قطع الرئيس المنتخب جو بايدن ونائبته المنتخبة كمالا هاريس خطوة إجرائية إضافية على طريق التكريس الرسمي لانتخابهما، وذلك بعد تصويت المجمع الانتخابي الذي منحهما 306 أصوات، بزيادة 36 صوتاً على رقم الـ270 المطلوبة للفوز بالرئاسة. الخطوة التالية سوف تكون إقرار هذه النتائج في اجتماع مشترك للكونغرس يوم 6 كانون الثاني/ يناير المقبل، تمهيداً للخطوة الأخيرة يوم 20 من الشهر ذاته حيث سيؤدي بايدن اليمين الدستورية ليصبح الرئيس الـ46 للولايات المتحدة.
ورغم أن تصويت المجمع الانتخابي خطوة روتينية وشكلية على نحو ما، فإنها اتخذت في هذه الدورة صفة التشويق والإثارة والترقب بسبب تعنت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الإقرار بخسارته، وإصراره على التشكيك في صحة الانتخابات، واتهام بعض الولايات بالتزوير ورفع عشرات الدعاوى القضائية التي نظر فيها قرابة 83 قاضياً في مختلف الولايات ورُدّت غالبيتها العظمى بسبب الافتقار إلى الحد الأدنى من البراهين القانونية. ولعل ذروة فشل ترامب وحملته الانتخابية تجلت في رفض المحكمة العليا للولايات المتحدة النظر في دعوى لإبطال نتائج ولايات أخرى رفعها المدعي العام لولاية تكساس وانضم إليها 126 من النواب الجمهوريين، رغم أن ترامب كان وراء تعيين ثلاثة من قضاة المحكمة العليا. ولم يكن مفاجئاً أن يشعر الرئيس الأمريكي بخيبة أمل، وأن يغرد بأن «المحكمة العليا خذلتنا حقاً. ليس لديهم حكمة، ولا شجاعة».
وقد يكون مفهوماً لدى البعض أن يتصرف ترامب على هذا النحو من التعنت والاستهانة بإرادة أكثر من 80 مليون مواطن أمريكي صوتوا لصالح منافسه بايدن في رقم قياسي على امتداد تاريخ الانتخابات الأمريكية، وأن يتشبث بالسلطة انسجاماً مع شخصيته الشعبوية والتسلطية التي أنذرت مسبقاً بعدم تقبل الهزيمة. وقد يبدو مفهوماً على المنوال ذاته أن يجاريه في هذا الإنكار ملايين من أنصاره، وأن يمارس هؤلاء مختلف صنوف الضغوط على اللجان الانتخابية في الولايات حتى تلك التي تنتمي إلى الحزب الجمهوري، وأن يبلغ الأمر درجة ممارسة العنف والتهديد بالقتل.
غير مفهوم في المقابل أن ينجرف إلى هذا الانحدار الخطير أعضاء جمهوريون في مجلس النواب والشيوخ، وأن يسيروا خلف ترامب ويسايروه في دعاوى لا تستهدف في المقام الأول سوى النظام الانتخابي والمؤسسات الديمقراطية والأعراف الدستورية الراسخة. هنا تحديداً تأخذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة صفة خطيرة أقرب إلى التراجع الصريح عن ركائز كبرى في الحياة السياسية للولايات المتحدة، مع العلم أن المشهد بالغ الوضوح لجهة سير الانتخابات واستخلاص نتائجها ليس من جانب اللجان الديمقراطية بل الجمهورية والمحايدة أيضاً. وليت الأمر اقتصر على عدد من المشرعين الجمهوريين المعروفين بنصرة ترامب ظالماً أو مظلوماً، إذْ أن مواقف الاستهانة بإرادة الشعب الأمريكي شملت المئات من المشرعين، وباتت القاعدة هي التزاحم على تأييد مزاعم ترامب حول تزييف الانتخابات بدل إسناد الأمر إلى الجهات المسؤولة في الولايات أو حتى إلى القضاة في المحاكم.
ومن الواضح أن تصويت المجمع الانتخابي ليس نهاية المطاف بالنسبة إلى الرئيس الخاسر، وليس ختام المفاجآت، إذ يبقى رهن الغيب ما إذا كان الجمهوريون في الكونغرس على استعداد للاقتداء بقضاة أمريكا والعودة إلى الرشد واحترام صوت الشعب الذي قال كلمته.
القدس العربي