لن تسترجع ملايين النساء حياتهن السابقة حتى بعد نهاية الوباء، لكن المقلق أن المكتسبات التي ناضلت من أجلها المرأة منذ أوائل الخمسينات، مهدّدة بالزوال والعودة عقودا من الزمن إلى الوراء.
لندن – كان من المتوقع أن يكون عام 2020، عاما حاسما في تحقيق المساواة بين الجنسين، وبدلا من ذلك، أدى انتشار جائحة كوفيد – 19، إلى تراجع الكثير من المكاسب التي تحققت للنساء في العقود الماضية معرضا حظوظ المرأة في حياة أفضل لخطر الانتكاس.
وفي أنحاء كثيرة من العالم، فقدت الملايين من النساء وظائفهن وتعرضن إلى العنف الأسري المتصاعد، واتسعت فجوة الفقر في صفوفهن، لكن الأمر المثير للقلق، هو حدوث انتكاسة في المكاسب التي تحققت للنساء بشق الأنفس على مدى عشرات السنين.
ويتوقع خبراء الأمم المتحدة ازدياد اتساع فجوة الفقر بين الجنسين في عام 2021 وسط التراجع الاقتصادي.
وأكد تقرير لمنظمة الأمم المتحدة أن جائحة كورونا قد عمّقت أوجه عدم المساواة الموجودة من قبل، وكشفت عن نقاط الضعف في النظم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي بدورها تضخمت آثارها بفعل الجائحة في جميع المجالات، بدءا من الصحة إلى الاقتصاد فالأمن وصولا إلى الحماية الاجتماعية، وأن آثار كـوفيد – 19 تتفاقم على النساء والفتيات بسبب جنسهن.
وذكر التقرير أن ما يقرب من 60 في المئة من النساء حول العالم يعملن في الاقتصاد غير الرسمي، ويكسبن دخلا أقل ويوفرن أيضا مالا أقل، وهن أكثر عرضة لخطر الوقوع في براثن الفقر.
ومع انهيار الأسواق وإغلاق الشركات، اختفت الملايين من وظائف النساء.
وفي الوقت الذي فقدت فيه النساء أعمالهن مدفوعة الرواتب، ازدادت الأعمال غير مدفوعة الرواتب بشكل كبير نتيجة لإغلاق المدارس وازدياد احتياجات كبار السن، وهذه العوامل تجتمع بشكل غير مسبوق لتهدد حقوق المرأة وتحرمها من الفرص المتاحة.
رنا غنيم: الوباء أثر بشكل سلبي على مشاركة المرأة في القطاع الصناعي
وأكد خبراء مشاركون في إحدى جلسات الحوارات الافتراضية التي نظمتها القمة العالمية للصناعة والتصنيع في ألمانيا خلال شهر ديسمبر 2020، أن وباء كورونا ساهم في توسيع الفجوة بين الجنسين في مجالات العمل وأعاق الجهود التي تهدف إلى تمكين المرأة في القطاع الصناعي، ما تسبب في تراجع نسب التقدم في تحقيق البرامج الدولية بما في ذلك أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة واتفاقية باريس للمناخ.
وقالت رنا غنيم، رئيسة قسم أنظمة الطاقة والبنية التحتية في منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو)، التي أدارت الجلسة الافتراضية تحت عنوان “القطاع الصناعي في مرحلة ما بعد الوباء: تمكين المرأة في الشركات الصناعية للمساهمة في تعافي الاقتصاد حول العالم”، إن الأزمة التي سببها الوباء أثرت بشكل سلبي على مشاركة المرأة في القطاع الصناعي، وأكدت على ضرورة دعم الجهود الدولية الهادفة إلى تعزيز مشاركة المرأة ومن أبرزها مبادرة “نساء ينهضن لأجل الجميع” والتي تنظمها الأمم المتحدة، وتهدف إلى تكريس دور القيادة النسائية في جهود التعافي الدولية.
وأضافت غنيم “تعد المبادرات الداعمة لتمكين المرأة في القطاع الصناعي وتشجيع عمل المرأة ضرورية لتحقيق التعافي الاقتصادي على المدى الطويل ولمواجهة التحديات العالمية، مثل وباء كورونا”.
بدورها، أشارت ستيفاني فاك ستيفنس، مسؤولة الاستثمار وتمكين المرأة في مؤسسة التمويل الدولية، إلى أن النساء يعملن غالبا في الوظائف الأكثر تضررا من أزمة الوباء، مثل الوظائف المكتبية ومبيعات التجزئة.
