بعد مرور عام على الاحتجاجات التي أخمدتها السلطات الإيرانية بقسوة، يثير استمرار عدم المساءلة عن مقتل مئات الأشخاص خلال الحملة الأمنية التي تتكشف تفاصيلها تباعاً، مشاعر من الحزن والغضب.
واندلعت الاحتجاجات في أنحاء البلاد في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، بعد قرار الحكومة المفاجئ رفع أسعار الوقود. وكان الحراك نادراً من نوعه في إيران في أعقاب الثورة عام 1979، والأكبر منذ تظاهرات في عام 2009 خرجت رفضاً لنتيجة الانتخابات آنذاك.
ما لا يقلّ عن 304 قتلى
وأفاد نشطاء بأن السلطات لم تتمكّن من فرض سيطرتها على الأرض إلا بعد حملة قمع قاسية أسفرت، بحسب منظمة العفو الدولية، عن مقتل 304 أشخاص على الأقل، في إطار سياسة متعمّدة لإطلاق النار على المتظاهرين.
تم إخفاء قسوة حملة القمع وحجم الخسائر من خلال قطع الإنترنت، وهو ما ندّد به النشطاء باعتباره محاولة لحجب المعلومات.
لم يخضع أي مسؤول في إيران للمحاسبة بشأن القمع، وسط اتهامات بخضوع العائلات التي فقدت أحباءها للضغط لإسكاتها.
ومع ذلك، واجه معتقلون أثناء الاحتجاجات أحكاماً وصلت إلى حدّ الإعدام.
وقالت الباحثة المتخصصة في الشؤون الإيرانية لدى منظمة “هيومن رايتس ووتش”، تارا سبهري فار، “تجنّبت السلطات الإيرانية أي إجراء من إجراءات المساءلة وواصلت مضايقة عائلات قتلى الاحتجاجات”.
التعتيم وقطع الإنترنت
وبحسب تقرير نشرته منظمة العفو الدولية هذا الأسبوع، نفذت إيران “تعتيماً شبه كامل للإنترنت” اعتباراً من 16 نوفمبر، غداة بدء الاحتجاجات، من خلال إصدار أوامر لمشغلي الإنترنت بقطع الخدمة، لتعود تدريجاً لاحقاً اعتباراً من 21 نوفمبر.
وأوضحت أن قطع الإنترنت منع الناس من مشاهدة مقاطع فيديو مروّعة التقطها مواطنون إيرانيون بهواتفهم توثّق حملة القمع، في ما تصفه المنظمة الحقوقية بـ”شبكة الإفلات من العقاب”.
وحتى الآن لا يزال حجم القمع الذي مارسته السلطات الإيرانية غير واضح، وترجّح منظمة العفو الدولية بأن حصيلة القتلى قد تتجاوز العدد الذي أحصته والبالغ 304 وفيات تم التحقّق منها.
إطلاق النار على المحتجين
ونشرت المنظمة ومقرّها لندن، ما تقول إنه أكثر من 100 مقطع فيديو تم التحقّق منه التقطوا في 31 مدينة في نوفمبر 2019. وتكشف التسجيلات عن “الاستخدام المتكرر للأسلحة النارية” ضد المتظاهرين العزل والمارة.
وذكرت المنظمة أن ما لا يقل عن 23 من القتلى تقل أعمارهم عن 18 سنة، بمن فيهم مراهقون مثل محمد دستنكاه البالغ 15 سنة، الذي قُتل برصاص قوات الأمن المتمركزة على سطح منزله بينما كان عائداً من المدرسة في مدينة صدرا الواقعة في محافظة شيراز.
وسردت قصة أحد المارة الأبرياء، الممرضة آزار ميرزابور (49 سنة)، وهي أم لأربعة أطفال، قُتلت بالرصاص في بلدة كرج، خارج طهران، بينما كانت على وشك الوصول إلى منزلها من العمل.
وقالت الباحثة المتخصصة بشؤون إيران في منظمة العفو الدولية، راحة بحريني، إن “قوات الأمن الإيرانية استخدمت القوة غير المشروعة والمفرطة ضدّ المتظاهرين العزل والمارة”.
وأضافت، “في معظم الحالات استخدمت القوات الأمنية الذخيرة الحية التي تستهدف الرأس أو الجسد، في إشارة إلى أنها كانت تطبّق سياسة إطلاق النار بقصد القتل”.
مقاضاة المتظاهرين وتعذيبهم
وأفاد نشطاء بأنه بدلاً من مساعدة أقارب الضحايا في السعي لتحقيق العدالة، كانت السلطات تقاضي المتظاهرين، إذ ذكرت منظمة العفو أن المعتقلين تعرضوا للتعذيب، بما في ذلك الإغراق بالماء والاعتداء الجنسي.
ولم تُلغَ أحكام الإعدام التي صدرت في يونيو (حزيران) بحق ثلاثة شبان، إلا بعد حملة لإنقاذ حياتهم خارج إيران وداخلها.
وذكرت وسائل إعلام ناطقة بالفارسية مقرّها خارج إيران، أن منوشهر بختياري، الذي قُتل ابنه بويا البالغ 27 سنة بالرصاص، سُجن بعد أن وجّه انتقادات للسلطات.
“محكمة آبان” الخاصة
ودفع رفض إيران محاكمة أي مسؤول، وعدم الاستجابة لدعوات فتح تحقيق دولي بقيادة الأمم المتحدة، النشطاء إلى إنشاء “محكمة” خاصة بهم لتحديد ما إذا كانت الجرائم قد ارتكبت بموجب القانون الدولي.
وتم إنشاء محكمة آبان، التي سُمّيت على اسم الشهر الإيراني الذي وقعت فيه الأحداث، من قبل المنظمات غير الحكومية، بما في ذلك منظمة “العدالة من أجل إيران” ومقرّها لندن، ومنظمة حقوق الإنسان الإيرانية ومقرّها أوسلو.
وسيستمع الحقوقيون وأعضاء المحكمة الآخرون إلى أدلة من الشهود والضحايا في الفترة من 10 إلى 12 فبراير (شباط) 2021 في لاهاي، وستصدر الأحكام في أبريل (نيسان) 2021.
وقال المدير التنفيذي لمنظمة حقوق الإنسان الإيرانية، محمود أميري مقدم، إن المحكمة ستبعث بـ”رسالة قوية إلى المسؤولين عن الفظائع بأنهم يخضعون للمراقبة وسيُحاسبون ذات يوم على الجرائم التي ارتكبوها”.