تساءل سايمون واتكينز في مجلة “أويل برايس” عن الجدل بشأن شبكات الطاقة الكهربائية التي باتت تقسم الشرق الأوسط.
وبدأ بالحديث عن تفاصيل جديدة ظهرت بشأن شبكة الطاقة الكهربائية بين العراق والأردن والتي قال إنها تتحول وبشكل متزايد لموضوع مثير للجدل بسبب اللعبة السياسية المستمرة في العراق بين الولايات المتحدة وإيران.
وبحسب تعليقات صدرت الأسبوع الماضي من مدير الشركة الوطنية الأردنية للطاقة الكهربائية، أمجد الرواشدة، فإنه يتم التحضير لقبول العطاءات من أجل بناء شبكة الطاقة الكهربائية بين الأردن والعراق والتي يتوقع طرحها بداية 2021. وسيتم التركيز في المرحلة الأولى على توسيع طاقة محطة الريشة الأردنية والذي يسمح بتوفير 150 ميغات واط في المرحلة الأولية للعراق وتمتد على مدى 3 أعوام مع أنه يمكن تجديدها بالاتفاق بين البلدين.
وبشكل مواز سيتم العمل على مشاريع المرحلة الثانية والتي تضم بناء قدرات تبادل للطاقة بين البلدين وخلق سوق عربية للطاقة الكهربائية. وفي نفس الوقت قال وزير الطاقة الكهربائية العراقي ماجد مهدي حنتوش إن العراق لا يعمل على ربط شبكاته الكهربائية مع الأردن من خلال خط طوله 300 كيلومتر، وهو مشروع سيتم الانتهاء منه في عامين، بل لديه خطط اكتملت لإتمام ربط الطاقة الكهربائية مع مصر وفي مدى 3 أعوام.
إعلانات الطاقة الكهربائية هذه لمن لا يعرف بخداع الجيوسياسة بالشرق الأوسط تبدو غير مهمة
ويعلق الكاتب أن إعلانات الطاقة الكهربائية هذه لمن لا يعرف بخداع الجيوسياسة بالشرق الأوسط تبدو غير مهمة وتخص تقوية الروابط بين الشبكات الكهربائية في المنطقة. ولكن لو تم النظر إليها عبر لعبة القوة بين الكتلتين بالمنطقة وهي: الولايات المتحدة/ إسرائيل/ الإمارات/ البحرين/ الكويت من جانب وإيران/العراق/ الصين/ روسيا على الجانب الثاني، فالتعليقات الصادرة من المسؤولين العراقي والأردني محملة بالمعاني الخفية والنوايا المبهمة.
وبداية، فقد ظهرت المبادرة بين الأردن والعراق بشكل مفاجئ وبعد أقل من شهر من إعلان إسرائيل التي طبعت علاقاتها مع الإمارات والبحرين عن نفس الشيء. وتزامن الإعلان الأردني – العراقي بعد بيان من واشنطن منحت فيه العراق إعفاء قصيرا (45 يوما) لكي يتوقف عن استيراد الكهرباء من إيران (مباشرة من شبكات الكهرباء هناك أو إمدادات الغاز الطبيعي التي تستخدم في محطات الطاقة). وكان الإعفاء القصير رسالة واضحة أن العراق بات يقترب من العقوبات وفرضها عليه من واشنطن بسبب استمراره انتهاك قواعد الاشتباك بين الولايات المتحدة وإيران.
وكان الغضب الأمريكي حول العلاقة العراقية الواسعة والعميقة مع إيران واضحا في نيسان/إبريل عندما منحت له أقصر تنازل لاستيراد الطاقة الكهربائية والغاز الطبيعي من إيران (30 يوما)، وأعلن في نفس المؤتمر الصحافي المتحدث باسم الخارجية مورغان أورتاغوس “فرض عقوبات على 20 كيانا في إيران وأخرى مقرها في العراق”. وأشير إلى هذه الكيانات بأنها تستغل تبعية العراق لإيران في مجال الحصول على الكهرباء والغاز من خلال تهريب النفط الإيراني عبر ميناء أم قصر العراقي وتبييض الأموال من خلال واجهات عراقية والتحايل على العقوبات. وقصدت الولايات المتحدة من منح تنازل قصير للعراق لكي يفهم الرسالة ويبدأ عمليات تقليل علاقاته مع إيران والبدء بمشاريع تخفف من اعتماده على جارته في مجال الكهرباء والغاز. وكان التفاؤل في واشنطن نابعا من قرب زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى الولايات المتحدة في آب/أغسطس ومناشدته تقديم العون المالي.