مشيرة إلى أن النساء القادرات على العمل عن بعد يعانين من المصاعب التي سببتها أزمة الوباء وتدابير الإغلاق بسبب تحملهن لمسؤولية الرعاية المنزلية.
وقالت “تحتاج بعض النساء إلى التمويل ليتمكنّ من تجاوز أزمة الوباء وتطوير أعمالهن وتوظيف تقنيات الثورة الصناعية الرابعة فيها”.
جهد من دون راتب
حتى قبل جائحة كورونا، كانت النساء يقمن برعاية غير مدفوعة الراتب، وبعمل منزلي يبلغ ثلاثة أضعاف ما يقوم به الرجال، وفقا لبيانات الأمم المتحدة، لكن هذا ارتفع في عام 2020 حيث أخذت النساء نصيب الأسد من رعاية أفراد الأسرة المصابين والأطفال الذين لا يذهبون إلى المدرسة.
وأظهر استطلاع رأي للآباء في خمس دول غنية أن عمل الأمهات من دون راتب في المنزل قد تضاعف تقريبا إلى 65 ساعة في الأسبوع، ما يقرب من الثلث أكثر من الآباء.
وقالت مجموعة مساواة نسائية في بريطانيا إن هناك “مؤشرات على العودة إلى الخمسينات” من حيث تقسيم العمل.
وفي تركيا، وجدت الأبحاث أن النساء يقمن بأربعة أضعاف الأعمال المنزلية والرعاية مثل الرجال أثناء عمليات الإغلاق.
خسارة الوظيفة
أضرت جائحة كورونا بشكل غير متناسب بالقطاعات التي توظف أعدادا كبيرة من النساء بما في ذلك الضيافة وتجارة التجزئة والسياحة.
كما قلصت بعض النساء من أعمالهن المدفوعة الرواتب لتولي واجبات رعاية إضافية. ووجد أحد التقارير أن الأمهات في إنجلترا كن أكثر عرضة بنسبة 47 في المئة من الآباء لفقدان وظائفهن أو تركها.
وتعمل معظم النساء بالدول النامية في الاقتصاد غير الرسمي من دون حماية ضد تسريح العمالة.
وفي كينيا، وفقا للحكومة، فقدت 20 في المئة من النساء الوظائف أو الدخل مقارنة بـ12 في المئة من الرجال.
لقد كان للوباء تأثير مدمر بشكل خاص على العمال المهاجرين. وفي لبنان، قام أصحاب العمل بطرد بعض الخادمات الأجنبيات بسبب عدم قدرتهم على دفع رواتبهن.
وحذرت الأمم المتحدة من أن الأزمة قد تؤدي إلى زيادة بنسبة 20 في المئة في العنف الأسري، واصفة إياه بـ”جائحة الظل”.
وقد دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إلى “التوصل إلى هدنة في البيوت”.
وسجلت تونس ارتفاعا كبيرا في حالات العنف المنزلي منذ الأسابيع الأولى للحجر المنزلي وفق ما أكدته المنظمات والجمعيات الناشطة في مجال العنف ضد المرأة، ووفق ما كشفت عنه المكالمات الواردة على الرقم الأخضر المخصص لمقاومة العنف ضد النساء (1899) بوزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن.
وقالت حنان البنزرتي رئيسة مصلحة مكلفة بملف العنف ضد المرأة في برنامج مساواة بالوزارة لـ”العرب” إن وزارة المرأة تلقت حتى 20 أبريل الماضي 4691 مكالمة هاتفية على الرقم الأخضر، 1245 منها حول العنف، مشيرة إلى أن الرقم تضاعف 9 مرات في نفس الفترة من السنة الفارطة.
وأكدت البنزرتي أن 70 في المئة من الإشعارات الواردة على الوزارة تخص حالات العنف الجسدي و75 في المئة تهم حالات العنف النفسي و40 في المئة تتمحور حول العنف الاقتصادي مشيرة إلى أن 80 في المئة من حالات العنف يقوم بها الأزواج ضد زوجاتهم.
وشهدت خطوط المساعدة في بعض الأماكن ارتفاعا في المكالمات بمقدار خمسة أضعاف، لكن عمليات الإغلاق جعلت من الصعب على الضحايا الوصول إلى الخدمات.
وقامت بعض الدول بتحويل الفنادق وأماكن قضاء العطلات إلى أماكن لجوء ووضعت مبادرات لتشجيع الضحايا على طلب المساعدة أثناء ذهابهم إلى السوبر ماركت أو الصيدلية. كما وردت تقارير عن زيادة حالات قتل النساء خلال عمليات الإغلاق.
