جاءت تصريحات وزير الخارجية الألماني هايكو ماس لمجلة دير شبيغل مؤخراً، عن أنه لا تكفي العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، وينبغي اعتماد بعض الإضافات لتشمل برامج الصواريخ البالستية التي تهدد المنطقة كلها؛ لتطرح تساؤلات حول ما إذا كان إنقاذ الاتفاق النووي ممكناً، وخاصة بعد أن جاء الرد الإيراني سريعاً على كلام ماس، حيث طالب وزير الخارجية الإيراني برلين وكلاً من باريس ولندن باحترام التزاماتهم، والتوقّف عن انتهاك الاتفاقية الموقّعة عام 2015 بين القوى العظمى وإيران.
ويبدو واضحاً أن ثمّة انسجاماً في الطرح بين الرئيس الأميركي المنتخب بايدن والدول الأوروبية التي شاركت في التوقيع على الاتفاق الذي خرج منه الرئيس ترامب عام 2018 وفرض عقوبات شديدة على طهران، سيما وأنه اعتبر مؤخراً في حديث صحافي أن من الممكن وبالتشاور مع الحلفاء، البحث في عقد اتفاقات متابعة لتشديد القيود النووية على طهران، وذلك في حال عادت السلطات الإيرانية إلى احترام صارم “للقيود المفروضة على برنامجها النووي”. وفي هذا المضمار، تفيد تقارير بأن ثمة دولا موقعة على الاتفاق لديها أيضاً طروحات مستقبلية، وثمّة تواصلا مع روسيا والصين في هذا الإطار، والهدف من ذلك كله لجم الأنشطة الإيرانية المزعزعة للاستقرار ضد الحلفاء والشركاء.
رصد
“كيهان” الإيرانية: تأخير الرد على اغتيال العالم فخري زادة مكلف
ولكن طهران قد يكون لها مقاربة أخرى للملف، وخاصة بعد اغتيال “والد البرنامج النووي الإيراني” محسن فخري زادة، والذي اعتُبر اغتياله خرقاً أمنياً كبيراً لنظام طهران، وسط تأكيدات لرئيس البرنامج النووي الإيراني علي أكبر صالحي بأن اغتيال زادة لن يوقف تقدّم برنامج بلاده النووي أو يضعفه، بل سيستمر وبشكل مكثّف. يأتي ذلك مع فقدان إيران الأمل بوعود الأوروبيين، وهي التي انتظرت لمدة عام لترى إلى أي مدى يمكن لهم تقديم الإغاثة الاقتصادية الموعودة والتسهيلات التجارية، رغم خروج الولايات المتحدة الأميركية، وبعدما اتضح لها أن هذه الأطراف لا يمكن لها الهروب من ضغوط العقوبات؛ عمدت إلى التصريح بانتهاكاتها للاتفاق النووي.
وبحسب خبير نزع الأسلحة أوليفر ترينرت، فإن الانتهاكات الإيرانية تقرّب طهران قليلاً من القنبلة النووية. ومن المعلوم أنها باتت تمتلك الآن 12 ضعف كمية اليورانيوم المخصّب المحددة في الاتفاقية النووية، عدا عن انتهاكها لدرجة التخصيب المسموح بها، والتي بلغت 4.5 في المئة مقارنة بنسبة 3,69 المسموح بها. وأبرز مدير مركز الدراسات الأمنية في زوريخ ترينرت، أن إيران باتت تمتلك المتطلبات التقنية اللازمة لإنتاج المزيد من اليورانيوم عالي التخصيب، ما يجعل إنتاج سلاح نووي أمراً ممكناً في غضون بضعة أشهر، ولكن الأمر يبقى بحاجة أيضاً إلى نظام ناقل، مشيراً إلى أن إيران تعاملت بشكل مكثّف مع تصميمات لرؤوس حربية متعددة، وتمّ اختبارها أيضاً ولكن بدون استخدام مواد انشطارية، ولذلك يمكن افتراض أن إيران سيكون لديها القدرة على وضع رأس حربي نووي على صاروخ.
باتت طهران تمتلك الآن 12 ضعف كمية اليورانيوم المخصّب المحددة في الاتفاقية النووية، عدا عن انتهاكها لدرجة التخصيب المسموح بها
وفي السياق ذاته أشارت صحيفة هاندلبسلات، إلى أن الاتفاق سيبقى ميتاً مع بايدن أيضاً، رغم اعتقاد الديمقراطيين أن سياسة ترامب تجاه طهران كانت خاطئة، وأبرزت الصحيفة أن ترامب وضع مبادئ توجيهية بمحاولته المنفردة لتركيع إيران بأقسى العقوبات، وهي استراتيجية مجنونة ضد بلد تتركز دورته الاقتصادية على استخراج خام الحديد، ولديه إنتاج ومخزون هائل من النفط والغاز، ونظام سياسي يملي على الناس أسلوب حياتهم. ورأت الصحيفة أنه ليس من السهل إعادة إحياء الاتفاق ببساطة، فإيران تتحضر لانتخابات رئاسية، وسيتم تسليم السلطة من الرئيس المعتدل روحاني، الذي يدعو إلى التعامل بالدبلوماسية وبالنضج والهدوء اللازمين، إلى متشدد من الحرس الثوري غالباً.
علاوة على ذلك، تبرز التعليقات أن إنقاذ الاتفاق بات أكثر صعوبة مع فقدان أحد أهم علماء البرنامج النووي، الأمر الذي يشكل هزيمة مريرة ومحبطة للمعنويات الإيرانية، فهو الذي ترأس أيضاً إدارة البحث والابتكار في وزارة الدفاع، عدا عن أنه خبير في الصواريخ. وبالتالي فإن موت فخري زاده، مدير البرنامج النووي العسكري المسمى “آماد” (الأمل) سيكون عقبة، وخاصة أنه كان شخصية محورية في برنامج التسلح النووي الإيراني، وفقاً لمراقبين غربيين. وصاحب أكبر قدر من المعرفة بالسلاح النووي الإيراني.ويرى أوليفر ماير الباحث البارز في معهد أبحاث السلام والسياسات الأمنية الألماني أن هذا النوع من الاغتيالات قد يأتي بنتائج عكسية، لأنها تقوي أولئك الذين يدافعون عن قدرات الردع النووي محلياً، وتؤدي إلى توزيع القدرات الحالية لتطوير الأسلحة النووية بشكل أفضل، مما يقلل من فرص ممارسة تأثير خارجي على مثل هذه البرامج. من جهته، قال غيدو شتاينبرغ من مؤسسة العلوم والسياسة في برلين، في مقابلة مع دويتشه فيله، إن إسرائيل انتهزت الفرصة قبل مغادرة ترامب، وربما بدعم أميركي، وتحاول تصعيد الأمر بأقصى ما يمكن للإدارة الجديدة في واشنطن، لنسف أية بداية جديدة للجهود الدبلوماسية والعلاقات بين إيران وأميركا، الأمر الذي قد يحد من رغبة إيران بالتحدث إلى بايدن. ومن جهة ثانية، يرى آخرون أن الهدف من اغتيال زادة هو على الأرجح، ردع طهران عن الأنشطة المستقبلية المحتملة لتطوير أسلحة نووية، وليس منع مشروعات حالية. في حين رأى الكاتب كليمنس فرغين في مقابلة مع “دي فيلت” أن بايدن قد يستخدم النفوذ الإضافي والضغط الهائل الذي كرسه ترامب على طهران، من أجل تحقيق دبلوماسية ناجحة.
شادي عاكوم
العربي الجديد