وفي مظهر من التصالح وقبل زيارة الكاظمي أعلنت خمس شركات أمريكية من العيار الثقيل عن توقيع صفقات بـ 8 مليارات دولار أمريكي وبهدف تقوية استقلالية العراق في مجال الطاقة عن إيران. وهذه الشركات هي شيفرون، جنرال إلكتريك، هونيويل إنترناشونال، بيكر هيوز وستيلار إنيرجي. ومن أهم ملامح الصفقات هو قيام شيفرون بالتنقيب في حقل الناصرية الذي يعتقد أنه يحتوي على 4.4 مليار برميل من النفط الخام. وفي نفس الوقت وقعت جنرال إلكتريك على عقدين مع وزارة الطاقة الكهربائية العراقية بقيمة 1.2 مليار دولار والقيام بعمليات صيانة لكل محطات الطاقة في البلاد وتقوية شبكات نقل الطاقة. أما شركة هونيويل فقد قالت إنها تجري مفاوضات على صفقة مع العراق لتطوير حقل أرطاوي وبناء مركز لمعالجة الغاز ومنشأة جديدة لتوليد الكهرباء. ورغم هذه المحفزات والتهديدات إلا أن العراق وقع عقدا طويلا مع إيران لمدة عامين على الأقل لتوفير الطاقة الكهربائية له. وأكد اعتماد العراق على إيران بنسبة 30-40% من احتياجاته في تلك الفترة. وقالت مصادر في واشنطن مقربة مع إدارة ترامب للموقع: “كنا في هذا الوضع من قبل حيث كانت باكستان تتظاهر بأنها تساعد في الكفاح ضد تنظيم القاعدة وفي نفس الوقت كانت المخابرات الباكستانية تساعد أسامة بن لادن قدر ما تستطيع ولن نلعب هذه اللعبة مرة ثانية”.
أخبرت مصادر في واشنطن أن الإعلان عن مبادرة الكهرباء الأردنية- العراقية تمت “بدون موافقة كاملة من الجميع”
وفي الأسبوع الماضي، أخبرت مصادر في واشنطن الموقع أن الإعلان عن مبادرة الكهرباء الأردنية- العراقية تمت بدون موافقة كاملة من الجميع، فحمائم العراق في واشنطن رأوا أنها مبادرة حقيقية لفطم بغداد عن كهرباء إيران وفي النهاية فسيقدم الأردن للعراق 1.000 ساعة غيغاوات في العام في المرحلة الأولى من المشروع ومن ثم زيادة تدريجية بعد ذلك. ويعتقد الحمائم في واشنطن أن خطط أنابيب النفط التي تربط الأردن بالعراق ستساعد على تقريب العراق من مجال التأثير الأمريكي. وتقضي المرحلة الأولى إنشاء خط نفط طوله 700 كيلومتر وقدرة لنقل 2.5 مليون برميل نفط في داخل الأراضي العراقية. أما المرحلة الثانية فتضم إنشاء خط أنابيب طوله 900 كيلو متر بين مدينة حديثة العراقية وميناء العقبة الأردني بقدرة مليون برميل نفط. أما صقور إيران- العراق في واشنطن فيعتقدون أن هناك نوايا قاتمة وراء هذه المبادرة وأنها تهدف لبناء شبكة طاقة في أنحاء الشرق الأوسط، بدءا من مشروع الأردن. وهي ليست محاولة لإبعاد بغداد عن إيران بل وتوسيع التأثير الإيراني بالمنطقة.
ونقل الموقع عن مسؤول بارز في قطاع النفط الإيراني: “قبل لقاءات الكاظمي مع عدد من المسؤولين البارزين في واشنطن في آب/أغسطس، كانت هناك تعليقات عدة من المسؤولين في البيت الأبيض مثل “نحن فرحون لتحرك العراق نحو بناء شبكة طاقة إقليمية بما في ذلك روابط مع دول مجلس التعاون الخليجي حيث سيقلل من اعتماده على إيران ويساعد على حرف العراق نحو مجال التأثير الأمريكي المتركز حاليا حول السعودية”. و”لكنهم كانوا مخطئين: فإيران هي التي تدفع العراق إلى هذا ولإخراج نفس الدول بما فيها السعودية من فلك التأثير الأمريكي”. وبناء على هذا وقبل شهر من زيارة الكاظمي لواشنطن أعلن وزير الطاقة الإيراني رضا أردكانيان أن شبكات الطاقة الإيرانية والعراقية بدأت بالعمل بشكل منسق لتوفير الطاقة لكلا البلدين بواسطة خط العمارة- الكرخ والذي يمتد على طول 73 كيلومترا. وسيعبد الطريق أمام زيادة الصادرات للعراق في المستقبل القريب من الكمية الحالية 1.361 ميغا واط في اليوم.
وأضاف أن مراكز الإرسال العراقية والإيرانية مرتبطة بشكل كامل في بغداد. وهي مرتبطة بشكل سلس وأن إيران وقعت عقدا مدته ثلاثة أعوام للتعاون ومساعدة العراق على تطوير صناعة الطاقة. وأعلنت في نفس الوقت شركة معدات الطاقة والتصنيع والتزويد الكهربائية الإيرانية عن زيادة صادرات إيران الكهربائية إلى الدول الجارة في العام المنصرم الذي انتهى في 20 آذار/مارس 2020 إلى 80 مليار ساعة واط وبزيادة نسبة 27.6% في العام.
وتصدر إيران الطاقة الكهربائية إلى أذربيجان وأرمينيا وباكستان وأفغانستان وجمهورية الحكم الذاتي ناخشيفان والعراق. ولا تشمل الشبكة تلك الموازية التي قوتها إيران عبر التبادل المشترك للكهرباء والغاز وتضم تركمنستان وتركيا. ويسمح خط العراق- الأردن لإيران كي تناوب خط التصدير إلى خط مضيق هرمز وتضيف للخطط الحالية خط غورة- جاسك وخططا لبناء خط إلى سوريا. وستقدم خطا “يغطي” النفط الإيراني الذي يتم نقله على أنه نفط عراقي ويشحن لدول الشرق والغرب.
القدس العربي