تعليم الفتيات
تسببت جائحة كورونا في إغلاق المدارس في معظم الدول، مما أثر على مئات الملايين من الفتيات.
وتخشى جماعات حقوق الطفل في أفريقيا، أن العديد من الفتيات قد يتم تسريحهن من المدرسة بشكل دائم، ما يعرض للخطر عقودا من العمل على عكس أوجه عدم المساواة العميقة الجذور بين الجنسين.
كما أدى إغلاق المدارس إلى زيادة خطر تعرض الفتيات للعنف الجنسي وزواج القاصرات، في حين أجبر الفقر المدقع البعض على “ممارسة الجنس مقابل المال” لشراء الأساسيات. وقد أبلغت العديد من الدول بالفعل عن حدوث طفرات في حالات الحمل والزواج المبكر بين المراهقات، ما يثير المخاوف من أن العديد من الفتيات قد لا يعدن إلى التعليم مرة أخرى.
زواج القاصرات
توقعت الأمم المتحدة أن يؤدي الوباء إلى ظهور 13 مليون حالة زواج مبكر إضافية خلال العقد المقبل، ما قد يؤدي إلى إلغاء عقود من العمل لإنهاء هذه الممارسة، حيث يدفع الفقر المتزايد الأسر إلى تزويج بناتها مبكرا.
وأدى إغلاق المدارس إلى تفاقم المخاطر في إثيوبيا، حيث أنقذت السلطات مئات الفتيات منذ إغلاق المدارس. وفي ملاوي، أبلغت إحدى المؤسسات الخيرية عن ارتفاع بنسبة 350 في المئة في المكالمات المرتبطة بزواج القاصرات والزواج القسري في الربيع.
توقعت الأمم المتحدة تعرّض مليونين من الفتيات أكثر ممّا كان متوقعا في السابق للختان في العقد المقبل حيث يعطل فايروس كورونا الجهود المبذولة لإنهاء هذه الممارسة.
وتم الإبلاغ عن زيادة معدلات ختان الإناث في جميع أنحاء شرق إفريقيا وغربها مع اعتبار عمليات الإغلاق فرصة لتنفيذ هذه الممارسة دون أن يتم اكتشافها.
ويقول نشطاء إن الضائقة المالية أدّت إلى ارتفاع الأسعار في بعض الحالات لأن الآباء يعتقدون أنه بإمكانهم الحصول على “مهر العروس” بشكل أفضل إذا تم ختانها.
أما في الصومال، فيتنقل الخاتن من بيت إلى بيت وتُعرض عليه الفتيات لختانهن.
وتقدّر منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) أن نسبة 98 في المئة من النساء والفتيات في الصومال خضعن لعملية ختان.
وأفاد نشطاء في كينيا، الذين تعهدوا بإنهاء ممارسة الختان بحلول عام 2022، بتنفيذ عمليات ختان جماعية في قبائل كوريا بكينيا، حيث يتم التفاخر بالفتيات في مراكز المدن وإغداق الهدايا عليهن.
وفي مصر، ذكرت وسائل إعلام عالمية أنه تم القبض على رجل بتهمة أنه طلب من طبيب ختان بناته الثلاث بعد أن خدعهن بالاعتقاد بأنهن سيتلقين لقاحات كورونا.
وتأسست في مايو 2019 اللجنة الوطنية للقضاء على ختان الإناث وزيادة التوعية بأضرار هذه الممارسة المحظورة قانونا في مصر منذ العام 1996. وتضم اللجنة أعضاء من الوزارات المعنية والأزهر والكنائس المصرية.
ووفق تقرير صادر عن اليونيسف (منظمة الأمم المتحدة للطفولة) “فإن ختان الإناث يمارس في 30 بلدا من بلدان أفريقيا والشرق الأوسط وبعض بلدان شرق آسيا”. وبالرغم من كل التقدم الملحوظ نحو إنهاء هذه الممارسة العنيفة، تضطر الملايين من الفتيات في هذه البلدان، اللاتي تقل أعمار العديد منهن عن 15 عاما، إلى الخضوع لهذه العملية.
الإجهاض
وفرضت بولندا حظرا شبه كامل على عمليات الإجهاض في أكتوبر الماضي، ما أدى إلى اندلاع احتجاجات حاشدة في الشوارع. وفي الولايات المتحدة تخشى جماعات حقوق الإجهاض أن يؤدي تعيين إيمي كوني باريت المتديّنة المحافظة في المحكمة العليا إلى تهديد حكم تاريخي صدر عام 1973 والذي شرّع الإجهاض في جميع أنحاء البلاد.
