ارتفع سعر خام برنت لأول مرة خلال الأعوام الأخيرة متجاوزا حاجز 43 دولارا للبرميل، وسط أنباء عن تجارب ناجحة للقاح فيروس كورونا الذي طورته شركة “فايزر” (Pfizer) الأميركية.
لكن رغم هذا الارتفاع يقول الكاتبان فاليري فورونوف وإرينا تسيروليفا في تقرير نشرته صحيفة “إيزفستيا” (Izvestia) الروسية إن سيناريو هبوط أسعار النفط إلى مستوى 25 دولارا في النصف الأول من 2021 يبقى قائما بقوة بعد فوز جو بايدن بالانتخابات الرئاسية الأميركية، إذ من المتوقع أن يرفع الرئيس الجديد العقوبات المفروضة على إيران، مما سيؤدي إلى ارتفاع الإنتاج، مع استمرار انخفاض الطلب عالميا في ظل تزايد معدلات الإصابة بفيروس كورونا.
وتقول مديرة الأبحاث في مركز فيغون الروسي للاستشارات ماريا بيلوفا إن تطورات أزمة كورونا تمثل عاملا رئيسيا يؤثر على الأسعار، وهذا الوضع سيستمر -حسب رأيها- إلى نهاية عام 2021.
ويؤكد الخبراء أن الأسعار ستتأثر حتما بمدى نجاح دول أوبك بلس في الحفاظ على سقف الإنتاج في حدود ما تفرضه معدلات الطلب العالمي على النفط، وفي أفضل الحالات سيكون سعر البرميل ما بين 40-45 دولارا، لكن في أسوأ الحالات قد يصل إلى 25 دولارا.
ويقول ألكسندر رازوفاييف مدير قسم التحليل في شركة “ألباري” (Alpari) إن الاعتقاد السائد منذ فترة طويلة هو أن أسعار النفط تنخفض في ظل حكم الرؤساء الديمقراطيين وترتفع مع الجمهوريين، لكن هذا الأمر غير دقيق من وجهة نظره.
من جانبه، يرى أرتيم ديف المحلل الرئيسي في شركة “إيه ماركتس” (Amarkets) أن الأسعار لا تتغير بالضرورة مع تغير رئيس الولايات المتحدة، موضحا أن سوق النفط يتأثر أساسا بالتوازن بين العرض والطلب وببعض القرارات السياسية التي يمكن أن تحدث اضطرابا في الأسواق، كما يرى أن نية جو بايدن رفع العقوبات المفروضة على إيران والعودة إلى الاتفاق النووي قد تلعب دورا رئيسيا في تحديد أسعار النفط.
قدرة بايدن على تشجيع السياسة المراعية للمناخ تعد محدودة إلى حد كبير ما لم تتغير تركيبة مجلس الشيوخ (رويترز)
الطاقة البديلة
هناك عامل آخر من شأنه التأثير بشكل واضح على أسعار النفط، وهو الدعم الذي ينوي الرئيس الأميركي المنتخب تقديمه لتطوير مشاريع الطاقة البديلة، إذ أعلن خلال حملته الانتخابية عن نيته رصد تريليوني دولار لتطوير مشاريع تهدف إلى التخلص تماما من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في محطات الطاقة الأميركية بحلول 2050.
وكان دونالد ترامب قد حذر من مثل هذه المشاريع التي تمثل تهديدا لصناعة النفط الأميركي حسب تعبيره، وقد تؤدي إلى خسائر مالية هائلة للمنتجين وإلغاء آلاف الوظائف.
ويعتقد أرتيم ديف أن إمكانية انخفاض الإنتاج في الولايات المتحدة ستجعلها تغادر قائمة أكبر المنتجين في العالم، وهو ما سيؤدي إلى نقص كميات النفط عالميا، وبالتالي ارتفاع الأسعار.
اعلان
لكن الخبير الروسي يؤكد أن الأسعار في الفترة القادمة سيحددها بالأساس مدى تعافي الطلب وعودة معدلات الاستهلاك إلى مستوياتها العادية، وهو ما يمكن أن يستغرق عدة سنوات سيبقى خلالها السعر على الأرجح بين 30 و50 دولارا للبرميل.
