئة خلال فترة رئاسة ترمب منذ يناير (كانون الثاني) 2017، حتى الآن، بينما صعد مؤشر ستاندرد أند بورز 500 بنسبة 48.8 في المئة، وهو ما يشير إليه الرئيس الأميركي كثيراً مقياساً للنجاح.
وذكر المحللون أن المكاسب القصيرة الأجل للدولار الأميركي قد تتلاشى بفوز بايدن، بينما قد يستمر الارتفاع مع نجاح ترمب، الذي يعني مزيداً من التأخير في إقرار حزمة التحفيز المرتقبة، التي من شأنها إنعاش الدولار والأسهم، خصوصاً إذا استمرت سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب.
وعلى الرغم من معارضة ترمب خطة التحفيز، التي تؤخر إنعاش قصير الأجل للأسهم، فإن “وول ستريت” تفضل ترمب عن بايدن، فخلال السنوات الأربع الماضية سجلت “وول ستريت” مكاسب قياسية نجحت خلالها في تجاوز مستويات ما قبل الأزمة المالية العالمية.
ضرائب جديدة
بدوره، قال مينا رفيق، محلل أسواق المال العالمية، إنه مع ترجيح مؤشرات نتائج الانتخابات فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن في السباق الرئاسي، واستحواذ الديمقراطيين على الكونغرس الأميركي، فإن هذه النتيجة ستضر بأرباح الشركات بشكل مباشر عبر فرض ضرائب جديدة، على رأسها الشركات العاملة بقطاع التكنولوجيا، التي استفادت من أزمة كورونا.
وأشار إلى أن الاقتصاد الأميركي قد يتأثر أيضاً بتوجهات بايدن نحو الإغلاق لمواجهة انتشار فيروس كورونا، لافتاً إلى أنه في المقابل قد يستفيد الاقتصاد من الحزم التحفيزية التي قد يقرها الديمقراطيون.
وكشف رفيق عن أنه من المتوقع في حال خسارة الجمهوريين الانتخابات الأميركية، ستكون هناك استفادة مؤكدة لصالح الاقتصاد العالمي نتيجة هدوء التوترات التجارية بين أميركا والاتحاد الأوروبي وخفض التعريفات الجمركية التي أقرها ترمب، وتخفيف الأعباء عن القطاع الصناعي وصناعة السيارات.
سياسات التعاون
المحلل الاقتصادي الأول لدى شركة “أوربكس”، عاصم منصور، تساءل: “هل بالضرورة خسارة الجمهوريين تعني خسارة الاقتصاد العالمي؟ الإجابة لا من وجهة نظري، حيث يفضل الحزب الديمقراطي اتباع سياسات التعاون الدولي وإبرام اتفاقات تجارية مع الدول، إضافة إلى اقتناع الحزب بسياسة السوق الحرة، ولهذا قد يستفيد كثير من الدول من تلك السياسة، خصوصاً الأسواق الناشئة، عكس دونالد ترمب الذي يفضل اتباع سياسة الحماية الاقتصادية”.
ولفت إلى أن جون بايدن أبدى تعاونه مع الصين كقوة عالمية، لتعزيز سبل الاستفادة على كلا الجانبين، وعزز من احتمالات رفع العقوبات من على إيران والعودة إلى المحادثات، الأمر الذي يشير إلى انفتاح الولايات المتحدة على المحادثات الدولية تحت ولاية بايدن في حال فوزه.
وقال إن ذلك سينعكس على أداء النمو العالمي وتعزيز النشاط التجاري على كل الأصعدة، مشيراً إلى أنه على الرغم من ذلك قد تتضرر بعض القطاعات على الصعيد المحلي، لا سيما قطاع النفط والطاقة مع تأييد بايدن رفع الضرائب على الشركات، إضافة إلى تأييده الاقتصاد الأخضر وتخصيص تريليوني دولار للتقليل من الانبعاثات الكربونية.
ويراهن المستثمرون على ما يبدو على سلطة مشتتة في الولايات المتحدة خلال السنوات المقبلة، بكونغرس منقسم بين مجلس نواب ذي غالبية ديمقراطية ومجلس شيوخ يسيطر عليه الجمهوريون مع احتمال وصول رئيس ديمقراطي إلى البيت الأبيض، لكن الوقت يُداهم، مع تسجيل مئة ألف إصابة بفيروس كورونا في 24 ساعة في الولايات المتحدة، ما يعيد تحريك الشكوك حول نهوض أول اقتصاد عالمي.
خفض الضرائب
من جانبه، قال معاذ حسني، رئيس قسم الأبحاث وتحليلات السوق لدى شركة “بي إن ماركتس” العالمية، إنه مع احتمال خسارة الجمهوريين فإن العالم سيفقد تميز السياسة التي قادها ترمب خلال فترة توليه منصب الرئاسة، التي هدفت لتخفيض ضريبة الأفراد والشركات، وإلغاء قانون الرعاية الصحية الأميركي “أوباما كير”.
وأوضح أن ترمب قاد سياسات الحماية التجارية ومنع الهجرة ورفع القيود والأحكام على قطاع المال وقطاع الطاقة، ما ساعد أسواق العمل الأميركية من اختفاء نسبة البطالة تقريباً قبل تفشي جائحة كورونا.
وأضاف أن السياسة الاقتصادية الخاصة بالحزب الجمهوري، الذي ينتمي إليه ترمب، تعتمد على دور الأسواق الحرة والتقدم الفردي والتوسع الرأسمالي، بحيث إنها ترى هذه العوامل كأساس للازدهار بالاقتصاد.
وأشار إلى التحسن الملحوظ في دخل الأسر الأميركية، الذي من الممكن أن تفقده مع نجاح بايدن، مشيراً إلى أن ما تعهد به في حال أمسك بزمام الأمور رئيساً للولايات المتحدة، فإنه سيقوم بزيادة الضرائب الشخصية وضرائب الشركات بشكل كبير، ما يزيد المخاطر على أسواق الأسهم.
وقال إن الولايات المتحدة قد تفقد سياسة الرئيس الحالي ترمب الذي كان يدفع بكل قوته لمزيد من الاستثمار في النفط والغاز والفحم، لجعل أميركا مكتفية ذاتياً من الوقود الكربوني. في المقابل، قد يسبب بايدن كثيراً من الصعوبات لشركات النفط والغاز من خلال الضرائب المرتفعة، وسيزيد من التسهيلات والدعم للطاقة المتجددة.
وأوضح أن التغيير الشامل في السياسة الاقتصادية القائمة للولايات المتحدة مع فوز جون بايدن سينعكس على السوق العالمية والقيمة الشرائية للدولار مقابل العملات المقابلة له.
خالد المنشاوي
اندبندت عربي