وفي ملاوي، تقاوم الجماعات الدينية القوية بشدة مشروع قانون للتخفيف من القيود على الإجهاض. وعلى الصعيد العالمي، زادت جائحة كورونا من فرض الحواجز أمام عمليات الإجهاض للعديد من النساء بسبب قيود السفر وإغلاق العيادات والخدمات الصحية المكتظة.
الأمومة والرعاية الصحية
انخفض عدد النساء اللاتي يتوفين أثناء الحمل والولادة بأكثر من الثلث منذ عام 2000، لكن خبراء الصحة يقولون إن الوباء يمكن أن يقوض المكاسب حيث تفقد النساء إمكانية الوصول إلى وسائل منع الحمل والرعاية الصحية الإنجابية.
وقد قدر معهد غوتماشر، وهو منظمة أبحاث في مجال الصحة الإنجابية مقرها الولايات المتحدة، أن حتى الاضطرابات البسيطة في الخدمات الصحية سينجم عنها 15 مليون حالة حمل غير مقصود، و28 ألف حالة وفاة بين الأمهات، و3 ملايين عملية إجهاض غير آمنة.
وأغلق فايروس كورونا العيادات وبرامج التوعية في العديد من الأماكن هذا العام حيث أعيد توزيع الموظفين لمكافحة الفايروس. كما تسبب إغلاق المصانع وتأخيرات الشحن في نقص وسائل منع الحمل وحبوب الإجهاض.
وفي جميع أنحاء أميركا اللاتينية، يقدر خبراء الأمم المتحدة أن 18 مليون امرأة ومراهقة يمكن أن يتوقفن عن استخدام وسائل منع الحمل، مما قد يؤدي إلى ظهور حوالي أكثر من 600 ألف حالة حمل غير مرغوب فيه.
الاتجار بالنساء
أكد خبراء الأمم المتحدة، أن تزايد معدلات الفقر وإغلاق المدارس جعل العديد من الفتيات والنساء أكثر عرضة للاتجار بما في ذلك الاستغلال الجنسي عبر الإنترنت.
ويقولون إن تراجع الاقتصاد وفقدان الوظائف من المرجح أن يؤديا إلى زيادة الاتجار من الدول التي تشهد أسرع وأطول حالات انخفاض في العمالة، وهو النمط الذي شوهد خلال الأزمة المالية العالمية في 2007-2008.
وتقول جمعيات خيرية إن تهريب “العرائس” الكمبوديات إلى الصين قد ارتفع بالفعل بشكل حاد. وعلى الصعيد العالمي، كان هناك أيضا ارتفاع في معدلات الاتجار بالجنس عبر الإنترنت حيث يتم إجبار النساء والأطفال على القيام بأعمال جنسية يتم بثها مباشرة للحصول على أموال من زبائن في جميع أنحاء العالم.
وقد أفادت الفلبين – التي تعتبر بؤرة الاتجار عبر الإنترنت – أن حالات الاعتداء الجنسي على الأطفال عبر الإنترنت تضاعفت ثلاث مرات في ظل فايروس كورونا.
أبلغت النساء عن زيادة في معدلات “الاغتصاب الجنسي” – وهي الصور الجنسية المنشورة على الإنترنت بغير رضا الشخص الذي يظهر في المحتوى – أثناء عمليات الإغلاق. وقال أحد خطوط المساعدة في بريطانيا إن الحالات تضاعفت في أبريل الماضي.
وفي فرنسا، بدأ ناشط حملة هاشتاغ باسم “ستوب فيشا” لمساعدة الضحايا على الإبلاغ عن الإساءات بعد ملاحظة زيادة في صور ومقاطع الفيديو لفتيات عاريات على وسائل التواصل الاجتماعي، تحمل أسماءهن.
وفي المغرب، شجعت حملة على وسائل التواصل الاجتماعي المئات من ضحايا “الاغتصاب” لمقاومة الظاهرة التي دفعت البعض إلى التفكير في الانتحار.
وبينما يتم استهداف العديد من الضحايا من قبل شركاء سابقين يريدون الانتقام، يتم الإيقاع بأخريات على يد غرباء من خلال اختراق حساباتهن على وسائل التواصل الاجتماعي لسرقة الصور والمعلومات.
وأصبح الاعتداء الجنسي الرقمي أيضا سمة من سمات العنف المنزلي من خلال تهديد الشركاء بمشاركة الصور الفاضحة كوسيلة لممارسة السيطرة.
العرب