من جانبه، يرى إيغور بوشكوف الخبير في الأكاديمية المالية التابعة للحكومة الروسية أن جو بايدن لن يكون لديه الوقت الكافي ليفتح ملف الطاقة حتى منتصف 2021، لأنه سوف ينهمك في المعركة القضائية مع دونالد ترامب، والتصدي لأزمة كورونا التي ركز عليها كثيرا في حملته الانتخابية.
الحكومة المنقسمة ستجعل من الصعب على بايدن تمرير تشريع مناخي طموح من شأنه أن يقيد بشكل فعال صناعة النفط والغاز (رويترز)
عوائق الحكومة المنقسمة
من جهة أخرى، أفاد محللو مؤسسة “مورغان ستانلي” (Morgan Stanley) بأن الحكومة المنقسمة ستجعل من الصعب على بايدن تمرير تشريع مناخي طموح من شأنه أن يقيد بشكل فعال صناعة النفط والغاز، ويعني عدم وجود سيطرة حزب واحد في الكونغرس أن الخيارات التشريعية لتقييد صناعة النفط والغاز يمكن أن تكون غير مطروحة على الطاولة.
وأشار المحللون -وفق ما نشر موقع “بيزنس إنسايدر” (Business Insider) الأميركي- إلى أن هذا الوضع يخدم مصلحة منتجي النفط، فمن غير المرجح أن يضع بايدن معيارا فدراليا للطاقة المتجددة، أو أن يسن ضريبة الكربون، أو أن يقوم بتمرير مشروع قانون البنية التحتية الذي يدعم الطاقة النظيفة بشكل كبير، أو إلغاء الأحكام الضريبية الملائمة لصناعة الوقود الأحفوري.
وقال بايدن إنه يريد إزالة الكربون من الشبكة الكهربائية بحلول عام 2035، وتحقيق صافي انبعاثات صفرية للبلاد بحلول عام 2050، وعلى الرغم من أنه من غير المرجح أن يمرر التشريعات لبلوغ هدفه فإن ذلك لا يمنعه من الاعتماد على بعض الخيارات، فعلى سبيل المثال يمكن لبايدن إبطاء التأجير الفدرالي والسماح لمشاريع الوقود الأحفوري، مثل طلب المزيد من المراجعات البيئية الشاملة، وحظر عقود الإيجار الجديدة على الأراضي الفدرالية، وذلك وفقا لما ذكرته “مورغان ستانلي”.
تأثير سلبي على النفط
إن أي قيود يستطيع بايدن فرضها على صناعة الوقود الأحفوري من المحتمل أن تقلص إمدادات النفط، مما قد يرفع أسعار النفط الخام، وفي حين أن الأمر يتطلب تشريعات سيكون بمقدور الرئيس المنتخب تمرير مجموعة من القرارات المحفزة، كما سيكون ذلك مفيدا للأسعار نظرا لأنه سيزيد النشاط الاقتصادي، وبالتالي سيزيد الطلب على الوقود، ولكن يبدو أن هناك الكثير من الجوانب السلبية في المقابل.
ووفقا لشركة “ريستاد إنرجي” (Rystad Energy)، فإن معايير الاقتصاد في استهلاك الوقود الأكثر صرامة ستؤدي مع مرور الوقت إلى تقليص الطلب على النفط، كما من الممكن أن تخفض العودة إلى معايير عهد الرئيس السابق باراك أوباما نصف مليون برميل يوميا من الطلب على النفط بحلول عام 2025.
وبالإضافة إلى ذلك، قد يعود بايدن إلى العمل بالاتفاق النووي الإيراني، مما قد يخفف العقوبات، بما في ذلك تلك المفروضة على صادرات النفط.
ووفقا لمورغان ستانلي، فإن ذلك قد يؤدي إلى إعادة ما يصل إلى مليوني برميل يوميا من النفط إلى السوق.
وبشكل عام، تعد تأثيرات نتائج الانتخابات الأميركية على أسواق النفط ضئيلة مقارنة بتأثيرات الفيروس على هذه الأسواق، فقد أدى ارتفاع معدلات الإصابة بالفيروس في أوروبا والولايات المتحدة وإعادة فرض عمليات الإغلاق إلى إضعاف توقعات النمو على المدى القريب ووتيرة التعافي.
الجزيرة